أنت هنا

قراءة كتاب قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير

قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير

كتاب " قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير " ، تأليف علي عبد الأمير عجام ، والذي صدر عن دار المؤسسة للدراسات والنشر .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

في أجواء 41 تموز 1958

كانت ثانوية المسيب هي المدرسة الواقعة مقابل إعدادية المسيب الحالية، حيث تقع على شاطئ الفرات مباشرة، وعليه تفتح ساحتها بشكل حرف U وهي مشغولة الآن بمدرسة ابتدائية· كان مديرها هو الأستاذ حسن هادي الأنباري مؤلف مسرحية الزوجة الثانية التي أشرت إليها من قبل، وثمة أسماء مرموقة للتدريس فيها·· فللرياضيات كان الأستاذ عبد الوهاب الدباس وجورج عبد النور· وللتاريخ جعفر جنجون (من الحلة) ورشيد الجبوري، ثم انضم إليهما مدرس شاب هو عبد الله القيسي، والحق أن عددا من المدرسين الشباب جاءوا معه منهم عامر محمود ناجي (مدير تربية بابل فيما بعد) للكيمياء والأحياء، وعقيل وخالد (من بغداد) للرياضيات والهندسة، أما الإنكليزية فكان يتولاها أستاذان قديران هما محمد مهدي القزاز ومنير قرياقوس، وفيها التقينا بعدد من المدرسين المصريين لأول مرة ،حيث درسوا عديدا من المواد بعد ثورة 14 تموز 1958·

بافتتاح سنتي الثانية المتوسطة كانت ثورة 14 تموز 1958 تتعمق في مجتمعنا، تتردد أصداؤها في كل ركن منه، لكن ذلك للأسف تم في خضم صراع سياسي حاد لف الشارع السياسي فكان من المحتم أن يلف مدرستنا طلابا وأساتذة، وامتد ذلك حتى إلى النشرات الجدارية المدرسية، وفي أتون هذا الصراع تكونت أولى قناعاتي السياسية من منطلق الحماسة في الدفاع عن ثورة 14 تموز وشعاراتها في العدل الاجتماعي والديمقراطية، وتعزيز المساهمة الجماهيرية في الحياة السياسية والاجتماعية، إذ وجدت في النشاطات الثقافية التي تعددت ألوانها ومنابرها تجديداً خطيرا في حياتنا·

نعم فقد ازدحمت المكتبات بكتب جديدة في السياسة والأدب والاقتصاد، وفتحت مكتبات جديدة، وأصبح لكل مقر نقابة أو منظمة شبابية أو نسوية مكتبتها، وتعددت الصحف وتعددت ألوانها الثقافية، وصار الشعر والمشاهد المسرحية أو التمثيليات القصيرة على مسارح تنصب في الهواء أو حدائق المقرات النقابية من لوازم الاحتفالات السياسية أو الثقافية المحضة، ولعلي لا أكون مخطئا لو أشرت إلى أن أول ذكرى لتأسيس الجيش العراقي تمر في العهد الجمهوري، وكانت في 6 كانون الثاني 1959 هي أول منطلق للمنافسة في تلك النشاطات، إذ شهدت المسيب أكبر مسيرة جماهيرية في تاريخها لتحية الجيش العراقي·

