أنت هنا

قراءة كتاب الإسلاميون وحكم الدولة الحديثة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإسلاميون وحكم الدولة الحديثة

الإسلاميون وحكم الدولة الحديثة

كتاب " الإسلاميون وحكم الدولة الحديثة " ، تأليف د. إسماعيل الشطي ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 1

مقدمة

شهد تاريخ الغرب المعاصر حروبا متتابعة بين أممه وصل آخرها ما ورط العالم كله بنيرانها، وكان تاريخ الحروب هذا سببا أساسيا في الإصرار على البحث عن صيغة سياسية تحد من استخدام الحروب في التنافس على المصالح ومناطق النفوذ، ولقد جاءت هيئة الأمم المتحدة كصيغة معدلة عن سلفتها عصبة الأمم لتفرض حالة سلم دولية تتحكم بها الدول العظمى المنتصرة بالحرب، ولم يكن هناك ما يهدد هذه الصيغة سوى عودة الخاسرين (النازية والخلافة) أو نشوب حرب بين المنتصرين بسبب النـزاع الرأسمالي/الشيوعي، وللحيلولة دون ذلك تم تقسيم ألمانيا وبناء قواعد عسكرية فيها ووضع تسلحها تحت المراقبة الدولية، كما تم إلغاء الخلافة وتقسيم الإرث العثماني إلى كيانات سياسية جديدة واستبدال الرابطة الدينية برابطة قومية، وإذا كانت الحرب الإعلامية والثقافية ضد النازية أخذت شكلا مباشرا وغير متسامح، فإن الحرب على الخلافة تمت بشكل هادئ ومدروس، ولم يتبق على ما يهدد حالة السلم الغربية سوى الصراع الرأسمالي/الشيوعي، وهو ما دفع المعسكرين إلى الاتفاق على استبدال المواجهة العسكرية بالدبلوماسية والاستخبارات والحروب بالوكالة، ولقد حقق الغرب نجاحا باهرا في القضاء على النازية، وتهميش فكرة الخلافة، ومنع المواجهة العسكرية المباشرة بين المنتصرين خلال العقود الماضية، وهي العقود التي شهدت تصد غربـي لكل محاولات الإسلاميين استلام الحكم طوال القرن الماضي، وذلك على اعتبار أن مشروعهم لدولة الخلافة مناقض لمشروع النظام العالمي المتمثل بالهيئات والقوانين الدولية وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة، ولقد ترجم هذا الموقف علاقات مرتابة ومتأزمة ومتفجرة -أحيانا- انعكست على علاقات الإسلاميين بالأنظمة المحلية، وانتهى كثير منها باغتيالات وإعدامات وزج بالسجون والمعتقلات لفترات يصل بعضها إلى عقود من الزمن، ورغم ذلك لم تخل بعض المراحل من استغلالهم -كخصم ايدولوجي للشيوعية- في الحرب الباردة أو المواجهة المسلحة ضد السوفييت في أفغانستان، مما أدى إلى التسامح مع إسلاميي إيران بتأسيس جمهوريتهم لتشكل جدارا عرضه 900 كم يمتد بين الاتحاد السوفييتي ونفط الخليج، ويأتي هذا التساهل مع الشيعة لسببين اثنين، هما:

الأول، أن الخلافة مشروع سني لا يثير أية حماسة لدي الشيعة، بل يقابله من جانبهم مشروع ظهور المهدي، وهو مشروع ميتافيزيقي غيبـي مؤجل، لا يشكل تهديدا آنيا ملموسا على النظام الدولي ولا قوانينه، فضلا على أن الشيعة قد جمدوا مشروع تطبيق الشريعة وأحكام الجهاد لحين ظهور المهدي.

