أنت هنا

قراءة كتاب الإسلام والدولة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإسلام والدولة

الإسلام والدولة

كتاب " الإسلام والدولة " ، تأليف النيل عبد القادر أبو قرون ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

الصفحة رقم: 4

لقد جاءت المصادر التي وجدنا عليها آباءنا مُحَمّلة بما لو قبلناه كله لا يكون الدين إلا قبول التناقض، فقد صَحِبَ هذه المصادر كَمٌّ هائل مِن الترهيب والتخويف مِن أن يُمَسّ هذا الموروث بنقد، مهما بلغ النقد من الصحة ولو كان يرتكز على ما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه! وصار الإرهاب الفكري من المستحسنات، ويرون المدح في مقولة: لا يُفتى ومالك بالمدينة على الرغم مما فيها من الإرهاب الفكري وفرض المذهب على الناس، ورغم أن صاحب هذا المذهب هو الذي كان يجلس على كرسيِّه في مسجد النبي ويشير إلى النبي في مقامه واصفاً له بأنه صاحب هذا القبر(28)، كأن نِسبة النبي صلى الله وبارك عليه وآله إلى ذلك القبر أفضل من كونه نبياً ورسولاً يُصلي عليه الله وملائكته، فيُعَرِّف رسول الله بالقبر!! وكذلك هو القائل أفضل الناس أبوبكر وعمر وعثمان، ثم قال ههنا وقف الناس(29) مُعَرِّضاً بعلي بن أبي طالب عليه السلام وقائلاً: وليس مَن طَلَبَ الأمر كَمَن لا يطلُبه(30) - بينما علي عليه السلام لم يطلُب الأمر - الحُكم - بَل رَفَضَ أن يُبايِعَه الناسُ بعد مَقتل عثمان حتى أصَرُّوا عليه، فأبى إلا أن تكون البيعة في المسجد(31)· وأصبح التِزامُ أكثَرِ المسلمين وتمسُّكهم بالموروث من المصادر والمذاهب، غير قابلين للحياد عنه، ولو جئتهم بآية من كتاب الله فيقولون عنك قُرآني كأنما هذه الصفة سُبَّة، تُصَنَّف بها ثم يُرفَض القبول منك، ويقولون: هذا نهج السَلَف··· هذا ما وجدنا عليه آباءنا فيَصْدُق عليهم قول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا}(32) وأصبح التقديس للسَلَف هو التَدَيُّن، بل هو الدين عند أكثر المسلمين - كأنّ الله سبحانه اقتَصَرَ فَضلَه عليهم ولم يبق له من الفضل شيء لمن يأتي مِن بعدهم! فأفتوا بقفل باب الاجتهاد وقيَّدوا فضل الله الواسع، وحرَّموا الطعن في الموروث الذي أصبح هو المرجعية رغم ما يحمل من التناقضات التي لا يمكن تجاوزها بحال! وأنشأوا منهجاً للدين بمُسلّمات لا تقبل حتى المناقشة العلمية، وأسَّسوا فِقهاً لِسَد الذرائع، ما أنزَل الله به من سلطان، أقصوا فيه الآخر وألغوا فيه العقل، وحجروا فيه الفيض الإلهي وحركة الحياة ودورة التاريخ بِقَفلِ بابِ الاجتهاد·

جاء في صحيح البخاري في باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت أنّ عمر بن الخطاب ] قال على المنبر: إنّ الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحقِّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها·· فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائلٌ: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله···(33) وهأنذا أقول والله لا أجد آية الرجم في كتاب الله طال علينا الزمن أو قصر· ويستمر حديث البخاري فيما ينسبه لعمر بن الخطاب ] (إنا كُنّا نقرأ فيما نقرأ مِن كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كُفرٌ بِكم أن ترغبوا عن آبائكم - أو إن كُفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم) فهناك شك في هذه الإضافة نفسها المُشكّكة في كتاب الله!!! ولا يقولن أحد بأن هذه من الآيات المنسوخة لأنه إذا كانت كذلك فلِمَ ذكَرها عمر؟ فإنّ الله سبحانه إذا نسخ آية جاء بخير منها أو مثلها، فهل لم يجد هذا البديل الأحسن؟ قال تعالى {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}(34)·

على الرغم من أني أرى أنه لا يوجد نسخ في آيات القرآن، تعالى الله أن يغير ويبدل فيما أنزل لأنّ ذلك قد يعني أن ما نسخ أصبح لا يلائم الوقت وذلك لا يكون إلا عن تفكير، وتعالى الله عن العقل والتفكير فهو الفعّال لما يريد عن علم مسبق· فالآيات التي محل النسخ والنسيان هي الآيات الكونية التي أُرسل بها الرسل السابقون كسفينة نوح عليه السلام، وآيات موسى عليه السلام التسع لبني إسرائيل، وإنزال المائدة لعيسى عليه السلام، والناقة لصالح عليه السلام· على الرغم من أن محمداً صلى الله وبارك عليه وآله  قد خُصّ بأعظم من تلك الآيات إلا أنه لم يُرسل بها ولم يحتج بالآيات الكونية التي خُص بها على صحة رسالته فقد شُقَّ له القمر ورُدَّت له الشمس وكَلَّمَه البعير وسَجَدَ له، وكَلَّمَه الحَجَر وكَلَّمَه الجِنّ، وسَعَت إليه الشجيرات ونَبَع الماء من يديه وأَشبَعَ الجيشَ بِصاعِ شعير··· الخ، ولا تُحصى معجزات من كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه صلى الله وبارك عليه وآله وليس هذا مجال إحصائها· وعلى الرغم من ذلك لم يرسل بهذه الآيات والمعجزات قال تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ}(35) فقد أوتي صلى الله وبارك عليه وآله كما قال ما لم يؤت أحد قبله؛ جوامع الكلم، وجعلت له الأرض مسجداً، ونصر بالرعب، وأعطي الشفاعة، فكان كلامه هداية لمن يسمعه إلا من سبق عليه القول· ولم يجعل المعجزات سبباً لهداية الناس؛ لأنها خرق للعادة، لا تماشياً مع ناموس الكون، ولذلك هي محل النسخ وليس الدوام، أما هديه صلى الله وبارك عليه وآله القرآني فدائم بدوام الزمان ولا تتغير آياته ولا تُنسخ·

الصفحات