أنت هنا

قراءة كتاب إمبراطورية الأكاذيب : مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11/أيلول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إمبراطورية الأكاذيب : مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11/أيلول

إمبراطورية الأكاذيب : مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11/أيلول

كتاب " إمبراطورية الأكاذيب : مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11/أيلول " ، تأليف نبال خماش ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

إزالة - اجتثاث - البعثية 

De-Baathification

قبل أسابيع قليلة من سقوط مدينة بغداد بأيدي القوات الامريكية الغازية، كان المسؤولون في البنتاغون ومخططو السياسة يتحدثون عما اتفق على تسميته ببرنامج إزالة البعثية لنـزع كل سمة بعثية من المؤسسات الحكومية والجيش والدوائر الأمنية في العراق، وإبعاد عناصر الحزب الحاكم من مواقع المسؤولية في الوظائف العامة، والقضاء على أي صلة تربط الشعب العراقي بالحزب· وهذا البرنامج تمت استعارته من برنامج تاريخي آخر اسمه إزالة النازية الذي طبق بعد الحرب العالمية الثانية في ألمانيا·

وبعد فترة من سقوط العراق بأيدي قوات الاحتلال الامريكية- البريطانية، أعلن ناطق باسم ما يعرف بالإدارة المدنية للعراق أنه سيتم تعيين موظفين عراقيين جدد ليحلوا مكان عدد من كبار المسؤولين الذين كانوا مرتبطين بحزب البعث· وأوضح الناطق باسم الإدارة المدنية أن هذا الإجراء يندرج في إطار تطبيق المرسوم الذي أصدره الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر القاضي بإبعاد عناصر البعث من مواقع المسؤولية في الوظائف العامة· حيث كانت أُولى الخطوات التي اتخذها بريمر بعد وصوله لبغداد منع أعضاء حزب البعث من تولي أي شكل من أشكال السلطة كما وأعلن عن قائمة تشمل 03 ألف اسم لأشخاص عراقيين لا يحق لهم الحصول على وظائف في البلاد، ثم أعلن عن تسريح الجيش العراقي بكافة قطاعاته ووحداته، إضافة إلى إلغاء وزارة الداخلية ووزارة الإعلام ودوائر المخابرات والاستخبارات·

يبدو أن الإدارة الامريكية وهي تعلن عن إزالة البعثية في العراق تستحضر تجربتها التاريخية في علاقتها مع ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية وما نجم عنها من انهزام ألمانيا ومحورها وانتصار الولايات المتحدة وحلفائها· ففي تلك المرحلة تركزت الجهود الامريكية على ما عرف آنذاك بـ إزالة النازية من خلال ملاحقة كل عناصر الحزب النازي وتصفيتهم جسدياً أو إحالتهم إلى المحاكم لتصدر بحقهم أحكام كبيرة· أما الآن فيحاول الأميركيون استخلاص الدروس والعبر من هذه التجربة وعدم تطبيقها حرفياً على النموذج البعثي في العراق، لأسباب موضوعية أهمها أن زمن حكم البعث في العراق يعادل أكثر من ثلاث مرات مما حكم الحزب النازي في ألمانيا، وخلال هذه الفترة الطويلة تشكلت شريحة كبيرة من الشعب العراقي مرتبطة بدرجات مختلفة مع الحزب الحاكم؛ وهذا يعني أن ملاحقة هذا العدد من الناس ستضطر القوات الامريكية إلى الدخول في حرب جديدة هي في غنى عن تجرع آثارها· لذا لم تطبق السياسة الامريكية القديمة بحذافيرها في العراق وفتح المجال في المرحلة الاولى لأعضاء حزب البعث وبعض قياداته التاريخية لممارسة أدوارهم الاجتماعية والعيش داخل المجتمع بشكل طبيعي مقابل التخلي عن الأيديولوجيا القديمة وعدم ممارسة أي دور سياسي·

