أنت هنا

قراءة كتاب الإسلام والدولة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإسلام والدولة

الإسلام والدولة

كتاب " الإسلام والدولة " ، تأليف النيل عبد القادر أبو قرون ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

الصفحة رقم: 6

دين الإسلام أم دين المسلمين ؟

قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}(53) وقال تعالى {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ}(54)·

معلومٌ أن الرُّسل كلهم - صلوات الله عليهم - ما جاءوا من عند الله إلا بالدين، أي بالإسلام· فإذا كان الله -سبحانه وتعالى- يؤكد أن الدين عند الله الإسلام، فما جاء موسى عليه السلام من عند الله إلا بالإسلام، ولم يؤسِّس دولةً ولا حكومة، ولم يكن حاكماً ولا أميراً· وعيسى عليه السلام كذلك جاء بالدين أي بالإسلام مُصدّقاً لموسى عليه السلام وكتابه وما أَنزَل الله فيه مِن أحكام {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاة}(55) ولم ينشئ دولةً، وما كان ملكاً ولم ينصب نفسه حاكماً أو أميراً، وقال: ما لله لله وما لقيصر لقيصر ولم يُسجِّل التاريخ عن دولةٍ موسَويّة أو دولةٍ عيسَويّة أو دولةٍ إبراهيميّة أو دولة لوطية· وجاء محمد صلى الله وبارك عليه وآله بالإسلام {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ}(56) أي التوراة والإنجيل وما أنزل الله· ولهذا فإنّ مَن لا يؤمن بهذه الكتب كما نزلت، ويُصدِّق بما شرع الله فيها، ومن لا يحترم أولئك الرسل ويحبّهم، لاختيار الله لهم كرُسُل وأنبياء، فقد كفر بما أُنزِل على محمد صلى الله وبارك عليه وآله·

فقد جاء خاتم النبيين مُصدِّقاً لكل ما جاءت به تلك الرسل {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ}(57)، ولا تعني الهَيمَنة الإلغاء لِما سبق من تلك الكُتُب والديانات، إنما تعني الوُسع والشُموليَّة لِما تضمَّنته {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ}(58)، ليكون النبي الخاتم رسولاً لسائر الناس السابقين واللاحقين، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاس}(59) {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}(60)؛ لأنّ مَن آمنوا بتلك الكتب السابقة قد آمنوا بما تضمنه كتاب محمد صلى الله وبارك عليه وآله، فهم مسلمون مِن قَبل بعثته وهو رسولهم إن أدركوا أو لَم يُدركوا زمان رسالته، فالرسل السابقون هم نواب عنه وأخذ الله عليهم العهد والميثاق للإيمان به ونصرته· قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ  وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ  أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ}(61)· فما جاء النبي، محمد صلى الله وبارك عليه وآله، رافضاً ونافياً لكل ما سبق من الدين الذي كان عليه الأنبياء والرسل السابقين وكتبهم، إنما جاء مُصَدِّقاً لهم، ولا يكون التصديق إلا على الحقّ، ولا يَقبَل الإسلام ما يُخالفه، قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ}(62)· فجاء دين محمد، صلى الله وبارك عليه وآله، مؤكداً صحةِ إسلامِ ما سبق من الدين اليهودي والمسيحي - تعالى الله أن يُنزل ديناً معيباً - ولكن بعضاً من أتباع أولئك الرسل يحرفون الكلم عن مواضعه، للمغالاة في دينهم ولعصبيتهم الدينية {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ}(63) لعصبيتهم {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ···}(64) ومُبيِّناً لهم ما اختلفوا فيه، قال تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ}(65) حتى يُقِيموا الرسالة على حقيقتها لينالوا الكرامة من الله·· قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ}(66)· فلم تأتِ المسيحية لإلغاء اليهودية ولا الإسلام المحمدي لإلغاء المسيحية واليهودية، بل جاء مُصَدِّقاً لمن كان قبله من الرسل وكتبهم التي أُنزِلَت عليهم من الله لأُمَمِهم، ولكن كثيراً مِن أتباع الرسل تَشَبَّعوا بالعصبيَّة الدينية التي تَنُمّ عن الجهلِ بوحدةِ الرسالة والتفريق بين الرُّسُل {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ} (67)فكل من يقول ليست اليهود على شيء وليست النصارى على شيء فقد قال مثل قولهم، فهو من الذين لا يعلمون، لتَعَصُّبِه لرسولِه وإثباتِه التفرِقة بين الرُّسُل· فكل أمة مسؤولة عن كتابها وتُدعى إليه، لا إلى تركه واتّباع غيره، فالمصدر الذي أتت منه هذه الكتب كلها واحد، تعالى الله أن ينزل خللاً في أيّ منها، فكلها مقدسة يجب الإيمان بها ولا يوجد خلل في أصلها إلا ما أحدثه البشر {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا}(68) فما أنزل الله من الكتب حقّ لا يبطله الزمان والإنسان، ولكل أمّة الحق في التمسُّك بما أنزل الله على رسولها إليهم والتحاكم إليه إلى أن تلقى الله {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوه}(69) وإن لم تفعل فالله يحكم بينهم يوم القيامة، وليس لأحد الحقّ في إجبارهم على فِعلٍٍ أو ترك ·· {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(70)·· {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ}(71)؛ فالله سبحانه يؤكد في القرآن العظيم أن التوراة فيها حكم الله وكلمة حُكم هنا تعني الشريعة، أي القانون ولا تعني الملك أو السلطان قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(72) أي تشريعاً، وقال تعالى في موسى عليه السلام: {فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ}(73) ولا تعني كلمة حكماً هنا سلطاناً أو مُلكاً، فلا تكون إلا بمعنى شريعة، وقال تعالى: {وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً}(74) أي شريعةً، إذ إنه لم يكن حاكماً ولا صاحب سلطان، بل قال لقومه: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}(75)، فلا يَنظر أحد إلى التوراة بعد هذا بغير الاحترام والتقدير والتقديس، إن كان يؤمن بما أُنزِل على محمد صلى الله وبارك عليه وآله· ولا تعني الآية {··· وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ}(76) إقامة دولة دينية يهودية، فلا يوجد فيما أَنزَل اللهُ لرُسُلِهِ أمرٌ بإنشاء دولة، ولكنَّ التَّعَصُّب الديني، الذي يَنشأ من التفريق بين الرُّسُل، وحُب السلطة هما اللذان يَدفَعان أتباعَ الدِّينِ المعني لإنشاءِ دولةٍ باسم الدين·

الصفحات