أنت هنا

قراءة كتاب أبناء رفاعة الطهطاوي - مسلمون وحداثيون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أبناء رفاعة الطهطاوي - مسلمون وحداثيون

أبناء رفاعة الطهطاوي - مسلمون وحداثيون

كتاب " أبناء رفاعة الطهطاوي - مسلمون وحداثيون ، تأليف غي سورمان ، ترجمة مرام المصري ، والذي صدر عن دار المؤسسة

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

إنّ هذه النهضة بدتْ وكأنها نجحتْ· لقد أَوْشَكتْ أن تقودَ العالَم العربي-الإسلامي نحو الحداثة والديموقراطية إلى حدود سنة 0 5 9 1؛ ولكن تحرير الاقتصاد المتدرج وعمليات التنمية الاقتصادية للمجتمعات الإسلامية توقفتْ حينها بفظاظة· وفي كل مكان، تقريبا، استولى العسكريون على السلطة· فتبنوا القومية ثم الاشتراكية كأيديولوجيا· ولحدّ الآن لم يستفق العالَم الإسلامي، أبداً، من هذه الضربة· ومنذ هذه القطيعة ساد الاستبدادُ والفقر، وهما مرتبطان بشكل وثيق· يبدو لنا أن هذا الانعطاف في التاريخ المعاصر يُضيءُ حالة المجتمعات الإسلامية، بشكل أفضل من كل الاعتبارات عن القرآن وتأويلاته· بطبيعة الحال توجد بعض الاستثناءات التي سَلِمتْ من فشل هذا المرور نحو الحداثة، ولكنها نادرةٌ جدا، وتتموقَعُ في ضواحي المجتمعات الإسلامية-وهو مجموع عن قصد-، كما في الكويت، أو بعيداً في ماليزيا· من هذا الفشل انبثقت شعبية قطب الثورية، ما الفائدة إذاً من جلب الحداثة الغربية، إذا كان الثمن هو خسرانُ الروح، من دون اللحاق بالغرب؟

هل يمكن القول بأنّ الفكر الإصلاحي لدى رفاعة قد مات؟ لا، أبداً· في كل المجتمعات الإسلامية، يقوم مُفكّرون، يفتخرون به بشكل دائم، ويجهدون أنفسهُم على البحث عن توليفة بين الإسلام والتقدم· إنّ أبناء رفاعة، هؤلاء- هذا التعبير ليس من عندي، وإنما هُمْ مَنْ اخترعه- ينتمون إلى حركات سياسية ودينية مختلفة؛ البعض منهم قريبون من الماركسية، والبعض ليبيراليون، وآخرون محافظون· كما يوجد أيضاً إسلاميون لا ينادون بالعنف، والذين يحترمون رفاعة لأنه لم يَخُنْ إيمانَهُ أبداً، إذ يكتب رفاعة: معتقدات الباريسيين مثيرةٌ للاشمئزاز(رفاعة يخلط بين باريس والغرب) لأنها تضع الحكماءَ وعلماء الفيزياء فوق مرتبة الأنبياء؛ إنها تنفي العناية الإلهية كما تنفي ما وراء الطبيعة·

إنّ رحلتنا عند المسلمين ستكون إذاً تحت رعاية رفاعة؛ فشرَفُهُ الفكريّ يقودنا· وستكون رحلة بين أحضان المسلمين وليس الإسلام، لأننا نقترح، كمبدأ، مع الفيلسوف الجزائريّ محمد أركون، أن الإسلام هو مجموع تجارب كل المسلمين منذ بداية تاريخهم، بما فيها علاقاتهم مع غير المسلمين· وعقب باحث فرنسيّ متخصص في الإسلام، مكسيم رودنسون، سنُشير إلى أنّ المسلمين يمتلكون تاريخا وجغرافيا، وبأنه لا يكفي قراءة القرآن-الذي ترجمه أستاذي المأسوف عليه جاك بيرك- كي نفهم هذا·

خلال هذه المسيرة، سنقوم بالتمييز ما بين المسلمين والإسلامويين أي ما بين الوَرَع المَعِيش من جانب وما بين النضال السياسيّ من الجانب الآخر· إننا لن نصبغ صفات شيطانية على أيّ طرف· لأننا نعرف بأنّ التطرف يوجد في كل مكان وبأن الأيديولوجيات الأوروبية في القرن العشرين قدّمتْ للبشرية من التدمير أكثر ما سيولِّدُهُ الإرهابُ القادم، دون شكّ· أضيف إلى هذا أنّ الإرهابَ يمكن أن يكون إسلامويا، ولكنْ لا يُمكنُ أن يكونَهُ بالضرورة؛ فبعض الإسلامويين ليسوا عنيفين، والعديد من الإرهابيين ليسوا إسلامويين على الإطلاق! هكذا فإنّ الاستشهاديين الفلسطينيين، لِنُذَكِّر أن طرقَهُم استخدمها الفوضويون الروس، واليابانيون والتامول في سيريلانكا· وأمّا بالنسبة لمليار وأكثر من المسلمين، الذين نَتَقَاسَمُ معهم هذه الأرض وهذا الزمن، فهم في غالبيتهم يبحثون، كما نحن، عن سلام من أجلهم ومن أجل أبنائهم، وعن حياة أفضل وأكثر حرية·

