أنت هنا

قراءة كتاب لورنس في بلاد العرب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لورنس في بلاد العرب

لورنس في بلاد العرب

لم تكن الإنجازات المذهلة لثوماس ادوارد لورانس، ذلك الشاب خريج جامعة أكسفورد، معروفة للناس عند انتهاء الحرب العالمية الأولى.

تقييمك:
4.666665
Average: 4.7 (3 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
1
 
فارس عربي حديث
 
في يوم لم يكن ببعيد عن استيلاء الجنرال اللبني على مدينة القدس، كنت أقف بالصدفة أمام سوق خيري أُقيم في الشارع المسيحي، محتجاً على صاحب دكان تركي بدين كبير السن يحاول أن يسلب مني اثني عشر قرشاً مقابل حفنة من التمر. وتحول انتباهي فجأة إلى مجموعة من العرب يمشون باتجاه بوابة دمشق. وحقيقة أن كونهم عربا لم يكن هو السبب في تحويل انتباهي من احتجاجي وتقريعي المطول ضد الكلفة العالية للتمر، إذ أن فلسطين، وكما يعرف جميع الناس، كان يسكنها من العرب عدد يفوق بكثير عدد اليهود. وإنما انصب اهتمامي وفضولي على رجل بدوي، وقف بعيداً عن رفاقه. كان يرتدي الكوفية والعقال والعباءة كتلك التي كانت ترتدى من قبل الحكام والملوك الشرقيين. وقد ثبّت على حزامه خنجراً قصير معقوفا يشبه خنجر أمير مكة، ذلك الخنجر الذي غالباً ما كان يوضع من قبل الأشراف المنحدرين من سلالة النبي (ص).
 
كان الشارع المسيحي واحداً من الشوارع العامة الذي يحتوي على مشاهد وصور رائعة مختلفة الألوان والأشكال، مثله مثل تلك الشوارع العامة في الشرق الأدنى. وكان الشارع مكتظاً باليهود الروس، بلفائف شعورهم اللولبية المتدلية من رؤوسهم، والقساوسة اليونان الذين يضعون القبعات السوداء الطويلة على رؤوسهم ويرتدون العباءات الطويلة المتدلية، والبدو الصحراويين الذين يرتدون السترات المصنوعة من جلد الماعز التي تذكر بأيام النبي إبراهيم ، والأتراك الذين يرتدون السراويل الواسعة الشبيهة بالبالونات، والتجار العرب الذين يرتدون العباءات المقصبة والطرابيش الزاهية، وجميعهم كانوا يتدافعون بمرافقهم في ذلك الممر الضيق للأسواق الخيرية والحوانيت والمقاهي والذي يؤدي إلى كنيسة القيامة.
 
لم تكن القدس وعاء صهر وإذابة. بل كانت مكاناً لالتقاء مختلف الناس من الشرق والغرب. ما جعل المميزات والأمور الغريبة والسمات الخاصة لكل فئة تمتاز وتتأكد، كما لو أنها ملخصة بحدة من قبل شمس الصحراء في لونين: أسود وأبيض، كالخصوصيات والميزات العرقية للمسلمين والمسيحيين واليهود. لذلك فالشخص الغريب لا بد أن يكون هناك شيء غير عادي بشأنه يجذب الانتباه إليه في شوارع هذه المدينة المقدسة. بيد أنه عندما مر هذا الشاب البدوي في ثيابه الملوكية المميزة، تحولت نظرات الحشود من الناس الواقفة أمام البازارات نحوه.
 
ولم يكن لباسه فحسب، ولا سموه وقامته الممشوقة التي تبلغ خمسة أقدام وتجعل كل بوصة فيه ملكاً أو خليفة متخفياً خارجاً أو قافزاً من صفحات رواية «ألف ليلة وليلة» وإنما كان وجهه اللافت للنظر. ذلك أن هذا الأمير لم يكن ليشبه أحد أبناء إسماعيل أو عبدا حبشيا بدويا، يبدو مثل واحد من أبناء ستيفانسون ذي الشعر الأحمر، ومع أنهم من سلالة قوقازية، إلاّ أن جلودهم قد لسعت بشمس الصحراء القاسية إلى أن أصبحت بشرتهم بلون حجارة اللافا البركانية. بيد أن هذا الشاب كان من دم وأصل اسكندنافي، تتدفق في شرايينه دماء الفايكنغ وتقاليد وعادات برودة البلدان البحرية والقصص الزاخرة بالأعمال البطولية.

الصفحات