أنت هنا

قراءة كتاب قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير

قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير

كتاب " قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير " ، تأليف علي عبد الأمير عجام ، والذي صدر عن دار المؤسسة للدراسات والنشر .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

الفصل الأول
قاسم عبد الأمير عجام··· مذكرات أو أشبه
دعوة للتذكر
(1)
منذ شهرين تنام رسالته على مكتبي بعد أن التقيته في المسيب عند أحد الأصدقاء، وكان فرحه بي يخجلني حقيقة إذ يشعرني بكل خجل المتواضعين الذي في·· إذ عبر عن اعتزازه بي وبأهمية لقائي بالنسبة له مشيرا إلى سمعتي الثقافية والأخلاقية·· الخ· ثم حدثني عن مشروعه في تأليف كتاب عن مدينتنا، المسيب، اجتماعيا، وهو يريدني، وقد لمس تشجيعي بل حماستي لمشروعه، أن أكتب له شيئا عن أسرتنا فيها·· ودور بعض أفرادها ودوري أنا·· ها أنا أحاول أن أجيب طلبه، بل إنني أجيب طلبا مماثلا لصديق آخر هو السيد أحمد زكي الأنباري، الذي يكتب هو الآخر عن المسيب وقد هاتفني منها يرجوني الكتابة بمثل ما أراد الأخ جواد عبد الكاظم·
فيا للطلب العزيز، ويا لإغراء السباحة في بحيرات الذاكرة وأنهار الذكريات ! يا للعنة متاعب حياتنا التي تستهلكنا حتى لنتأخر عن مثل هذا الإغراء كما فعلت لحد الآن، فإلى العزيزين جواد وأحمد اعتذاري العميق لتأخري، وإليهما تحياتي وشكري لثقتهما وعساني أن أكون في سطوري التالية مفيدا لمشروعهما·
كثيرون يكذبون، أو يشككون في أحسن الأحوال، تاريخ ولادتنا المدون في دفاتر النفوس، كما كنا نسمي ما يعرف اليوم ببطاقة أو هوية الأحوال المدنية، إذ لم يعتد أهلنا يومها إلا القليل منهم، أن يوثقوا حياتهم حتى لو كان يوما ولد لهم فيه خلف يجدد صلتهم بالحياة، وحين يضطرون إلى ذلك، لأمر رسمي مثلا فإنهم يلجأون إلى الذاكرة ويستشهدون بالحوادث البارزة، فهذا ولد مع (دكة) والمقصود ثورة رشيد عالي الكيلاني ! وتلك ولدت في سنة فيضان دجلة و·· و· الخ، وحين يسجل تاريخ الميلاد فكثيرا ما تطرح منه سنة أو أكثر سعيا لتأجيل سوق (الأولاد) إلى الخدمة العسكرية ! وهكذا سألت والدتي ذات يوم إذا كان تاريخ ولادتي المثبت في دفتر النفوس، وهو عام 1945، صحيحا فراحت تسرد لي، وهي تحب القص وتجيده، ذكرياتها عن يوم مولدي وبعده الزمني عن (دكة) رشيد عالي· وبعد الكثير من التفاصيل والمقارنات أشعرتني أن ذلك التاريخ كان صحيحا على الأرجح· وجدتني مع أولى بدايات اشتغال ذاكرتي محاطا بحب سخي يقرب من الدلال؛ فقد كنت الولد الذكر الوحيد لأسرتي بعد خمس بنات أدركت منهن ثلاثا إذ توفيت اثنتان منهن طفلتين، ولم يكن ذلك الحب مقصورا على أهل بيتي، إذ كان يغمرني به جيراننا حتى إن إحدى فتيات الجيران احتالت ذات يوم لتحتفظ بي في بيتها من الصباح إلى الغداء دون علم أسرتي، مما أصاب أهلي برعب عاصف خوفا من أن أكون قد غرقت في الشط أو قد جرى لي مكروه، وكان الصبية أو الصبايا الذين يتعلمون قراءة القرآن على والدتي في بيتنا يغمرونني هم الآخرون بمحبة تنافسية أتذكر منها خيوطا تتراوح بين الوضوح الكامل وبين ما حدثتني به والدتي ذاتها، ومن بين ما حدثته تلك المحبة الفائقة التي كان يغدقها عليّ أحد تلاميذ أمي المتفوقين ذكاء، والمتفوق نشاطا وحركة ولباقة، إذ لم يكتف بملاعبتي ومنحي ما يتيسر له من حلوى، بل كان يحملني على كتفيه أو ظهره، وأحيانا يختطفني على غفلة من أستاذته (الملة) أمي ليطوف بي في الأسواق، بل وقد يذهب بي إلى خان الدواب حيث تربط الحمير والخيل التي كان الريفيون يأتون عليها إلى المدينة، مما كان يعرض ذلك (التلميذ) المشاكس إلى عقاب أو حساب والدتي وتقريع أمه أيضا·· خوفا عليّ· لكنه استمر في محبته تلك، وحين كنا نلتقي وأنا طالب متفوق في الدراسة الثانوية وهو جامعي متفوق ثم مدرسا للفيزياء يشار له بالبنان، كان يصر على تذكيري بتربيته لي كما يقول·· كان ذلك هو حمزة خضير الدجيلي·· الدكتور العالم بالفيزياء حاليا· أو كما تعرفه المسيب منسوبا إلى أمه الصابرة المثابرة التي صنعته بالكد وماء العيون حد العمى (حمزة قايه) ! والمرحومة (قاية) هي أمه التي أتذكرها تبيع النفط الأبيض، حاملة براميله وصفائحه على رأسها، وقطراته المتتالية تأكل في عيونها ووجهها، لتنفق على حمزة ابنها الوحيد وعلى بناتها·· حتى نال درجة الشرف من جامعة بغداد ومنها ارتقى إلى درجة الدكتوراه من أمريكا في أحد فروع الفيزياء (لعلها الفيزياء النووية)، ليعود أستاذا وعالما مرموقا لم ينس أستاذته الأولى·· أمي· أجل·· إذ قال لي يوما وأنا أبلغه بحصولي على شهادة الماجستير بدرجة امتياز إن الأم التي أنجبتك قد سبقتك بتعليمي أنا، ويشير إلى نفسه باعتزاز، وشهادتي ثمرة غرسها المبكر وصبرها على تعليمي وتحفيظي وضبط النطق وقراءة القرآن الكريم·· وبالتالي كل قراءة ! وهذا مجرد مثل واحد لتلاميذ أمي· ومثل جيران البيت كان جيران الدكان·· دكان والدي العطار، يغمرونني هم الآخرون بمحبتهم حينما أحمل إليه، وحتى حين كبرت وصرت أذهب إليه بنفسي فأتلمس تلك المحبة·· وكان والدي رحمه الله يكثر من ترديد الصلاة على محمد وآل محمد (ص) بصوته العريض كلما رآني بين يديه حتى لقب ب (أبي الصلوات) لعلني وأنا أتوقف عند هذه المحبة السخية المتدفقة من أكثر من نبع أجدني قادرا على أن أفسر بها متانة علاقتي الاجتماعية بالناس، ونزوعي المبكر نحو التضامن مع الآخرين في أفراحهم وأعمالهم·· وهذا ما كان في أساس اختياراتي الفكرية وأعمالهم· وهذا ما كان في أساس اختياراتي الفكرية والأدبية اللاحقة·· إذ نشأت في جو علاقة حميمة بالناس أساسها التآلف والمحبة··
 

الصفحات