أنت هنا

قراءة كتاب أحاديث الثلاثاء - كتابات لمثقفين عراقيين -الجزءالثاني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أحاديث الثلاثاء - كتابات لمثقفين عراقيين -الجزءالثاني

أحاديث الثلاثاء - كتابات لمثقفين عراقيين -الجزءالثاني

كتاب " أحاديث الثلاثاء - كتابات لمثقفين عراقيين - الجزءالثاني " ، تأليف عطا عبد الوهاب ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

(4)

في موسم عام 1979 اختار المخرج محسن العزاوي مسرحية مجالس التراث تأليف قاسم محمد والتي سبق للأستاذ قاسم أن أخرجها للفرقة القومية· وكان اختيار محسن لها تحسساً في أهمية مضمونها في ذلك الظرف وشكل المسرحية التي يستطيع المخرج فيها أن يوجد رؤية جديدة فيها وتعميقاً للفكرة وخلق جو طريف يتلاءم مع الشكل والمضمون·

كان مكان العرض في المغرب وتونس وكذا نأمل أن نقدم في بغداد لنتعرف على صدى ورد فعل العرض هذا قبل أن ينقل العرض إلى هذين البلدين الشقيقين اللذين يحملان تجارب مسرحية منوعة ومتباينة لا سيما في المجال المسرح التراثي·

لم تخدمنا الظروف وسافرنا ونحن نفكر -والمخرج يحمل الهم الأول- في أن نتدرب هناك·· بمدينة الرباط على مسرح محمد الخامس·· ووصلنا·· وفوجئنا بأن المسرح مشغول بعرض مسرحي فرنسي ولا يمكننا تسلم المسرح إلا صباح يوم العرض!! ولم يكن بالإمكان أكثر مما كان·· حضرنا لتقديم العرض المسرحي من دون أن نخطو خطوة واحدة على المسرح!! كان المخرج محسن العزاوي بحالة لا يحسد عليها·· لكننا حين اجتمعنا حوله وتعهدنا على أن يقدم كل منا أفضل ما عنده ارتاح قليلاً·· لكن الديكور الذي لم يتم كان وفق الصيغة التي تدربنا عليها ببغداد كان أمامنا مثل الطلسم حاولنا أن نألفه· ثم قررنا جميعاً أن يراقب كل منا الآخر إن أخطأ يصحح الممثل الثاني هذا الخطأ أو يتجاوزه وأن نتحمل جميعاً مسؤوليات نقل الأثاث وتبديلها بلعبة مسرحية يمكن التغلب على الصنعة فيها حتى لا تكون مفتعلة·· وبدأ العرض ونحن نرقب أماكن الإنارة لنكون في دائرتها واضحين! فصار العرض حركة دايناميكية متأججة·· اكتسب سمة متميزة من دون أن نقع في زلل أو خطأ يمس مضمون المسرحية أو فكرتها أو الجو الحميم الذي تحمله والصيغة الإخراجية المرسومة لها·· ونجح العرض نجاحاً فذا كانت المجموعة برمتها هي البطلة··

وانتقلنا بعد العرض الأول إلى مراكش ثم إلى وجدة وفي كل مسرح كنا نقف نستمع إلى ملاحظات المخرج العامة التي تكون الخطة·· نستوعبها ونتبادل وجهات النظر من أجل تطبيقها·· في مراكش المسرح علبة ايطالية تستوعب آلاف المشاهدين·· ثم انتقلنا إلى تونس في قرطاج ثم المانستير والقيروان·· والفضاءات المسرحية كما نسميها تتباين وتختلف وليس أمامنا الوقت الكافي لتكييف حركتنا أو تطبيق خطة جديدة·· كنا نستوعب المتطلبات الإخراجية ونعتمد على الألفة الجماعية في العرض ليظل الإبداع هو الوسيلة التي تسد الثغرات وتحولها إلى حالة من حالات التألق الذي استطعنا أن نسجل من خلاله نجاحات لمسرحنا العراقي في ظروف صعبة وعسيرة.