وبعد انهيار النظام البعثي في العراق، استبق نظيره السوري المحاولات الامريكية لاستهدافه ضمن يناريو إعادة رسم خريطة المنطقة السياسية، فشرعت دمشق من ذاتها إلى إجراء مراجعات شاملة سواء على صعيد السياسة الداخلية أو الخارجية، وبدأ كلام جديد يسمع للمرة الأولى عن مسؤولين سوريين حول ضرورة تخفيف قبضة حزب البعث عن مؤسسات الدولة وفعالياتها كافة، وأهمية تفعيل الأحزاب لتنشيط المشاركة السياسية· وفي قرار أصدرته قيادة حزب البعث ونشرته مختلف الصحف السورية أكدت القيادة الحزبية أن دور الحزب هو التخطيط والإشراف والمراقبة، أما إختيار الأكفاء فيجب أن يكون بين الأفضل من المواطنين بغض النظر عن الانتماء السياسي، وهي المرة الأولى التي تطرح فيها الدوائر السياسية في سوريا اقتراحات بشأن توسيع دائرة الاختيار في المناصب السياسية والحكومية الكبيرة بحيث لا تكون حكراً على أعضاء حزب البعث· حتى أن صحيفة تشرين السورية نشرت تعليقاً على هذا القرار قالت فيه: إن الرأي الصائب ليس حكراً على تجمع أو حزب، فيما كانت الثقافة السائدة طيلة عقود مضت أن الرأي الصائب هو ما يصدر عن الحزب والقائد(14)·

على المستوى التطبيقي والواقعي، فإن عدداً من دوائر القرار والمحللين السياسيين في الولايات المتحدة نظروا إلى القرار الأمريكي القاضي بحظر نشاطات حزب البعث بأنه خطأ كبير ارتكبته إدارة الاحتلال مثله مثل حل الجيش النظامي، واستدلوا على هذه الفكرة من خلال التداعيات والآثار الناجمة عن هذين القرارين، حيث تصاعدت عمليات المقاومة الوطنية إضافة إلى تنظيم المظاهرات وظهور دعوات الإضراب العام، وهذه إشارات أخذت بالظهور بشكل واضح بعد ما يقارب ستة اشهر من الاحتلال، بشكل يدل على أن حزب البعث تمكن من إعادة بناء تنظيمه رغم كثافة العمليات العسكرية للقوات الأمريكية للوصول إلى اكبر عدد ممكن من البعثتين المتخفين·

وبالفعل فإنه مع تصاعد المواجهة بين قوات الاحتلال الامريكية والمقاومة العراقية، فقد أخذت الادارة المدنية للاحتلال بالتراجع عن بعض سياساتها التي أثبتت مراجعة التجارب والوقائع فشلها، وعلى رأس هذه السياسات كان مشروع ازالة البعثية حيث أعلن الحاكم الأمريكي للعراق ، بول بريمر، بأنه سيستعين بالبعثيين من ضباط ومدنيين بعدما كان أمعن وعيداً في اجتثاثات هذا الحرب من الجذور، وبالفعل فقد تم السماح باعادة توظيف عدد من كبار المنتمين السابقين لحزب البعث في عدد من الوظائف الحكومية المتقدمة، كما وطبقت نفس السياسة في الجيش العراقي جراء المفاوضات التي قامت بها القوات الامريكية مع قيادات المقاومة اثناء حصار مدينة الفلوجة (نيسان 4 0 0 2) في انجاز اعتبر بمثابة انتصار نوعي لصالح المقاومة العراقية ضد المشاريع والاستراتيجيات الامريكية·

إذا كانت الإدارة الامريكية تعمل على إزالة البعثية أو اجتثاثها فمن الأجدى لنا كعرب لمواجهة المخاطر الناجمة عن هذا السيناريو، أن نعيد قراءة الفكرة التاريخية التي تبلور حولها حزب البعث ليصبح فيما بعد أهم تشكيلة سياسية في بلدين عربيين، وهي بالمناسبة فكرة قابلة للحياة، فكرة تؤمن بالوجه الإنساني للحكم والتعددية، والتنمية الحقيقية، وليست فكرة البعث الذي له نفس الزعيم الملهم المعصوم الذي تتجسد الدولة بشخصه، وشخصه بالدولة·

الصفحات