وارتبطت هذه المناسبة بشيء خاص بي·· ففيها سمح لي والدي لأول مرة بالدخول إلى مقهى بمفردي !! أجل ولو لم يكن ذلك المقهى مقرا لاتحاد الطلبة لما سمح لي، وكان ذلك مقهى عبد النبي الخنفور في النزيزة، حيث الآن محل تصليح ثلاجات !! لا أريد أن أستسلم لمغريات الاستطراد هنا، ولذا سأنتقل مسرعا إلى مرحلتين مهمتين في تكويني ضمن المرحلة الثانوية : أولاهما : انتقالي إلى الحلة حيث التحقت في متوسطة الحلة للبنين طالبا في الصف الثالث للسنة الدراسية 1959 /0691، وهناك تفجرت قدراتي الأدبية التي كانت عفوية، على يد مدرس اللغة العربية والأدب الأستاذ سعدي عباس علوش، فقد كان لحبه الشديد للأدب وذائقته الرفيعة للأدب وفهمه الحديث للأدب وأساليب تدريسه أكبر الأثر في وضع خطاي على درب الأدب الحقيقي، فبفضل توجيهه وتأثيره كتبت أول قصة قصيرة، نعم بل وإنها تمت ضمن إجابتي لأسئلة امتحان اللغة العربية في نصف السنة·· إذ كان موضوع الإنشاء هو ((أكتب قصة قصيرة في موضوع تراه، وفق الأسس الفنية لكتابة القصة· إلخ)) فما كان منه إلا أن نقلها من دفتري الامتحاني لينشرها في مجلة كلية التربية !! وقبل ذلك دربنا الأستاذ سعدي على ارتجال الإنشاء في الصف وبشرط أن يكون فنيا في الموضوع والعنوان والمعالجة·

وبحماسة هذا الأستاذ وبتأثير متابعته، جربت كتابة المقال، أول مقال كبير لي في جريدة الرأي العام التي كان صاحبها ورئيس تحريرها الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري·· بعنوان الاتحاد في عليائه والحقيقة في كتاباته، وهو عن اتحاد الأدباء ودوره الثقافي؛ وقد نشر عام 1960 فأشعل حماستي الأدبية، كيف لا وقد نشر معه في العدد نفسه تعليق في باب (مع المجتمع) ينوه بهذا المقال وبحماسة الشباب أمثال كاتبه، كما نشرت الرسالة التي كتبتها مع المقال للجواهري نفسه، وفيها بعض ملامح الجو الأدبي والسياسي السائد آنذاك في مدينة المسيب·

وكان الجو الأدبي في الحلة واتساع مجالات النقاش، وحضور أسماء أدبية معروفة في مقاهيها المتميزة كمقهى (حساني) أو (كازينو سومر) كالقاص المترجم الأستاذ السيد هادي الياسري، والشاعر علي الحسيني (رحمه الله) وغيرهما مما يشجع على الانغمار بالهواية الثقافية بكل جوانبها· وهكذا فعلت مساهما في فعاليات خطابية ومسرحية في المدرسة وخارجها، يوازي ذلك في الأهمية أن تحرري في الحلة من السطوة الشديدة للعائلة، أتاح لي تكوين صداقات مع مثقفين أكبر سنا مني ومنهم بعض أقاربي وأكثرهم معلمون أو مدرسون، وكان مجلسي معهم يشحنني برغبة عارمة للقراءة كما كانت مكتبتها (الحلة) العامة عونا لي في إشباع تلك الرغبة، غير أن قراءاتي السياسية غلبت وقتها على قراءتي الأدبية، على أنني أذكر أنني قرأت بطل من هذا الزمان تأليف ليرمونتوف، والأرض البكر حرثناها لشولوخوف بجزئيها في تلك الفترة، كما قرأت مسرحيات يوسف العاني في كتابه مسرحياتي، ومحمد عبد الحليم عبد الله، ورواية الأرض لعبد الرحمن الشرقاوي في تلك الفترة، وفيها تعرفت إلى مجلة الثقافة الجديدة ومجلة المثقف ·· وشدتني الثانية إلى عمقها الأدبي والثقافي، بينما أشعرتني الأولى بعمقها السياسي المباشر والفكري قبل همها الثقافي، كما تعرفت إلى مجلة الآداب اللبنانية أيضا رغم أني لا أجهل اسمها الذي تعرفت إليه قبل ذلك بكثير، لكني لم أكن أعرف محتواها أو شأنها الأدبي الثقافي·

بعد أن عدت إلى المسيب صيف 1960 ناجحاً من الصف الثالث بتفوق، واصلت نشر مقالاتي في جرائد الرأي العام ، الثبات ، صوت الأحرار ، الحضارة ، الإنسانية ، وجريدة البلاد ، وتنوعت الموضوعات بين السياسة والهموم الاجتماعية والسياسية والأغنية الوطنية·

