أنت هنا

قراءة كتاب تفريغ الكائن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تفريغ الكائن

تفريغ الكائن

كتاب " تفريغ الكائن " ، تأليف خليل النعيمي ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

2

الغيم يمر· يتبعه الدخان· دخان باريس المتراكم باستمرار· وفي القاع كانت الأزوال، هي الأخرى، تمر· أزوال لا ماهيّة لها ولا ألوان· هيئات راكضة مثل الطيور الهاربة من صياد· حفيف الشجر البعيد، على السين هو الآخر، لا يصل إلينا· شجر واقف مثل الهياكل الحجرية الصاغرة· وفي الأسفل يبدو الماء آسنًا وغثيًا·

إلى الماء الباهت، هذا، كنت أعطش؟

لا، ذلك لم يكن إلا حلمًا، حلمًا مفتعلاً ورديئاً·

وبدأت تركبني الفكرة المتسلطة: لماذا يفقد الإنسان، شيئًا فشيئًا، صفاته، ويتحول إلى إنسان شبيه؟

صمت·

كنت في المقهى، ومر بائع الأزهار· أزهار حمر بيديه· نظرت الأزهار الحمر بشغف، ولم أشتر· كان الوقت مساء· وكنت وحدي· لمن أشتري زهرًا؟ ذلك المساء قررت (وقراراتي صارت ملزمة لي): ألا أفرط في شيء أحبه، بعد اليوم· يكفي لذلك ألا أتابع اللعبة اللفظية للحياة· لماذا أضع نفسي في و ضع تافه؟

أن نفعل ما لا نريد، هو أن نضع أنفسنا في خدمة القمع المعمم· في خدعة الكون

أعود إلى الهوس، إذن· هوس التخلص من الالتصاقات القديمة· هوس تفكيك الذات وتركيبها·

كانت لا تزال لاصقة بي· تنظرني خلفًا· ترى إلى ضعفي وشتاتي· تفهمني، ربما أكثر مما أفهم نفسي· يؤلمني هذا الإحساس بالعجز عن اتقاء شر من لم أحسن إليه· اللعنة، لا زلت أبحث عن وسيلة أمزق بها الغشاء السري الذي يكبل عقلي البليد·

وأخرج كالملسوع· دمشق· الساعة السادسة صبحًا· الجو هادئ وجميل· التيه يبدو في متناول اليدين· الطرقات خالية· أبحث عن تاكسي· أريد أن أركب فورًا· أن أطير إلى الحدود· الثلاثاء كانت البارحة· إجازتي انتهت· إجازة اليوم الواحد في الأسبوع· الجسد الساخن الذي كان ملتصقًا بي لا زال يلتصق بروحي· أحس مادته تترامى عليّ· تلبسني كما يلبس الثوب لابسه· كنت لا زلت أنفرد بين أثنائه وفضاءاته· أتمتع بالمزج والاختراق· وأحضن نفسي بلذة، لئلا يسقط الجسد اللطيف عن الأغصان·

أحضنها وأنا أتابع المسير، بهجًا، حتى الكراج· كراج سيارات النقل العتيقة الذاهبة إلى الحدود: انخل، نوى، الصنمين، الأحجار السود المرمية على القاع· ونهوضات السنابل الهشة مثل الدخان الوليد· أريد ولا أريد· وأحسها تململ خلفي·

تريد أن تنهشني· وأخاف حقًا·

أريد أن ألتفت· لا· أرى من جديد إلى أسفل الأرض· اختلاط مستمر يملأ نفسي: عندما ينتقل الإنسان، كيف تنتقل الذكريات؟ وعندما يغير مكانه لم لا تغير هي الأخرى مكانها؟

وأمتليء، فجأة، برغبة الطيران· ألقَحُ نفسي من علٍ نحو القاع· أحس بيدي تمتد إلى الزجاج الغامق الكتوم: زجاج منع الضجة والصوت· وأكاد أسمعني أردد:

- عندما تأتي إليك المرأة فهي تأتي لأمر ما·

- سخيف· قالت·

-لم أقل شيئًا· قلتُ·

- سخيف، أيضًا· قالت وأضافت فورًا:

- سخيف كلك: صمتك· كلامك· انفعالك· مشيك· وقوفك· سكونك· حركتك· أنت كلك سخيف من الشام إلى باريس، ومن باريس إلى الشام، ذهابًا وإيابًا وبلا اسكال

الصفحات