19/11/1990

(5)

هذه تجربة أخرى·· الصعاب أو الصعوبات فيها ذات شكل آخر· مكانها في القطر الجزائري الشقيق، مسرحنا العراقي كان له موقع ضمن الأسبوع الثقافي العراقي الذي انعقد في أيار عام 1975·· والمسرحية كانت مسرحية بغداد الأزل بين الجد والهزل تأليف وإخراج قاسم محمد وتقديم فرقة المسرح الفني الحديث·· وكانت المسرحية قد اختيرت لأنها كانت أفضل مسرحية في ذلك الموسم ضمن اختيارات المركز العراقي للمسرح·

وصلنا مدينة الجزائر يوم 01/5· وكنا نحسب حساب توفر استراحة ليوم أو يومين ونقدم المسرحية في مدينة الجزائر· بعد أن نهيء الديكور وكل متطلبات العرض وأن نجري البروفة المناسبة التي تتلاءم مع المسرح بمساحاته وبالديكور الذي سيكون متلائماً أيضاً مع هذا المسرح·

قيل لنا·· عليكم أن تسافروا اليوم ومن المطار مباشرة إلى مدينة عنابة وتعرضوا المسرحية غدا في مسرحها· كان هذا أول إحراج لنا ونحن ما زلنا في أزمة التعب والإنهاك من السفر· رضينا مجبرين وسافرنا إلى عنابة فأضفنا تعباً على تعب لكننا روضنا أنفسنا على أن نقبل بالأمر الواقع وأن نبدأ ببناء الديكور حتى الصباح·· والفنان المرحوم كاظم حيدر مصمم الديكور تعهد بذلك··

حين وصلنا عنابة أخبرنا أن الديكور لم يشحن في الطائرة لأنها لا تسعه!! والديكور سيأتي غداً وقد يتأخر حتى الساعة الثانية عشرة! سكتنا ولكن إصراراً في نفوسنا وفي المقدمة المخرج قاسم محمد أن نعرض في الوقت المناسب مهما تطلب الأمر·· ومن المطار حتى المسرح·· حين وصل الديكور بدأ العمل متواصلاً كان الفريق بإشراف كاظم حيدر ثم أنجز قبل فتح الستارة بخمس دقائق·· صعدنا إلى المسرح ولا ندري تكوينات الديكور إلا من خلال نظرة ألقيناها عليه وقال لنا المخرج تصرفوا وفق تصوركم من دون إحراج واعلموا أن هذه التجربة جديدة لكم في ظرف صعب ونحن جديرون بتخطيه·· وبدأ العرض وكان مع العرض إحساس بأهمية أن نتجاوز ما يعسر علينا خطوة خطوة حتى انتهى العرض بنجاح فذ كانت مسؤولية كل منا فيه مسؤولية مضاعفة·

عدنا للجزائر وكان أمامنا شرط آخر·· ألا ندق مسماراً في المسرح وألا نقص خشبة وألا نصبغ جداراً··!! بدقائق سريعة قرر كاظم حيدر أن يصنع ديكوراً معلقاً من دون أن يضطر إلى الوقوع بواحد من الممنوعات! وتم العرض والممثلون يدخلون ويخرجون وهم ينظرون إلى أعلى ليعرفوا الأبواب والشبابيك والمداخل وكان عرضاً طريفاً تحولت حتى الأخطاء فيه إلى لعب مسرحية تلاءمت وروح المسرحية·

وفي سيدي بالعباس المدينة البعيدة عن وهران كان علينا أن نعرض هناك ثم نعود إلى وهران وليس العكس··! وهناك ذهبنا ووصلنا متعبين وأنجزنا الديكور وبلا بروفة أيضاً ولكن بمسؤولية كبيرة اجتزنا المحنة وحولنا كل تلك المتاعب إلى ممارسة مبدعة وتحقق النجاح المطلوب لمسرحنا العراقي.