عدت إلى ثانوية المسيب بعد أن انتقلت إلى مبناها الجديد (الحالي إلى الآن)، ملتحقاً بالصف الرابع العلمي، لتبدأ فيها المرحلة الثانية المتميزة·

ولم تبدأ المرحلة الثانية في الرابع العلمي بل في الخامس العلمي، حيث تقترن باسم آخر من أساتذتي هو الأستاذ هشام أحمد الطالب، الذي كان لي شرف وحسن حظ التتلمذ عليه حين درسنا مادة (الحيوان العام)· فإذا كان أستاذي سعدي عباس علوش قد دفعني على الطريق الصحيح للأدب، فإن هشام الطالب ثبتني على طريق العلم ورسخ اتجاهي العلمي، فقد امتاز هذا الأستاذ بثقافة واسعة جعلت درسه محاضرات غير تقليدية في الثقافة والعلوم·

وكانت ثقافته وإخلاصه لأفقه السياسي، وهو بعثي كان مبعداً من الموصل لأسباب سياسية، يمنحانه سماحة في الرؤية جعلته يجسد لي تجربة حية في حرية الفكر وتسامح الاعتقاد بين المبادئ المختلفة، إذ لم أسمعه يشوه أو يندد برأي خصومه كما كان يفعل أساتذة لنا آخرون ومن منهجه السياسي نفسه· وعلى يدي هشام الطالب جربت القراءة العلمية باللغة الإنكليزية، وربما كانت أول قراءة علمية (في علم متخصص) أصلاً، وذلك بكتاب اشتراه لي ولزميلي عصام صالح، ولزميل ثالث (لا أتذكره) بعد أن دفعنا له ثمنه (600 فلس) وهو كتاب من جزئين من مطبوعات سلسلة بنغوين عنوانه حيوانات لا فقرية (Animals without Backbones)، وما زلت أحتفظ به في مكتبتي مرجعاً علمياً وأثراً عزيزاً لأستاذ عزيز· وسرعان ما تطورت علاقتي بهذا الأستاذ لتتحول إلى صداقة ثقافية، وتطورت أكثر حين مارس بعض الطلبة وبعض الأساتذة أيضاً، مع شديد الأسف، مارسوا ملمحاً من ملامح الصراع السياسي في تلك المرحلة فنقلوا له، لما رأوا من إعجابه بي والتنويه بقدراتي في الصفوف الأخرى، نقلوا له أنني من رأي سياسي مخالف فلماذا هذا المديح، فرد على أحدهم بحضوري وكان أستاذاً لي، مع الأسف مرة أخرى، (بل إنني، يقول هشام، سأزداد أعجاباً به حين يخرج عن خجل التلميذ ليناقشني في منهجي ويحدد اختلافه معي)، والتفت نحوي مبتسماً وقال : استمر حيث تقتنع وأنا ما أزال عند رأيي فيك· وقد ترجم هذا القول إلى موقف متميز في لحظة حساسة من حياتي حين جربت الاعتقال السياسي الطويل لأول مرة عام 1961 (وأقول الطويل لأنه سبقه اعتقال قصير قبل سنة منه)، وكنت في الصف الخامس العلمي إذ وقف إلى جانبي وأسند طلبي بوجوب إدخال كتبي إلى الموقف (السجن) لأتمكن من أداء الامتحان الوزاري العام· وما كتبته عنه لم يشبع حاجتي للكتابه عنه، وكان آخر لقائي به عام 1970 كما أتذكر وقد أصبح أستاذاً في جامعة الموصل، إذ حصل على الماجستير في الطفيليات· وهشام أحمد الطالب، هو أول سفير للعراق في دمشق بعد 8 شباط 1963، وعضو أول دورة للمجلس الوطني عام 1980، والأمين العام السابق لجامعة الموصل ورئيس تحرير مجلتها الجامعة لفترة من الوقت·

الصفحات