أنت هنا

قراءة كتاب الليل الدامي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الليل الدامي

الليل الدامي

كتاب " الليل الدامي "، تأليف نصير أحمد الريماوي ، والذي صدر عن دار الجندي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 9

عريسُ القَضِيَّةِ

لا أَدْري كيفَ أضمُ رُفاتَكَ يا ولَدِي
بِرموشِ عُيونِي ظللتُكَ
وبأَهدابِ جُفُونِي وشَّحْتكَ
كَشَفوا عَنْ جُثمانِكَ في مَقْبَرةِ الأَرْقام
بعدَ مُرورِ سِنينَ عِدَّةٍ
خمسٍ وثلاثينَ مِنَ الأَعوام
زرَعوا حولَ القبرِ سِياجاً
كانَتْ مقبَرةً مُخْفيَّةً
وحُرَّاسٌ مِنْ خَلفِ الأَسوارِ
تَحرسُ قُبوراً سِرّيَة
تَعلوها أَرقامٌ صَمَّاء....لا اسمٌ يُذكرُ وهَوِيَةٌ
شُهداءٌ مِنْ نَبعِ الثِّوار
مُهْملةٌ كانَتْ تَعلوها أَعْشابٌ حُرْجِيَةٌ
مَنعوا الأَهلَ  مِنْ رُؤيَتها
أَعْيَتْني الحِيلَةُ في الوُصولِ لِقَبرِكَ يا وَلَدي
رَوحِي كانتْ تَرقُصُ حَولَكْ
مُنذُ اِستِشهادِكَ ذاتَ مَساء
لَمَّا  لَبَّيتَ  الأَمسَ نِداء
للثَّأرِ "للينا" مِنْ سَجَّانٍ عاهِر
كَيْ تُصبِحَ أَرضُ فلسطينَ مَهداً لِرُفاتٍ طاهرٍ
تَضُمَّكَ في لَحْدٍ أبديٍ
كَيْ تُولدَ مِنْ رَحْمِ الأَقْداس
في ثوبٍ أبيضَ ...من تُربِ فلسطينَ العاطِر
يَستقبِلُكَ حُضنُ الأُم
كَومَةَ عَظْمٍ
تَعلوها جُمجُمةٌ لا جِلدَ يَكْسوها أو لَحمَ
***********
روضٌ كرياضِ الجَنَّةِ... ريحُ عَدن
لم اَعرِفْ كيفَ أَضُمّكَ.. كيفَ أفكُّ  الكَفنَ؟
أَضْنَتنِي الحِيلةُ.... قبَّلتُ كلَّ عِظامِ رُفاتِكَ
وطَبعتُ على هامِكَ مِنْ شَفتِي
قُبلةَ شَوق ٍ
مِنْ حَولي كانَ الناسُ وقوفاً كالطَوْق ِ
تَعلوا أصْواتٌ بالزَغاريدِ
وهِتافٌ مِنْ فَوق ِ مَآذن
يَصدحُ بِاسْمِ اللهِ ... بِاسْمِ الرَحمنِ المَعبُود
بِاسْمِ الخالقِ والقادرِ على كلِّ المَوجود
وكنائسٌ تقرعُ أجراساً
في يومٍ قُدْسيٍّ مَشْهودْ
جَمعٌ مِنْ حُراسِ الأَرضِ
قُبلاتُ وداعٍ طَبَعوها عَلَّ الرَوحُ إليكَ تَعودُ
طَافوا بِرُفاتِكَ  في الشْارِع
مَحمولاً فوقَ الأَكْتافِ
مِنْ قلقيليةَ لِمَدينةِ نابلسَ يَحدوكَ هُتافٌ
مَسقطُ رأسِكَ مِنْ قَبلِ زَمان
والرايَةُ تَخْفقُ مِنْ فوق ِ رُؤوسِ النَّاسِ
يَتْبعُها رَتْلٌ مِنْ حُراس
الكُلُّ يُحَيّي جُثمانَكَ تحتَ الأَكفانِ
هَبَّاتُ الريحِ تُصارِعُها مِنْ كُلِّ مَكان
فَتُغَني لكَ: حَيّاكَ الله ..وهاتْ يا شَعبِي الصَّامِدَ هاتْ
والناسُ تُلَوِّحُ بِأَيديها مِنْ فَوقِ جميعِ الشُّرُفاتِ
في الحَقلِ...على أسْطُحِ كُلِ بيوتِ القَريةِ
على الأَشْجارِ ....على الأَسْوارِ
مِنْ خَلفِ شَبابيكٍ وجِدار
تُوَدِّعُ  أبْطالاً مِنْ نارٍ
نظراتٌ بالحُزنِ تُشَيِّعُ حَبيباً مَات
أصواتٌ تَصدحُ بالصَّلَواتِ
بِدماءٍ نُرْويكِ فلسطينَ
كَيْ تُزهِرَ فيكَ الحَرِياتُ
***************
لِعَريسَكِ  يا أقدسُ أرضٍ
آهٍ يا أُمِّي.. عُدتُ إليكِ
ضُميني في حُضنِكِ تَدفأُ عِظامي ..
رُشِّي ذرّاتِ الجَسدِ الفانِي
بِحَديقةِ مَنزِلنا الرِّيفي
مُرِّي بِعظامي بينَ شَوارِعِ بلدتنا
وأَزِقَتها... بِدمائِي عَطَّرتُ زَواياها
أَحياءُ مدينَتِنا الثَكلى
ضُمْيني ضُمِّي كُلَّ عِظامي
هناكَ دَرستُ الحُبَّ.. حُبَ الوطنِ وحُبَ الأَرضِ
