أنت هنا

قراءة كتاب عن الديموقراطية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عن الديموقراطية

عن الديموقراطية

كتاب " عن الديموقراطية " ، تأليف روبرت أد.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

الفصل الأول :هل نحتاج إلى دليل بالفعل؟

شهد العالم في خلال النصف الأخير من القرن العشرين تحولاً سياسياً استثنائياً وغير مسبوق. نلاحظ في خلال هذه الفترة، أن جميع البدائل الرئيسة للديمقراطية إما أنها اختفت، وإما أنها انحرفت عن مسارها، وإما أنها انسحبت من الميدان كي تتقوقع في آخر معاقلها. لكن في وقتٍ مبكرٍ من القرن العشرين، فقدت الأنظمة السابقة للحداثة - الحكم الملكي المركزي، والأرستقراطية الوراثية، وحكم الأقلية الذي يستند إلى نظام انتخابات يستبعد رأي الأكثرية - شرعيتها في عيون معظم البشر. اختفت في وقتٍ سابقٍ من القرن العشرين، الأنظمة الرئيسة المعادية للديمقراطية التي ظهرت في القرن العشرين - الشيوعية، والفاشية، والنازية - تحت أنقاض حرب كارثية، أو انهارت من الداخل، أي كما حدث في الاتحاد السوفياتي. أما الدكتاتوريات العسكرية ففقدت مصداقيتها بسبب فشلها، وخصوصاً كما حدث في أميركا اللاتينية، أي حيث تمكنت هذه الأنظمة من الاستمرار لأنها تبنت قناعاً يمكن وصفه بالديمقراطية الزائفة.

لكن هل يعني ذلك أن الديمقراطية قد ربحت أخيراً المنافسة التي تهدف إلى كسب دعم الناس في أنحاء العالم كافة؟ يكاد يبدو ذلك صحيحاً، لأن المعتقدات والحركات غير الديمقراطية [أو المناهضة للديمقراطية] تمكنت من الاستمرار بفضل ارتباطها بالأصوليات القومية أو الدينية المتشددة. يمكننا القول إذاً إن الأنظمة [أو الحكومات] الديمقراطية (التي تتبنى مستوياتٍ متفاوتة من «الديمقراطية») موجودة في أقل من نصف بلدان العالم، وهي تضم أقل من نصف سكان العالم. يعيش ما نسبته خُمْس سكان العالم في الصين، وهي الدولة التي لم تعرف في خلال أربعة آلاف سنة من تاريخها المجيد أيّ حكومة ديمقراطية. أما في روسيا التي حقّقت تحوّلها إلى الحكم الديمقراطي في العقد الأخير من القرن الماضي، فإن الديمقراطية فيها هشّة، ولا تلقى سوى دعم ضعيفٍ نسبياً. لكن حتى في البلدان حيث الديمقراطية متّبعةٌ منذ زمنٍ، وتبدو كأنها راسخة، فإن بعض المراقبين يعتقدون أن الديمقراطية تمرّ في أزمة، أو أنها تتعرض لضغوط نتيجة التراجع الحاد في ثقة المواطنين بقدرة، أو نية، قادتهم المنتخَبين، والأحزاب السياسية، والمسؤولين الحكوميين، على التعامل المقبول أو الناجح مع قضايا مثل البطالة، والفقر، والجريمة، وبرامج الرفاه الاجتماعي، والهجرة، والنظام الضريبي، أو الفساد.

دعونا الآن نحاول تقسيم دول العالم التي يبلغ عددها نحو مئتي دولة إلى أنظمة غير ديمقراطية، وأنظمة ديمقراطية حديثة، وأنظمة راسخة نسبياً ديمقراطياً منذ زمن طويل. تشتمل كل فئة من هذه الفئات على مجموعات متنوعة من البلدان، لكن هذا التقسيم الثلاثي المبسّط يساعدنا على ملاحظة أن كل مجموعة تواجه تحدياً مختلفاً، وذلك إذا ما نظرنا إليها من وجهة نظرٍ ديمقراطية. أما بالنسبة إلى الدول غير الديمقراطية فيتمثّل التحدي في ما إذا كان في مقدورها تحقيق التحوّل نحو الديمقراطية، وفي كيفية حصول ذلك. لكن الدول التي تبنّت الديمقراطية حديثاً فإن التحدي يتمثّل في ما إذا كان في الإمكان تعزيز الممارسات والثوابت الديمقراطية الجديدة فيها، وفي كيفية تحقيق ذلك، أو كما يقول بعض علماء السياسة في تعزيزها بحيث تستطيع الصمود أمام اختبارات الزمن، والصراع السياسي، وبحيث تتمكن من تعميق هذه الديمقراطية.

ربما يطرح القارئ في هذه المرحلة بعض التساؤلات: ماذا، بحق الله، نعني بكلمة الديمقراطية؟ وما هي الأمور التي تميّز النظام الديمقراطي من النظام غير الديمقراطي؟ إذا أقدم بلدٌ غير ديمقراطي على التحوّل إلى الديمقراطية، ما هي الأمور التي سوف يتحوّل البلد إليها؟ متى يمكننا الجزم بأن التحوّل قد تمّ بالفعل؟ أما بالنسبة إلى مسألة تعزيز الديمقراطية، فما هي الأمور التي يتمّ تعزيزها؟ وما هو معنى الحديث عن تعميق الديمقراطية في بلدٍ ديمقراطي؟ وإذا كان البلد ديمقراطياً سلفاً، فكيف بإمكانه أن يصبح أكثر ديمقراطية؟ وغير ذلك من الأسئلة.

استمر النقاش حول الديمقراطية نحو ألفين وخمسمئة سنة، وهي فترة كافية لتوفير مجموعة قيّمة من الأفكار حول الديمقراطية، وبحيث يتمكن كل شخص تقريباً، من الاتفاق بشأنها. لكن الوضع ليس كذلك بجميع الأحوال.

الصفحات