أنت هنا

قراءة كتاب قضايا في الرواية الأردنية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قضايا في الرواية الأردنية

قضايا في الرواية الأردنية

كتاب " قضايا في الرواية الأردنية " ، تأليف الدكتور نضال الشمالي ، والذي صدر عن دار المؤسسة للدراسات والنشر .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

المبحث الأول : الموازنة بين الروائي والتاريخي

إن مما يكسب الرواية التاريخية خصوصية، لا تميّزها عن باقي بنات جنسها فحسب بل عن الألوان الأدبية الأخرى، أنها تنطلق نحو متلقٍ واعٍ بمجرياتها العامة (أو يفترض ذلك) مدرك لحيثياتها التاريخية ضمن واقع سياسي مرير، ولن تكون سلطة الأحداث وجماليات الكتابة (أحياناً) آسرة للمتلقي كما هي الحال في الرواية عامة، بل سيكون متحرراً منها مقبلاً على مراقبة آلية تنفيذ الحدث التاريخي وبلورته وسيكون متابعاً لإضافات الروائي التي يجب ألا تكون على حساب المدّ التاريخي ومصداقيته، أو على حساب نفسها، ومن ثم ستغيب المصداقية الفنية، لأن الرواية ليست إعادة كتابة للتاريخ وإلا أصبحت تاريخاً، إنها طريقة أخرى لاستيعابه وإعادة عرضه تمهيداً لاستثماره ممزوجاً بتوضيحات واستكمالات يفترض أنها غُيبت عنه لأسباب سياسية على الأغلب، إن الرواية التاريخية تقدم لنا صورة فنية كليّة تضيف البعد العاطفي الوجداني بعداً ثالثاً تدخل من خلاله عناصر الإبداع الفني (6)التي قد تكون مرغوبة في مثل هذا السياق جمالياً، لكسر حدة الصرامة المنهجية التاريخية·

والرواية التاريخية خطاب أدبي ينشغل على خطاب تاريخي سياسي مثبت سابق عليه انشغالاً أفقياً، يحاول إعادة إنتاجه روائياً، ضمن معطيات آنية، لا تتعارض مع المعطيات الأساسية للخطاب التاريخي· وانشغالاً رأسياً عندما تحاول إتمام المشهد التاريخي السياسي من وجهة نظر المؤلف إتماماً تفسيرياً أو تعليلياً أو تصحيحياً، لغايات إسقاطية أو استذكارية أو استشرافية· إنها سردية تتنازعها مرجعيتان؛ الأولى حقيقية متصلة بالحدث التاريخي (إديويوجيا)، والثانية تخييلية مقترنة بالحدث الروائي (فنيّا)، وتلبية المرجعية الأولى يعني تحقيق المصداقية الوثائقية، وتنفيذ متطلبات المرجعية الثانية يعني تحقيق المصداقية الفنية، ولعل اجتماع المصداقيتين هو مطلب الرواية التاريخية الأول، وحتى يكون ذلك فلا بدّ للمعلومة التاريخية من طريق آمن تعبر منه إلى عمق الرواية، لأن التعامل مع الإيديولوجيا في الإبداع الروائي ينبغي أن يراعي على الدوام طبيعة علاقة هذا الفن بالإيديولوجيا وكيفية تجسيده لها، والاندماج فيها كخطاب إبداعي إديولوجي في الوقت نفسه (7)، من هنا لا بد أن تساءل كيف يستثمر الكتّاب الأحداث التاريخية؟ أي ما الطرق المتبعة في عرض المعلومة التاريخية المستعارة لغايات إبداعية تأويلية؟