ولكن معظمهم يعيش تحت القمع والفقر؛ إنهم يُحِسّون أيضاً بشعور من أنّ الآخَرِين هم الذين يثبتون القوانين والقواعد، فكيف يمكنهم ألاّ يعانوا؟ يوجد في أوروبا كثيرٌ من أعداء العولمة الذين يخشون أن يفقدوا جزءًا من هوياتهم· فما الذي سيقولونه لو كانوا يعيشون محرومين من كلّ شيء في القاهرة أو في كراتشي؟ بدون شكّ، مثل كثير من المسلمين ومثل كثير من الإسلامويين، كانت سَتُرَاودُهُم بعض أشكال العصيان·

إذا فمن المفهوم أنّ المجتمعات الإسلامية مترددةٌ بين قطب ورفاعة، التخلي عن الحداثة من أجل إنقاذ الهوية، أو رسم طريق وَسَط- إذا كانت موجودةً- بين الوحي الإلهي والمغامرة العلمية والديموقراطية؟

إننا لا نَعرف المجتمعات الإسلامية بشكل جيد، بالرغم من أنها جاراتنا، ونتقدم بِحَذَر، ونَحْرِص على أن نَتَعَلَّم دون أن نوزّعَ كثيراً من الدروس· سنقوم برحلة رفاعة بشكل عكسي، فهو أبحر من القاهرة إلى باريس؛ ونحن سنطيرُ من باريس إلى القاهرة، ثم إلى ما هو أبعد منها، حتى حدود العالم الإسلامي· لقد عاد رفاعة إلى مصر مُحَمَّلاً بما سمّاه تخليص الإبريز في أخبار باريز وكذلك العلوم الغربية، من دون أن يصحب معه ما يَعتَبِرُه الشوائب الماديّة· ونحن بدورنا، وكما فعل هو، سنكون منقّبين عن الذهب· وخلافا للعديد من المؤلَّفات العلمية حول الموضوع، فإنّ هذا المبحث لن يَدرُسَ الثيولوجيا ولا القرآن، ولا الإسلام في حدّ ذاته، ولكن المسلمين والأفراد المتفرّدين والمتميزين حيث يعيشون، سواء بين أحضاننا أو في بلدانهم· إن سرعة الرحلة لا تجعل المشروع سهلا· لقد كان رفاعة في زمنه يستطيع أن يشعر بأنه موجود في الغرب· أمّا في زمننا فالمسلمون مُوزَّعون في أربعة وخمسين بلدا، حيث الإسلام يشكل الأغلبية، ينضاف إليهم المسلمون الذي يشكلون أقليات هامّة كما هي حالة فرنسا· ولا يوجد بلدٌ واحدٌ يُجَسِّد، وحده، الإسلام ولا المسلمين· كثيرٌ من التبايُنات تفرق بينهم، والتبايُن ما بين السنة والشيعة هو الأكثر أهمية، ولكن توجد تباينات أخرى تتعلّق بالمدارس والتقاليد والطقوس وأخرى تتعلق خصوصا بالإسلام في حدّ ذاته· يقول محمد أركون: إنّ الإسلام في جوهره بروتِستانتيّ، فتعددية المسلمين لانهائيةٌ لأنّ كل واحد منهم مُؤَهَّلٌ لاختيار سبيله، وخلق حركته الفكرية· ولكنّ هدَفَنَا ليس هو الوُصول إلى الشمولية، وسنحاول قبل كلّ شيء توضيح تَفَرُّدَ المجموعات الكبرى، أي الإسلام العربي، التركي، الإيراني، الهندي وإسلام جاوة·

ما بين المسلمين وما بين الملاحظين الغربيين تنتصبُ، أخيراً، عقبة أكثر أهمية من الجغرافيا، وهو التفرد الذي لا يمكن اختزالُهُ للإسلام الذي هو في آنٍ واحدٍِ دينٌ وأديولوجيا وحضارة وإيمان· غير أنّ معظم المحللين الغربيين، وبوجه خاص، علماء الاجتماع وعلماء السياسة، يختزلون الإسلام إلى طقوس أو إلى سياسة· وبعدها، فإننا نُخاطِر دون توقف باختزال إيمان المسلمين تارةً إلى وضع اجتماعي وتارة أخرى إلى وَهْم عقلي· كل شيء في علاقاتنا مع العالم الإسلامي يحدث كما لو أنّنا، نحن الذين لا نؤمن بالتعالي، لا نستطيع أن نَتَقَبَّل أن الآخر يُؤمن وبأن ما نسميه أسطورة يمكن أن يكون إحدى الحقائق· إنّ امبراطورية العقل، عندنا، تحول دون رؤيتنا لديمومة الوحي(الديني) لدى الآخَر· إنّ هذا الحائط لا يمكن اجتيازُهُ دون شكّ؛ فلْنَعْرِفْ، على الأقلّ، أنه موجودٌ·

الصفحات