الثاني، أن الشيعة يشكلون طائفة من الأمة الإسلامية لا يزيد تعدادها عن 15% من تعداد المسلمين، ومركزة في دائرة محدودة لا تبعد كثيرا عن منطقة جنوب غرب آسيا، بينما يشكل السنة النسبة الأكبر من الأمة الإسلامية وينتشرون في بقاع الأرض كلها، وهو ما يصعب الأمر على الجمهورية الإسلامية الشيعية لو فكرت في قيادة الأمة الإسلامية نحو مشروع بديل أو مشابه للخلافة، فالطائفة لا تقود الأمة، ذلك لأن مفهوم الطائفة مفهوم انعزالي.

غير أن الإمام الخميني فاجأ العالم كله بأحياء نظرية ولاية الفقيه التي تخرج الشيعة من حالة الترقب في المجهول إلى مسرح العمل السياسي، وتفكك القيود غير البشرية عن نظرية الإمامة لتقترب كثيرا من فكرة الخلافة السنية، وهو ما جعل الغرب يعيد حساباته في التعامل مع تلك الجمهورية التي أطلق عليها "المارقة"، ويخلق لها معاناة متراكمة تعيقها من الانضواء الطبيعي في النظام الدولي.

مع إعلان هزيمة الشيوعية في العقد الأخير من القرن الماضي، واستقرار البيت الغربـي وخلوه من حالة الصراعات الأيدلوجية، برزت الآثار الجانبية السلبية لمثل هذا الانتصار، وكان أبرزها الفراغ الناتج عن غياب العدو المكافئ والمناوئ في العقيدة العسكرية للجيوش الغربية، وهو فراغ له تبعات مدمرة على صعود القوة وتحفز الجيوش ونمو الاقتصاد والبحث العلمي والتكنولوجي، وقضى الغرب عقد القرن الأخير كله يبحث عن شكل النظام الدولي الجديد في ظل غياب ثلاثة أمور: 1) نهاية القطبية الثنائية قائدة العالم، 2) هيمنة السوق الحر على الاقتصاد وتحكّمه في قوانينه، 3) غيابالعدو العسكري المناوئ الذي تتشكل تجاهه العقيدة العسكرية الجديدة، حتى تم تفجير ناطحات السحاب في مدينة نيويورك بشكل دراماتيكي وضع العالم كله في حالة دهشة ووجوم، وتلاه بعد ذلك إعلان أسامة بن لادن (الشخصية الغامضة) مسؤولية جماعته عن تلك التفجيرات، ليعلن المجتمع الدولي أن كل الأعمال المسلحة التي يقوم بها المسلمون خارج نطاق هيئة الأمم المتحدة إرهابا دوليا، متضمنة معها حركات التحرر والاستقلال، ويصبح العدو الجديد في العقيدة العسكرية الغربية هو الإرهاب الإسلامي، وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجياتها الجديدة لتكشف عن تصورها لشكل النظام الدولي الجديد، وأعلنت في هذه الاستراتيجيات أن الشرق الأوسط سيحظى باهتمام دولي يشابه الاهتمام بأوروبا إبان الحرب الباردة، وأن للسلام مفهوماً جديداً يتمثل في نشر الديمقراطية ومحاربة الفساد، ولكي لا يفهم من الحرب على الإرهاب أنه مواجهة للإسلام وعودة للحروب الصليبية منحت فرصة حقيقية للإسلاميين في حكم الدولة المعاصرة في تركيا، وكان توقيت هذا السماح مواكبا لتوقيت إعلان الحرب ضد الإرهاب، وكانت هذه رسالة لكل الإسلاميين بإمكانية السماح لهم بحكم الدولة المعاصرة في ظل الالتزام بنمط الدولة واحترام مواثيق الأمم المتحدة والتعاون مع القوى الكبرى، وشهدت مراكز مستودعات الفكر الغربية ومراكز صناعة القرار وأجهزة الإعلام نقاشا هادئا وجديا حول هذا الموضوع، وهو ما دفعني لإثارة هذا الموضوع داخل أروقة الإسلاميين في منتصف العقد الماضي، والمطالبة بالحوار مع الغرب للتخفيف من حدة رفضهم للإسلاميين في تولي الحكم، ونتج عن ذلك أن تبنى الشيخ راشد الغنوشي (ذو المكانة البارزة في صفوف الإسلاميين) دعوة المهتمين بالشأن السياسي من الحركات الإسلامية في مختلف أقطار العالم الإسلامي إلى حلقة نقاش واسعة لمدة يومين في بريطانيا، وطلب مني إعداد ورقة حول ذلك الموضوع تكون محفزا للتفكير ومحورا للنقاش أثناء انعقاد الحلقة، ولقد ركزت في ورقتي آنذاك على التالي:

1. هل هناك فرصة جادة لفتح حوار بين الإسلاميين والغربيين من أجل دفع الغرب لمراجعة مواقفه المتشددة والممانعة لتسلم الإسلاميين الحكم؟

2. الإشارة إلى التحديات التي ستواجه هذا النوع من الحوار، وذكر أهم الإشكالات الفكرية والسياسية العالقة بين الطرفين دون حسم واضح.

ولقد كانت هذه الحلقة الأولى من نوعها في تاريخ الإسلاميين العاملين بالشأن السياسي لضمها طيفا متنوعا من أقطار الأرض، واستطاعت أن تكسر الحاجز النفسي الذي صنعه الإسلاميون لأنفسهم خلال تاريخهم، وذلك بدعوى الحفاظ على الطهر السياسي من الاتصال بالغربيين، ورفض أي تورط يمنح الخصوم دليلا للاتهام بالعمالة، كما استطاعت -هذه الحلقة- أن تكشف المساحة الجرداء القاحلة ما بين الشعارات الإسلامية المرفوعة والواقع العملي الراهن، وأن تضع الإسلاميين أمام تساؤلات الغربيين المتعلقة بالفكر والسياسة، وتكشف غياب الإجابة الحاضرة والرأي المتفق عليه والموقف الموحد.

لقد جاء النقاش ثريا وجادا ومتفاوتا ما بين الرفض والقبول، إذ تكشف أن عقدة الطهر السياسي من الاتصال بالغربيين ما زالت تحكم البعض وتجعله يرفض المبدأ، وأن بعضا آخر لم يقتنع أصلا بوجود فرصة حقيقية تدفع لإثارة هذا الموضوع، بينما الغالبية رأت أن الحوار ضروري في كل الأحوال، وذلك لأسباب كثيرة، وليست قاصرة فقط على موضوع التخفيف من حدة رفض الغربيين لتولي الإسلاميين الحكم.

واتفق المجتمعون على نقل هذا الحوار إلى المهتمين بالشأن السياسي الإسلامي في أقطارهم، والدعوة لحلقة نقاش ثانية من أجل استكمال هذا الحوار، وفي الحلقة النقاشية الثانية التي عقدت في تركيا كانت أجواء الحوار مختلفة إلى حد كبير، فصوت المعارضين والمتحفظين العالي خف كثيرا وتحوّل إلى مطالبة بشفافية ووضوح، أي حوار مزمع، وتركز النقاش حول نموذج الحكم الذي يمارسه الإسلاميون لإدارة الدولة المعاصرة، فإذا كان النموذج الإيراني فاشلا والنموذج الطالباني مرفوضا لدى الغرب، فإنهما كذلك نموذجين جدليين لدى كافة المشاركين في الحوار، أما إذا كان النموذج التركي هو النموذج المقبول لدي الغرب فإن كثير من المشاركين أبدوا ملاحظات نقدية لهذا النموذج تحول دون ترويجه بين جماهيرهم، وانتهى النقاش بتكليفي إعداد ورقة لحلقة أخرى تتم فيها مناقشة نموذج مقترح لحكم وإدارة الإسلاميين الدولة المعاصرة، ولقد شرعت في إعداد هذا البحث لكني توقفت عن ذلك بسبب دخولي في تشكيلة الحكومة الكويتية عام 2006 وانشغالي بالمنصب الوزاري،وكان ذلك أحد أسباب توقف المشروع نهائيا وعدم اكتمال نقاش هذا الموضوع، وكنت آمل أن يكمل غيري إعداد هذا النموذج، ويضع أجوبة للأسئلة المثارة في وجه الإسلاميين عندما يتسلموا إدارة حكم الدولة المعاصرة.