في رِحابِ المَدرسَةِ وتعلَمّتُ
هناكَ لَعبتُ وأقراني كُرةَ القَدَمِ
عانَيتُ عذابَ القهرِ ورَجْعَ الأَلمِ
طُورِدتُ.. لكنِّي ما هُنتُ على الأيامِ
يا أمّي فأَنا رقمٌ في مَقبَرةِ الأَرقام
مَجموعةَ عِظام
هُناكَ مع الباقينَ نرقدُ بِسلام
إليكم نُهدي ألفَ تحيةٍ.. ألفَ سَلامٍ
هُمْ أمواتٌ بل أحياءٌ عِندهُ.. هُمْ نور الفَجْريَة
سنعودُ مِثلَ نُسورٍ هَجرَتْ أعشاشاً
لِتُفَرِّخَ جيلاً يحملُ هَمَّ القَومِيةِ
حَملتُ مِنَ الأسْرارِ كثيراً
لأوصِلها عَبْرَ وَصِيَة
للأمِِّ القابِعَةِ على جَمرٍ تنتظرُ هَزيجَ الحُرِّيَة
زغرودَةَ عشق وتَحِيةٍ
مِنْ قلبِ شهيدٍ عاد على جَناحَي
ما غِبتُ بيومٍ عَنكم
حيَّاً كُنتُ.. بقلوبِ ووجدانِ الشَّعبِ
حياً كنتُ.. أتسَلَّقُ جدرانَ الخَطبِ
بترُابِ فلسطينَ تَدثَّرتُ
كُنتُ أُداري وجَعَ الأَهلِ
وأنينَ التَلّةِ والسَّهلِ
وأَعرفُ بَطشَ جيوشِ المُحتلِ
لكنِّي في قَبري أنا صامدٌ
في نَعشِي يا أُمِّي أُعانِد
أنا كلُّ القَضِيَّة والعَاهِد
عِظامي قِصَّةُ شَعبٍ ظلمَهُ العالَمُ والتاريخُ
عِظامي سِجِلٌّ تاريخيٌ
لوحٌ محفوظٌ للأجيالِ
سلاحٌ يشْهدُ في مَدّ الأميالِ
كيفَ اِرتَوتْ بدمائي أرضٌ وتِلال؟
سَالتْ في  وديانِ الجفتلك  عندَ الغارَة
لمَّا هَجمَ الثوارُ على بَني صَهيون
لمَّا صارَت أرضُ الجفتلك كَالأَتُون
استشهدتُ ومَنْ كانَ معي مِنْ أصحابٍ
كُنَّا أربعةَ رِجالٍ..
تَسابَقْنا في القِتالِ
الواحِد بعدَ الآخر
سَلَّمنا الرَوحَ لخالقها طَوعاً في الحالِ
***************
لا تَدَعِي الحُزنَ يزورُ فؤادَكَ يا أُمّي
فاليومُ أنا أُهدِيتُ إليكِ
هذا يومُ العُرسِ ... عَلِّي صَوتِكِ بالزَغْرودَةِ
دُوْري بالحَلوى.. ولتُنثَرْ باقاتُ وُرودِي
لِقرابينَ المَجدِ .. مَشاعِلَ حُبٍّ حُرِيةٍ
رَوحي عادَتْ  لِبارِئِها
راضيةً ...حرةً...مَرضِيَةً
جاءتْ كَيْ تسكنَ قُربَ الدارِ
في مَقبَرةٍ قد عاشَت أعراساً يَعْمُرها الثُّوارُ
أشتاقُ لكُم كلَّ الأيامِ فَزورونِي
وَعلى قبريَ خَلِّوا باقةَ أزْهارِ
واتْلوا آياتٍ مِنْ قُرآنٍ
في كُلِّ صباحٍ ومَساءٍ وكُلِّ زَمانٍ
فَمسائِي مِنْ نَفحِ  مَساكُم
وَليلي يُساهرُ لَيلاكُم
الآن رَوحي ترتاحُ بينَ الأجداثِ
تَروي قِصَصَاً مَلأى بالأحداثِ
مَلاحِمَ  صَنَعتها أيدي الثوارِ
في مطلعِ سبعينيات القرنِ العشرين
وسأسْمعُ منهم كيفَ اِنتَفضَ الشَّعبُ حُباً وحَنين
في عامِ سَبعةٍ وثمانين
سَنكتُبَ تاريخَ الأرضِ معاً
حلقاتٍ تتلوها حَلقات
تتكلمُ عَنْ  حَقبِ التاريخ
تُدوّنُ في أحلى الصََّفَحاتِ
بلونِ دماءِ الشُّهداء
خُطَّتْ  بحروفٍ من عَظمٍ ورُفات
لم يَعرفْ تاريخ الإنسان
في الحاضرِ أو في زَمنٍ قَد فَاتْ
سِجِلاً فيه الحُرُّ يَضيعُ عَمْداً بِمتاهاتِ النِسيان
أنا هيكلَ عَظْمٍ
يَروي أحداثاً وقضِيَّةً
يحملُ سَيفاً يحملُ دِرعَاً
فوداعاً يا أمِّي وداعاً
فأنا اليومُ عريسُ نضالٍ وقضِيَّة
و عروسي كُلُّ فلسطينَ كَيْ تحيا حُرةً عَرَبِية
مرفوعةَ الرأسِ أبِيَّة

9/10/2011م

ملاحظة: كتبت بمناسبة تسليم الاحتلال  رفات جثمان الشهيد حافظ أبو زنط من نابلس يوم 9/10/2011بعد 35 عاما من احتجازه في مقابر الأرقام.

الصفحات