26/11/1990

(6)

لفترة طويلة من الزمن ظل مسرحيو مصر الشقيقة يظنون أن المسرح المصري لا يضاهيه مسرح عربي آخر، وأن المسرح العراقي يقف في نهاية المطاف الإبداعي للمسرح العربي·· وسبب هذا الظن يعود بعض منه على المسرحيين العراقيين أنفسهم وبكلمة أدق على المسؤولين الرسميين الذي أوجدوا للمسرح العراقي عزلة طويلة الأمد عن الظهور أو التواجد في المحافل المسرحية العربية وفي مقدمة هذه المسارح المسرح المصري··

كانت هناك بعض الكتابات النقدية التي تشير إلى لمعات في المسرح العراقي يكتبها عدد من النقاد والمسرحيين الذين يحضرون إلى العراق فيشاهدون عروضاً مسرحية للفرقة القومية أو الفرق الأهلية الأخرى لكن تلك الآراء تظل محصورة بين قلة من المثقفين لا تترك ذلك الأثر الذي يتكون ويتبلور نتيجة التماس المباشر والمشاهدة العريضة للعروض المسرحية التي تقدم في ذلك البلد الشقيق·

وأقيم الأسبوع الثقافي العراقي في القاهرة عام 1974 واختيرت مسرحية البيك والسائق وهي مسرحية -بونتولا وتابعه ماتي- التي قدمتها الفرقة القومية عام 1973 وكنت أنا وقاسم محمد ومحسن العزاوي ضيوف الفرقة وأخرجها الأستاذ إبراهيم جلال وحازت الصدى الواسع عند عرضها في بغداد·· اختيرت هذه المسرحية لتقدم في القاهرة·· كنت إضافة إلى مشاركتي في المسرحية عضواً في الهيئة العليا لتنظيم المهرجان وكان الأستاذ المرحوم طه ياسين العلي مدير العلاقات العام في وزارة الثقافة والأعلام - رئيس اللجنة·· سافرنا إلى القاهرة لتهيئة متطلبات الأسبوع هناك·· وكانت فترة عصيبة من فترات حكم السادات، والمسرحيات الممنوعة لا حصر لها، ولم نكن ندري موقع برتولد برشت في تصور المسؤولين·· وحين تم الاجتماع الأول تساءل وكيل الوزارة عن المسرحية التي ستقدمها·· قلت: إنها مسرحية بونتولا وتابعه ولم يتركني أكمل، بل أكمل هو قائلاً: وتابعه قفة!

قلت: لا تلك مسرحية على جناح التبريزي وتابعه قفة لا لفريد فرج·· هذه المسرحية معرفة عن المسرح الألماني··

ظل السيد وكيل الوزارة يضحك لينتقل إلى موضوع ثان·· وينسى المسرحية·

حل يوم عرض المسرحية في مسرح حديقة الأزيكية، وكان من حق المسرح أن يبيع التذاكر إيراداً له·· وبالمصادفة مررنا أنا وإبراهيم جلال من مكان شباك التذاكر·· فسمعنا المسؤول عن البيع يرد على كل مشاهد ليقطع تذكرة·· إن التذاكر نافذة! وأن المسرح مملوء·· وحين دققنا الأمر أدركنا أن هذا المسؤول لا يرغب في فسح المجال لمشاهدة المسرحية، ثم علمنا أن هذه المسرحية ممنوعة أصلاً بل أن برشت كله ممنوع·· فالمسرحية تشير إلى الاشتراكية وفيها طرح كان يثير حفيظة السادات وبطانته·

اتصلنا بالسفارة العراقية ورحنا نتصل بكل أصدقائنا من الفنانين ليحضروا ويحضروا معهم من يريدون ووقف المستشار الصحفي في باب المسرح يستقبل القادمين دون حاجة إلى قطع تذكرة دخول·· وتسلم إبراهيم جلال مفاتيح الألواج وتقاطر الناس وامتلأ المسرح وجلس المئات في ممراته وعرضت المسرحية عرضاً فريداً يحمل روح التحدي للمواقف العدائية والمتخلفة تجاه حقيقة المسرح العراقي وظلت المسرحية حتى اليوم مضرب المثل في مصر والعالم العربي.

