أنت هنا

قراءة كتاب عمر بن الخطاب شهيدآ

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عمر بن الخطاب شهيدآ

عمر بن الخطاب شهيدآ

كتاب " عمر بن الخطاب شهيدآ " ،تأليف عبد الله خليفة ، والذي صدر عن دار المؤسسة للدراسات والنشر .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

صارت الأسواقُ ممتلئةً بالبضائع وثمة حشود لا تشبع من شراء القماش واللحم والدقيق وكأن الأكل سوف ينفد· ما بالهم يتهالكون على اللذاتِ والخيرات؟ لا بد أن ثمة أسبابًا عميقة؟ من بقي على حاله؟! قلة قليلة!

يرى ثلةً من الفرسان قادمةً من طريق العراق، وهي تخبُ خببًا، ولا تدل حركتها على نصر أو هزيمة، تقتربُ منه، فيعرفهُ قائدهم الذي يترجلُ فيكتوي قلبه:

- أهذا أنت أيها المثنى الشيباني، لم تأت بك انتصاراتٌ!

تقدم المثنى بهدوءٍ وقال:

- يا أمير المؤمنين أخباري لا تسر الخاطر· لقد حوصرنا من قبل الفرس وانتفض علينا الناس، فتركنا ما فتحناه!

- تعالْ استرح ولنفكر بعد ذلك ماذا نفعل··

قادهم إلى بيتٍ خال· وتركهم يستريحون، فيما كان هو يغلي ماشيًا··

يمضي إلى مرتفع، يرى نارًا فيدهش، من يعيش هناك؟ يصعد فإذا خيمة وثمة أشباحٌ غريبةٌ· يقترب فيرى امرأة تطبخ والدخان يتدفق من تحت القدر، وصياحٌ يعلو من الخيمة· يقفُ غير بعيد، لا يريد أن يزعجَ المرأةَ في طبخها، لكن الصراخ لا ينقطع، والمرأةُ مستمرةٌ في هذا الطبخ المتعب، والأكلُ لا ينضج، والصراخُ راح يدوي في روحهِ، وكأن الأطفالَ راحوا يمزقون جلدَهُ بأظافرهم، اندفعَ إلى المرأة محييًا، ثم قال:

- ما بال هذا الصراخ يا امرأة لا ينقطع؟ ألا تطعمينهم ليناموا!

تطلعت فيه المرأةُ بلا اهتمام وقالت:

- كيف جئت إليَّ يا هذا؟ و لماذا تقحمُ نفسك في شأني!

- إنني لا أستطيع أن أسمع بكاء الأطفال دون أن أتدخل!

- لو كان الخليفة مثلك!

- وما دخل الخليفة في هذا الشأن؟

- إنه ولي أمر المسلمين ويتركنا في هذا الجوع والبرد!

- إنه لا يدري!!

- ولماذا صار خليفةً إذن؟!

- سوف أحضرُ لك شيئًا للأكل··

ونزل وكأنه يتدحرج، قذفتْ به الأسئلةُ خطوات إلى الأمام دون أن يتبين موقعه: (كيف أستطيع أن أعرف شؤون كل هؤلاء الناس؟ من يموت جوعًا الآن في اليمن؟ من يُضربُ عسفًا في عُمان؟ كيف لي أن أحيطَ بكل هذا الألمِ والفقرِ والعذاب؟ هل أكون وحدي لأنقذ كل هؤلاء الناس؟ هذه امرأةٌ على مرمى حجرٍ من بيتي ولكن أطفالها يصرخون من الجوع؟! هل صُمت آذانك يا عمر أم انقطع نظرك! كلُ حادثةٍ لا بد أن تغذي حسك واهتمامك وتجعل لك ألف عين وألف أذن فتصيخُ لكلِ نأمةِ ألمٍ، بدلاً من غفواتك المستمرة···!)·

وصل إلى المخزن ورأى أسلم يكاد ينام، قال له برفق:

- أصح يا أسلم وأحضر دقيقًا وفاكهةً وقماشًا··

- في عز الليل يا أمير المؤمنين··

- هيا أسرع··

ومضى أسلم، وهو يكملُ القولَ في نفسه: (أكاد أسمعُ الصغارَ يبكون ورائي! أي حشودٍ من الأطفال في البراري وفي الخيام ووراء الصحارى؟ أكلهم يتعذبون هكذا؟ ماذا جرى لي؟ أي غفلةٍ هذه؟)·

وأحضر أسلم الأشياءَ وأراد أن يمضي به في الطريق لكن عمر حملها، فهتف أسلم:

- دعها يا أمير المؤمنين··

- أنا الذي أحملها، أنا أحمل أثقال الناس ومسئول عنها، فأي أجر لي إذا أنتَ قمتَ بذلك؟

- ولكن الحمل ثقيل··

صعد التلةَ فإذا النارُ هي نفسها والقدرُ لم ينضجْ شيئًا والبكاءُ يتصاعدُ وينشرُ لحمَه·

راح يطبخ للمرأة وينحني تحت النار وينفخ، والدخان يتخللُ لحيته، ويشعرُ بصعوبةِ عمل النساء وكيف يتعبن طوال اليوم أمام هذه النيران وقرب القدور، ورأى الصبية يخرجون من تحت ألحفتهم ويقتربون منه، وراحت أصواتهم تتغير! ياه ما أجمل الأطفال، عصافير جميلة لها زغب!

نضج الأكلُ واندفعوا، وراحت المرأةُ تدعو له وعليه!

الصفحات