والآن، وقد أتت الفرصة التي جادل البعض بمجيئها آنذاك، لا يجوز القول أنها جاءت بغتة في ظل الحلقات النقاشية التي لم تكمل مهمتها في منتصف العقد الماضي، إنما جاءت في ظل استرخاء فكري وسياسي آثر فيه الإسلاميون عدم الخوض في الأسئلة الصعبة، والآن، وبعد أن خاض الإسلاميون الانتخابات لتولي الحكم مكتفين بعرض برامجهم الانتخابية، وأحيانا بنفس شعارات انتخاباتهم السابقة، ومن دون أن يبينوا للناس نموذج حكمهم، ودون أن يقدموا اجابات للاسئلة الصعبة في إدارة الدولة المعاصرة، وانتهت تلك الانتخابات بتولى الإسلاميين حكم إدارة دولة تونس، وإدارة حكومة المغرب، وإدارة الدولة في مصر، وكلهم يمارسون الحكم دون أجوبة لكل الأسئلة المطروحة عليهم، ودون نموذج واضح لديهم لحكم ما يسمى بالدولة/القوم المعاصرة، نموذج يبدد مخاوف الغرب ويستوفي زخم شعارات التعبئة الجماهيرية ويطمئن بقية الأطراف السياسية المنافسة من عدم تكرار تجربة اختطاف الثورة والدولة كما حصل في التجرية الإيرانية.

ولقد وجدت من اللائق اليوم أن يتم استكمال البحث والنقاش لهذا الموضوع في ظل تولي الإسلاميين إدارة الحكم في بعض الدول العربية، ذلك أن بعضا من التوقعات يراهن على فشل الإسلاميين وانفضاض الناخبين عنهم بعد إتاحة الفرصة لهم، وأن بعض التحليلات تعتبر السماح للإسلاميين بتولي الحكم بعد ثورات ما يسمى ب "الربيع العربي" إنما هو مرحلة في ظل سيناريو واسع لمستقبل الشرق الأوسط، وبغض النظر عن مستقبل تجارب الحكم الثلاث في الشمال الأفريقي، فإن مناقشة الأسئلة الصعبة لحكم الإسلاميين الدولة المعاصرة تبقى ضرورية.

وأضع بين يدي القارئ هذا الكتاب، وهو يناقش خمسة نماذج حكم عرفها الإسلاميون خلال تاريخهم، الأول وهو النموذج التاريخي الذي بدأه رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وأطلق عليه الفقهاء دار الإسلام، والثاني هو النموذج النمطي للدولة المعاصرة والتي تنضوي تحته كل دول العالم اليوم، والثالث نموذج أسلمة الدولة المعاصرة والذي سلكته جمهورية إيران الإسلامية، والرابع إعادة إنتاج دار الإسلام في ظل النظام الدولي المعاصر والمتمثل بدولة طالبان، والخامس نموذج أربكان الذي حافظ على النموذج النمطي للدولة المعاصرة وقام بتطويره للوصول به إلى مستوى الديمقراطية الغربية، وذلك بهدف حماية الدعوة الإسلامية في ظل ما توفره الديمقراطية الغربية من الحريات وأمان، كما أرفقت الورقة الأولى التي قدمتها عام 2005 كملحق لهذا الكتاب، وأتمنى أن يغذي هذا الكتاب والأفكار الواردة فيه الساحة السياسة والفكرية بحوار نافع، وينفع الإسلاميين في ممارستهم السياسية.

والله الموفق

د. إسماعيل الشطي

الكويت في 25/9/2012

الصفحات