3/12/1990

(7)

حين قدمنا مسرحية ليلة بغدادية مع الملا عبود الكرخي الذي تولى إعدادها والإشراف على إخراجها الأستاذ سامي عبدالحميد، تركت هذه المسرحية أثراً يحمل نكهة الشعبية العراقية ولأقل البغدادية الأصيلة مع التناول المبتكر لقضايا عديدة من تاريخ شعبنا العراقي· سياسياً واجتماعياً وفكرياً·· وكانت من البساطة والسهولة -كما يبدو- ما يمكن أن يوضع في إطار الأعمال الصعبة! التي تحتاج إلى جهود عدة كي تصل بعد ذلك إلى تلك البساطة والتي اسمها: البساطة الصعبة!

المهم أن تناول شخصية الملا عبود الكرخي في عام 1982 جعلنا نربط بين الوقائع السياسية المطروحة في المسرحية والظرف الذي نعيش فيه ربطاً لا تجد فيه المباشرة القسرية بقدر ما كان الابتكار فيه حالة إبداعية متجددة·

كنت أفكر بهذه المسرحية طوال الفترة التي قدمتها فرقتنا -المسرح الفني الحديث- على مسرح بغداد·· وإمكانية تبنيها لتقدم في أي مكان آخر·· وقدر لي السفر لحضور اجتماعات اللجنة التنفيذية للمسرح العالمي في باريس بوصفي عضواً فيها عام 1984·· وكانت مسرحية الكرخي هاجساً في خاطري: أن أقدمها -وحدي- لوناً من ألوان المونودراما وكان النص صعباً·· وبعد انتهاء مهمتي هناك وحضوري مهرجان نانسي·· عدت لباريس وقررت بالاتفاق مع المركز الثقافي العراقي تقديم المسرحية في قاعة المدرسة العراقية ودعوة عدد من الأشقاء العرب والأصدقاء الفرنسيين·· ولم أكن حتى تلك الساعة قد وضعت صيغة تقديم المسرحية!!

التقيت الفنان الشاب محمد سيف وكان يدرس المسرح بباريس·· وبالفنان عدنان شلاش وقد خرج من المستشفى معافى··· تمثلت الأمر بوجود هذين العنصرين محمد يمكن أن يكون راوية ويمكن أن يؤدي بعض شخصيات المسرحية·· وعدنان يمكن أن يغني بعض مقاطع من المسرحية بصوته الشجي وقد يدخل في حوارات هنا وهناك فلم أكن أريد أن أحركه لأن آثار مرضه ما زالت بادية عليه·· ورحت أعد النص بهذا التصور·· وأجرينا التدريبات وحولنا العرض المسرحي لقاء عائلياً بإنارة بسيطة وبعرض تتخلله مداخلات من المشاهدين·· وتم العرض بنكهة خاصة وكان الملا عبود الكرخي مسرحياً قد ولد بين المجموعة كلها·· الذين قدموا العرض والذين شاهدوه!

عام 1985 كلفت بتقديم العرض في المركز الثقافي العراقي بلندن وكنت عائداً من تونس·· حملت النص المسرحي معي·· وكنت أعلم أن الفنانة أحلام عرب وهي ممثلة جيدة موجودة في لندن·· حسبت حسابها وقررت أن تشترك معي في العرض·· وهذا يتطلب صيغة غير تلك التي قدمت بها المسرحية في باريس·· علمت قبل سفري أن أحلام عادت إلى بغداد· وصلت لندن··! مصادفة التقيت بسيدة عراقية تعمل في القسم العربي بإذاعة لندن وكانت تعمل في تلفزيون بغداد: سلوى الجراح صوتها جميل ويمكن أن تكون شخصية عراقية تؤدي أغنية المجرشة وتمثل شخصيات أخرى·· وافقت بحماس·· ووافق أيضاً الصديق الدكتور سعدي الحديثي المشاركة معنا·· والدكتور سعدي طاقة كبيرة تولى أمر الغناء بصوته المؤثر الجميل·· وتولى التعليق على بعض الأحداث·· ثم قمت أنا بتحويل العمل ابتداء إلى محاضرة عن المسرح العراقي وكيف قدمت مسرحية الملا عبود الكرخي ببغداد وحديث عن شخصية الملا عبود الكرخي·· وخلال المحاضرة وحين أضع السدارة على رأسي تتحول المحاضرة إلى مسرحية فنبدأ بالتمثيل نحن الثلاثة·· وحين أخلع السدارة أعود إلى المحاضرة والكل يستمع حتى الذين يمثلون معي·· وهكذا تحولت المسرحية إلى محاضرية أي أنها محاضرة ومسرحية في آن واحد·· استطعنا أن نكسبها حالة مبتكرة لكنها طريفة وممتعة في آن واحد.

