أنت هنا

قراءة كتاب ألوان المغيب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ألوان المغيب

ألوان المغيب

كتاب " ألوان المغيب " ، تأليف عبد الواحد لؤلؤة ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

ترمي القصائد الرمزية إلى الاستثارة واستدعاء المشاعر، لا إلى الوصف، أو الحكي، كما ان الصور الرمزية تعبـّـر عن حالة الشاعر الروحية· وثمة ظاهرة خلط الحواس synesthesia التي عـُـني بها الرمزيون عناية خاصة، فكان بعضهم يحدّد ثم يمزج الحواس ببعضها، مثل حاسة الشم والسمع واللون· ففي قصيدة تطابقات Correspendences يتحدث بودلير عن غابات الرموز فنقرأ:

ثمة عطورٌغضـّـة ٌ كأجساد الأطفال

عذبة ٌ كالنايات، خضراءُ كالـمـروج

وغيرها، فاسدة ٌ، غنية ٌ، منتـصرة ٌ،

لهـا اتــّـساع الأشــيـاء اللامـحـدودة،

كالعنبر، والمسك، واللـّـبان، والبخور،

التي تصدح بابتهاج الروح والحواس·

ويتحدث رامبو عن حروف العلـّـة ونظائرها من الحركات:

الألف سوداء، الياء بيضاء، الكسرة حمراء، الضـّـمة خضراء، الواو زرقاء···

ويحاول كلا الشاعرين تماهي الأحاسيس مع بعضها· وهذا يذكـّـرنا بقول نزار قباني في وصف قدرة الخيال الرمزية على خلط الأحاسيس:

كميـْـسِ الهوادج، شرقيـّـة ٌ

تسوق إلى الشمس حلو الحـُـدا

مـَـيسُ الهوادج حركة ٌ لكنها تسوق، كما الإبل، هذا الإحساس بالحركة حـُـداءً هو صوت ٌ يندفع بعيداً·· إلى الشمس، وهو تصـّـور لا يستطيعه سوى الخيال الرمزي:

تخيـّـلتُ حتى جـَـعلتُ العطورَ

تـُـرى، ويـُـشمُّ اهتزازُ الصدى

مـَـن غيرُ نزار يستطيع أن يتخيـّـل مثل هذا الخيال؟!

في عام 1884 نشر پـول فـيرلين سلسلة مقالات عن ثلاثة من معاصريه من شعراء الرمزية، هم تريستان كوربيير وآرتور رامبو وستيفان مالارميه تحت عنوان الشعراء الملاعين· يرى فـيرلين أن كل واحد من هؤلاء الشعراء الذين كانوا مـُـهـْـمـَـلين حتى - لك التاريخ يجد في النبوغ لعنـَـةً فنبوغهم يجعلهم معزولين عن معاصريهم، مما يدفعهم إلى الرهبـَـنـَـة والانغلاق على الذات واتخاذ أساليب في الكتابة تختصـّـهم دون سواهم· يعود مفهوم الشاعر الملعون عند فـيرلين إلى بودلير في أولى قصائد أزهار الشرّ بعنوان مباركة Bénédiction التي تصف شاعراً لا يضطرب صفاؤه الداخلي بما يحيطه من ازدراء الآخرين من حوله· بهذا المفهوم عن النبوغ وعن دور الشاعر، يشير فـيرلين بشكل موارب إلى جماليات آرتور شوپـنهاور (1788-1860) شاعر التشاؤم الألماني، الذي يرى أن غرض الفن هو توفير ملاذ مؤقت بعيداً عن عالم صراع الإدارة الأعمى· ويشترك المسار الرمزي مع شوپـنهاور في عدد من المفاهيم· فكلاهما يرى في الفن ملجأ للتأمل، بعيداً عن عالم الصراع والإرادة· ومن هذه الرغبة في ملجأ فنـّـي بعيد عن العالم، توجـّـه الرمزيون إلى موضوعات من التصوّف والانشغال بالعالم الآخر وفكرة الموت والفناء وإدراك مخاطر قوة الجنس المهلكة· ونجد هذه الموضوعات في قصيدة مالارميه بعنوان النوافذ هنا نجد إنساناً يحتضر في سرير مستشفى، يبحث عن مهرب من الألم والرعب مما يتجسـّـد حوله، فيستدير إلى النافذة، متقزّزاً من الإنسان ذي الروح القاسية، حيث لا تتغذّى سوى شهواته··· فيدير ظهر للحياة ويهتف:

أعجب لنفسي، أجدني ملاكاً! أموت، أحـِـبّ

- ليت الزجاج يغدو فنـّـاً، أو تصوّفاً-

لكي أولد من جديد، أحمل حلمي إكليلاً

تحت سماء الأمس تلك، حيث كان الجمال يزدهر!