الطريقة الأولى: وهي سرد مجموعة من الأخبار التاريخية المتتابعة في مطلع العمل الروائي أو في مطلع المشهد بقلم المؤرخ هي بمثابة تمهيد لمجريات تاريخية ستشتغل عليها الرواية، وقد شاعت مثل هذه البدايات لدى المبكرين في كتابة الرواية التاريخية من مثل جرجي زيدان في روايته الحجاج بن يوسف أوما لجأ إليه عبدالرحمن منيف واستهل به روايتة أرض السواد، إذ عرض في مطلع روايته مقطعاً سردياً كاملاً نصّ فيه على أحداث تاريخية ذات بعدٍ سياسي تعد تمهيدا لتلك الفترة موضوع اهتمام الرواية، وقد سمّى عبد الرحمن منيف هذا المقطع بـ حديث بعض ما جرى: لم يكد سليمان باشا يلفظ أنفاسه - وقيل إن ذلك تم قبل ساعة من الوفاة - حتى جمع رئيس الانكشارية، أحمد آغا، من استطاع جمعهم من الرعاع والسوقة، واستولى على القلعة· تحصن داخلها وأخذ يضرب السراي بالقنابل· لما سمع الناس الدوي أسرعوا فأغلقوا دكاكينهم، وامتلأت شوارع بغداد بالمسلحين من الأهالي، وبقيت الحالة متقلقلة والأمور مضطربة· كان رئيس الانكشارية، أحمد آغا، يريد الصهر الثاني، سليم آغا، واليا، في الوقت الذي وقف محمد بك الشاوي مع علي باشا· أما داود آغا، الصهر الذي تزوج أصغر بنات داود باشا، فقد أدرك أن فرصته لم تحن بعد، لذلك حزم أمتعته وسافر إلى البصرة، وبعد أن قضى هناك فترة يدرّس ويتفقه بشؤون الدين، عاد إلى بغداد واستقر بجانب مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني، حيث يستطيع هناك أن يواصل تلقي الدروس وأن يدرّس(8)·

وبعد، فإن الاقتطاع السابق اقتطاع كتب بلغة إخبارية مباشرة وهو بمثابة مقدمة سياسية حقيقية غير متخيلة بعيدا عن أي بعد اجتماعي أو ثقافي وهو عتبة نصيّة يمكن أن نسميها سردا تاريخيا تقليديا همّه الأول إيصال الفكرة من خلال أقصر السبل المتاحة· وفي المثال السابق يرتهن السرد في بُعد تسجيلي واضح المعالم يقدم المعلومة التاريخية دون تدخل في تحليل أو إيضاح أو مداخلة، بل إنه يوجّه المتلقي إلى الإطار السياسي الذي ستنشغل داخله روايته·

والكاتب في ذلك يقع، أو هكذا يريد، رهينة مطواعية المادة التاريخية التي حذّر منها لوكاش واصفاً إياها بأنها فخ للكاتب العصري(9)، لأن عظمته بوصفه روائياً سوف تعتمد على الصراع بين نواياه الذاتية، والصدق والقدرة اللذين يرسم بهما الواقع الموضوعي· وكلما سارت نواياه على نحو سهل كان عمله أضعف وأفقر وأكثرهزالاً(10)، فالصدق التاريخي حاصل في الشاهد السابق من رواية أرض السواد ولكن على حساب الصدق الفني، خاصة وأن هذه المقدمة السياسية التي عرضها في بداية روايته كانت خارج إطار الزمن المناقش، علماً بأن الراوي كان بإمكانه أن يوزع هذا الحشد المتتالي من الأخبار التاريخية على مجريات الأحداث عن طريق تقنية الاسترجاع أو المونولوج أو تيار الوعي لإحدى الشخصيات، ولكن على ما يبدو أن ازدحام الأحداث فيما سيأتي فرض على الروائي إنجاز مادة ما قبل مستقلة عن مادة ما بعد على الأقل حتى يؤسّس مرجعيّة سياسية لدى القارئ، وهذا ما سوّغ للمرجعية التاريخية أن تتفوق بشكل واضح على المرجعية الفنية· وتكاد تكون سمة السردية التاريخية القديمة منطبقة على الروايات التاريخية في مرحلتها الأولى المنشغلة بالمرجعية التاريخية لغايات تعليمية ظاهرياً، وهذا ينطبق على روايات جرجي زيدان ومحمد فريد أبو حديد وعلي الجارم وغيرهم من كتاب المرحلة الأولى في الرواية التاريخية·

الصفحات