10/12/1990

(8)

حين كنا طلاباً في معهد الفنون الجميلة، فرع التمثيل·· في أوائل الخمسينات· كان طموحنا الحار يدفعنا إلى أن نغير صيغة العروض المسرحية بمضامين المسرحيات التي يقدمها فرع التمثيل في المعهد بين حين وآخر، وأن نخرج هذه المسرحيات من إطارها الجماهيري الضيق جداً إلى نطاق أكثر سعة ورحابة وأن نفتح الأبواب إلى الجمهور الواسع ليلتقي بهذا المسرح المتناغم مع روح الشباب من جهة ومع إدراك أهمية هذا المسرح من جهة أخرى· فكان علينا أول الأمر البحث عن نصوص مسرحية نقترب بها من الناس، وحين أقول نقترب من الناس لا أعني أن نخاطبهم بصيغ متدنية بعيدة عن المشاركة الفكرية والضرب على وتر مداعبة العواطف والإضحاك فحسب وإنما العكس هو الأصح أن نخوض من خلال مضامين المسرحيات في صلب قضايا الناس ومشاكلهم الاجتماعية والفكرية والسياسية، وكان علينا في مثل هذا التصور البحث عن النصوص·· المترجمة والمؤلفة·· عربياً وعراقياً·· أو المقتبسة عن قصص أو نصوص مسرحية أخرى نكيفيها وفق إمكاناتنا وإدراكنا لهدف النص الذي نريد تقديمه· وهكذا كان النشاط دائباً في مجال هذا البحث النشيط وفق التصور المطلوب·

من المسرحيات التي ذاع صيتها آنذاك مسرحية مسمار جحا التي كتبها الأستاذ علي أحمد باكثير وكانت المسرحيات المطبوعة نادرة الوجود·· فكان إصدار هذه المسرحية بكتاب حالة من حالات الكسب المفرح·

كانت المسرحية طويلة جداً وكان فيها خط درامي يتشعب في تفاصيل تدخل في سياق ا لكوميديا والابتعاد عن الفكرة التي استهوتنا ووجدنا فيها هدفاً سياسياً يتلاءم وظروف العراق في ذلك الوقت·· المسمار الذي اتخذ ذريعة في ملاحقة الناس، وكنا نستهدف به اتفاقية النفط سيئة الصيت· ورحنا نكيف النص ونختصره حتى حولنا المسرحية إلى فصلين فقط·

في ذلك الوقت لم تكن لدينا الإمكانات المادية التي نستطيع توظيفها في صناعة الديكور ومتطلبات المسرح الأخرى·· كان سيد الموقف مخرج المسرحية الأستاذ إبراهيم جلال·· ومعه خلية نحل كل فرد منها يقوم بأكثر من عمل ويتحمل أكثر من مسؤولية·· المرحوم الفنان الكبير جواد سليم جاء بتخطيط لديكور المسرحية·· تصور جميل وحالة من حالات إبداع جواد! ظل إبراهيم جلال يتألم في داخله·· فجأة وقف كالأسد الهصور وصاح قوموا ثم قال: هاتوا ما عندنا من جنفاص وهاتوا الأصباغ المتوفرة وسوف يخلطها جواد·· وبدأ العمل·· وشيئاً فشيئاً وجدنا الاكتفاء الذاتي الذي رفعنا شعاره قد صنع لنا ديكورا جميلاً وظهرت مسرحية مسمار جحا

24/12/1990

(9)