أمـّـا كيف يغدو زجاج النافذة فنـّـاً، أو تصوّفاً فهو منطق مقصور على أصحاب الرمزية؛ والمعنى دائماً في قلب الشاعر، وقيل في بطن الشاعر، والله أعلم !

قام الشاعر المغربي المبدع محمد بنـّـيـس بصنع أول ترجمة عربية لقصيدة مالارميه بعنوان رَميةُ نـَردٍ أبداً لن تـُـبطـِـلَ الزهر Un coup de dés jamais nصabolira le hasard نشرتها دار توبقال في الدار البيضاء بالمغرب في 7 أيلول (سـپـتمبر) 2007، في طبعة فاخرة، بحجم ونوع من الحروف يحترم رغبة الشاعر، كما يشرح المترجم في صلة وصل مع القصيدة· وقد صدر من هذه الترجمة 002 نسخة فقط ، كما صدرت 99 نسخة أخرى صحبة النسخة الفرنسية من القصيدة، مع صلة وصل بالعربية والفرنسية، وفي التاريخ نفسه·

فلأسارع بالقول إن ترجمة العنوان قد تكون مفهومةً في المغرب العربي؛ ولكني أخشى أن تغشاها ضبابية ٌ لدى القرّاء في المشرق العربي، وأنا لا أفكـّـر بالعبارة المؤلمة: الشرق شرق والغرب غرب، ولن يلتقيَ الإثنان أبداً ولا طيـّـب الله ثرى رَديارد كـپـلنـگ شاعر الإمـپراطورية البريطانية في القرن التاسع عشر·

نقرأ في لسان العرب: النـّـرد لعبة ٌ، وهي فارسية مـُـعرّبة، وضعه أرد شير بن بالك من ملوك الفرس، ولهذا أضيف إليه فقيل النردشير ثم الزَّهـْـر جمع الزَّهرة، وزَهر النـَّـرد (أي الطاولة) القـِـطع التي يلعبون بها (مولـَّـدة) وفي الفارسية الحديثة تسمى اللعبة تـَـخـْـتـَـه نـَـردْ وتخته هذه هي صفة الخشبة التي تجري عليها اللعبة؛ والتـَـخت، كما هو معروف، هو السرير، ومنه تـَـخت المـُـلـْـك· والكلمة الفارسية المعرّبة شائعة الاستعمال في المشرق العربي، واسم اللعبة في المشرق العربي طاولة زَهـْـر وطاولة هذه إيطالية معرّبة بدورها عن tavola· وفي العراق تخفـّـفـت كلمة زَهـْـر إلى زار وإذا كانت كلمة زَهر في اللعبة تعني الحظ في المغرب العربي فإنها لا تعني ذلك في المشرق؛ بل إن الزار يكون أحيانا هدف لعنة عندما لا يحالف الحظ اللاعب، لكنه لا يفيد الحظ كما هو الحال في المغرب فيقال لك: إذا لم تصل على الموعد فهذا زهرك

لذلك، فالمشرقي لا يقول رَمـْـيةُ نـَـرد بل رمية زَهـْـر أو رمية زار فيغدو العنوان مفهوماً أكثر للمشرقي إذا قيل رَمـْـيةُ زَهــْـرٍ أبداً لن تـُـبطل الحظ أو الصـُـدفة وهي الكلمة التي تردّد المترجم في استعمالها، وهي ما تفضله الترجمات الإنـگـليزية: chance، والإيطالية caso وربما في لغات أخرى·

لكن ما تثيره ترجمة العنوان من غموض ليس سوى مقدمة لغموض القصيدة التي تستعصي على القراءة مـَـثنى وثـُـلاث ورُبـاع· وهذا ما يتحدث عنه المترجم الذي بقي يعالج القصيدة على مستويات شتى لمدة عشرين سنة تقريباً، ويجنـّـد لفهمها وتذليل غرائبها عدداً من أصدقائه من شعراء المغرب، ذوي ثقافة فرنسية مثله، مع شعراء وباحثين آخرين من جنسيات وثقافات فرنسية أو إيطالية·

الصفحات