أنت هنا

قراءة كتاب قضايا في الرواية الأردنية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قضايا في الرواية الأردنية

قضايا في الرواية الأردنية

كتاب " قضايا في الرواية الأردنية " ، تأليف الدكتور نضال الشمالي ، والذي صدر عن دار المؤسسة للدراسات والنشر .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

الطريقة السادسة: أن تكون المعلومة التاريخية عالة على السياق الروائي، أي أن حضورها لا يسهم كثيراً في بناء الرواية بل هو تبرع من المؤلف/ الراوي في غير محله لاستكمال هدف قصد إليه المؤلف؛ كأن يكون هدفه تعليمياً مثلاً أو أن عواطفه قد سبقت مخططه في الكتابة، فوقع أسيراً في شرك التاريخ وتغلب الخطاب التاريخي على الخطاب الروائي ومثل هذا نجده متفشيا لدى كتاب المرحلة الأولى من كتّاب السردية التاريخية، ونذكر في هذا الصدد جرجي زيدان الذي مارس هذه الطريقة غير مرة خلال سرده لرواية الحجاج بن يوسف ففي مشهد حواري دار بين عبد الله بن الزبير وبين حسن الشخصية الرئيسية في الرواية، يفتعل المؤلف/ الراوي حواراً يدور بينهما ليسرد على لسان حسن بطل الرواية حوادث تاريخية لا يحتاج إليها السياق بل هي تقدم إضاءة خارجية على بعض الأحداث التي حصلت ولكنها كتبت بقلم المؤرخ: فأسرع عبد الله في قطع الكلام لأنه لا يحب أن يتذكر الخطأ الذي ارتكبه في ذلك ولولاه لكان بنو العوام خلفاء الإسلام بدل بني أمية لشدة اضطراب حال بني أمية في ذلك الحين· وقال لحسن: ثم ماذا؟ أوصلْنا إلى حديث خالد قال: لما مات يزيد بايع أهل الشام ابنه معاوية (الثاني كما تعلمون وهذا لم يكن يرى لبني أمية حقاً في الخلافة كما صرّح جهاراً في خطابه بعد أن تولاها بأربعين يوماً، فإنه أمر فنودي (الصلاة جامعة) فلما اجتمع الناس وقف فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد، فإني ضعفت عن أمركم، فابتغيت لكم مثل عمر ابن الخطاب حين استخلفه أبو بكر فلم أجده، فابتغين ستة مثل ستة الشورى فلم أجدهم، فأنتم أولى بأمركم فاختاروا ما كنت لأتزودها ميتاً وما استمتعت بها حياً) ثم دخل داره وتغيب حتى مات، فلما مات معاوية هذا اختلف الناس فيمن يولونه واضطربت الأحوال حتى آل الأمر إلى مبايعة مروان بن الحكم لأنه··(39)·

ويستأنف السرد إسناد الإخبار التاريخي لهذه الشخصية حتى يروى لعبد الله بن الزبير ما جرى بعد وفاة يزيد، وفي الحقيقة أن الراوي هو من يقحم مثل هذا السرد التاريخي على لسان الشخصية وكأن عبد الله بن الزبير يستمع لهذه الاستذكارات التاريخية لأول مرة· في مثل هذا السياق تتبدل مهمة الرواية من أدبية خالصة إلى تاريخية خالصة وهنا لا يتحقق التوازن بين التاريخي والروائي· بل يجب على المؤلف دوماً من خلال راويه أن يبحث عن الطريقة الأنسب لعرض المعلومة التاريخية المساهمة في بناء الرواية التاريخية مساهمة فاعلة، ولكن ضمن مسارها الخاص الذي لا يفسد أدبية العمل ولا تاريخية الغاية، فليس المهم في السردية التاريخية الحديثة حسب لوكاش إعادة سرد الأحداث التاريخية الكبيرة، بل الإيقاظ التخييلي للناس الذين برزوا في تلك الأحداث، وما يهم هو أن نعيش مرة أخرى الدوافع الاجتماعية والإنسانية التي أدت إلى أن يفكروا ويشعروا ويتصرفوا كما فعلوا ذلك تماماً في الواقع التاريخي(40)·

وقد مسّ زياد قاسم مثل هذا الأمر عندما يتورط في بعض مقاطع الرواية بسرد قرارات تاريخية نصيّة أو خطابات مثبتة تاريخيا كان بالإمكان تجاوزها باختصار مضامينها، فعلى سبيل المثال في رواية أبناء القلعة (ص 378) يضطر لسرد بيان إخباري مطول بنصّه لسرد التطورات السياسية الطارئة في جهاز الحكم في سوريا، وفي الزوبعة كذلك يضمّن الكاتب المشهد الأربعين من الجزء الثاني بيان رئيس المؤتمر السوري الذي يعلن فيه استقلال سوريا الطبيعية، وقد أورده المؤلف بالخط الغامق لأهميته القصوى ضمن مخططه الإيديولجي الخاص: نحن أعضاء هذا المؤتمر بصفتنا الممثلين للأمة السورية في جميع أنحاء القطر السوري تمثيلا صحيحا، نعلن بإجماع الرأي استقلال بلادنا السورية بحدودها الطبيعية، ومنها فلسطين·.(41)· ولا يتوقف البيان عند هذه الكلمات بل يمتد لتنصيب الأمير فيصل ملكا على البلاد بلغة خطابية يمكن الاستغناء عن تعرجاتها بعرض المضامين أو بتوزيع المعلومات على الشخوص فيقدموها من وجهة نظرهم لا من وجهو نظر الراوي المسيطر على استجلاب الأحداث وتحليلها·

كما أن على السردية التاريخية الحديثة أن تحدد في الماضي الأسباب التي كانت وراء ما حدث بعد ذلك، وأيضاً رسم السيرورة التي تطورت بشكل بطيء من خلالها وأحدثت هذا الواقع(42)·

وبعد، فالسردية التاريخية الحديثة لون يتنازعه هاجسان؛ الأول: القضية المعالجة (المادة التاريخية) والثاني: الإخراج (الأداء الفني) ولعل تغليب الجانب السياسي فيها ذي القيمة التاريخية يحوّل الرواية إلى خطاب إيديولوجي مباشر ينتقص من فنيتها من هنا لا بد على الكاتب أن يضاعف من الوسائل الفنيّة الكفيلة بإبقاء العمل ضمن أطره الأدبية·

الصفحات