التجربة المسرحية التي أتحدث عنها ليست تجربة خاصة أو حالة مسرحية ··· وإنما هي تجربة عامة تشمل كل الأعمال المسرحية التي تقدم على مسرحنا ··· منذ سنوات·· وبالدقة أقول منذ أن استشرى المسرح الهابط والرديء في ساحة المسرحية بحجة ما يريده الجمهور، وقياساً على النسبة العددية العالية للجمهور الذي نشأ وترعرع ثم تربى في سياق نوع محدد من العروض التي تقدم على خشبة المسرح والكثير الكثير منها لا يمتلك مقومات المسرح الحقيقية لا فكراً ولا ثقافة ولا متعة طبيعية يمتلكها المسرح على مختلف أنماطه وفروعه·

هذه التجربة تسري في سياق النوع الثاني من الأعمال المسرحية، الأعمال التي يحرص أصحابها والقائمون بها لا على أن يوفروا النسبة العالية من القيم المسرحية المطلوبة والجدية في توفير متطلبات هذه القيم حتى في الأعمال الهازلة ما نسميها بالمسرح الكوميدي وهو مسرح يحترم نفسه كثيراً ويتطلب الجدية ليكون جاداً فعلاً في عطائه (الكوميدي) المطلوب!

ليس لي المجال في تعداد أعمال كثيرة أعنيها في إشارتي هذه فهي فعلاً كثيرة بعضها ما قدمته الفرقة القومية والبعض الآخر ما قدمته الفرق الأهلية المثابرة بل والمجاهدة في مجال الثبات على أسس المسرح الذي يحترم نفسه أقول ذلك مرة ثانية·

وفيما تقدمه كلية الفنون الجميلة ومعهد الفنون الجميلة·· ومنتدى الشباب وغيره·

هذه الأعمال المسرحية تظل·· وفي أفضل الظروف الصعبة فهي تعاني الخدر تارة والتردد تارة أخرى في أن تقدم العرض المسرحي في فراغ جماهيري·· إن جاز هذا التعبير·· إنها تفكر أو يفكر أصحابها وفنانوها بعيداً عن (الدبق) أو السلوك ··· الذي يجذب الجمهور على حساب القيمة المسرحية الكريمة·· تظل صعوبات نقف أمامها من خلال الروح الإنتاجية نفسها والتي كثيراً ما تحسب حساب (المردود) المادي من هذه المسرحية أو تلك·· حتى أن حماس تلك الروح له ضعيفاً أو خابياً··

إن المتابع للأعمال المسرحية الجيدة التي أشرنا إليها أردنا أم لم نرد تعيش ظروفها الصعبة ابتداء وحتى يوم العرض بل خلال العروض المسرحية أيضاً·· عكس الأعمال الأخرى التي تظل مدللة توفر لها الظروف المناسبة وتعيش الراحة وبحبوحة وجودها··

الذي أثارني إلى الحديث عن هذه التجربة الصعبة والتي دعوتها بـ(العامة) لا الخاصة·· إحساسي بالوفاء للكثير من الأعمال التي لم ترد في سياقات حديثي عن عدد قليل فهو ما قرأته في الجمهورية يوم السبت 15/12/1990 من خلال الاستفتاء الذي قامت به الصفحة عن أفضل الأعمال المسرحية التي شاهدها عدد من الناس خلال عام 1990.· الذي ألمني وألم الكثير من العاملين في المسرح تلك الردود والأجوبة من البعض والتي تدل بجلاء على عدم الجدية في موقفهم من المسرح جملة وتفصيلا وكأن المسرح ليس واجهة ثقافية مهمة تعنيهم مثلما تعنيهم فروع الثقافة الأخرى·

أكثرية الأجوبة تشير إلى الإهمال الواضح في موقف بعض مثقفينا وبينهم من يقصد في موقفه المسؤولية الثقافية·· وأقول··! المسؤولية·· سواء أكانت تلك المسؤولية رسمية أم غير رسمية·· إذ ليس من المعقول إطلاقاً أن يقول بعضهم (لم أشاهد مسرحية هذا العام على الإطلاق!) وأنا أؤكد أن هناك مسرحيات مهمة جديرة بالمشاهدة والمتابعة والتبني من المثقفين لها ليساهموا بدورهم في الدعوة إلى مشاهدتها!

أو من يكون جوابه·· عن أفضل مسرحية شاهدتها:

(لا يوجد ما يستحق المشاهدة!).

16/12/1990

14/1/1991

الصفحات