أنت هنا

قراءة كتاب البراعة في تأسيس المشاريع الريادية و إدارتها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البراعة في تأسيس المشاريع الريلدية و إدارتها

البراعة في تأسيس المشاريع الريادية و إدارتها

كتاب " البراعة في تأسيس المشاريع الريادية و إدارتها " ، تأليف نورم برودسكي و بو بيرلينغهام ، والذي صدر عن

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

الفصل الثاني
المعلوماتُ الصحيحة
خلال السنوات التي كنتُ فيها مُرشدًا في إدارة الأعمال لبوبي وهيلين، عَمِلتُ أيضًا مع عددٍ كبيرٍ من الأفراد الذين كانوا يحاولون بَدْءَ مشاريعَ جديدة، ومع عددٍ أكبر أيضًا من الناس الذين بدأوا مشاريعَهم بالفعل. غالبًا ما كان يسألُ هؤلاء الأفراد عمَّا يَلْزَمُهم لكي يكونوا مُستثمِرينَ ناجحين. وكُنتُ في العادة أخبرُهم بأنَّ أهمَّ صفةٍ يجبُ أَنْ يتحَلَّوا بها هي أَنْ يكونوا قادرين على الصمود والنهوض بعد السقوط. إنِّي أتحدَّثُ بشأن القُدرة على النهوض بعد الفشل والالتفاف حول الأوضاع غير المواتية والإفادة من الأخطاء.
ذلك لأَنَّ الأمرَ الطبيعيَّ أنْ يُخطئ المرء، والناس يَقَعون في كثيرٍ من الأخطاء. والأدهى من ذلك أَنَّنا نستمرُّ في الوقوع في الأخطاء ما دمنا نعمل. يَطيب لنا بالتأكيد أَنْ نصل إلى مرحلةٍ نتصوَّر فيها أَنَّنا صرنا أخيرًا نتمتَّع بالخبرة والحِنْكَة إلى درجةٍ تجعلنا نتفادى الوقوعَ في أخطاء. اصرفِ النظرَ عن تَصَوُّر كهذا، فإنَّك لن تَصلَ أبدًا إلى مرحلةٍ تضمنُ فيها عدم الوقوع في الأخطاء. نستطيع أَنْ نأملَ أنْ تكونَ أخطاؤنا الجديدة ليست تكرارًا لأخطائنا السابقة، رُغم أَنَّها ستكون مؤلمةً بالدرجة نفسها، كما أنَّها ستُثيرنا أيضًا بالقَدر ذاته. تصيبُك هذه الأخطاء بالقلق والاضطراب، إلَّا أَنَّ من المهمِّ أنْ تضعَ نُصبَ عينَيك أَنَّ الفشل هو أفضلُ مُعلِّمٍ مُلازمٍ لك. سيَكون تقدُّمُك جيِّدًا ما دمتَ منفتحًا على تَقَبُّل الدروس التي تستخلصُها من الفشل.
سأوُرِدُ مثلًا نموذجيًّا من تجرِبتي في شركة تخزين السجلَّات التي أَسَّستُها يومًا ما- شركة سيتي ستوريج (City Storage). لا زلتُ أذكرُ جيِّدًا تلك اللحظة قبل عدَّة سنوات والتي اكتشفتُ فيها أَنَّنا فَقَدْنا فيها واحدًا من أكبر زبائننا. كان ذلك في الساعة الخامسة من بعد ظُهْر أحد أيَّام الجُمَع. (لسبب ما كثيرًا ما يحدثُ مثلُ ذلك في الساعة الخامسة من بعد ظُهْر يوم جمعة، أي في نهاية أسبوع العمل). اتَّصلَ بي أحدُ رجال مبيعاتنا وأنا في السيَّارة ليخبرَني بأنَّه كان قد تلقَّى رسالةً بالفاكس من الزبون، وهو مكتبٌ قانونيٌّ رئيسيّ، يخبرنا فيها برغبته في التوقُّف عن استخدام مستَودعاتنا للتخزينَ عند انقضاء مدَّة العقد الحاليّ، أي بعد ثلاثة أشهر.
هنا عليك أَنْ تدركَ أَنَّ نَقْل صناديقك قضيَّةٌ كبيرةٌ في مثل مجال العمل هذا. وليس ذلك مجرَّد إرباكٍ كبيرٍ للزبائن، وإنَّما هناك رسومُ إزالةٍ مختلفة يتحتَّمَ عليهم دفعُها. لذلك فإنَّها رسالةٌ تُطلَق بصوتٍ عالٍ عندما يُقرِّر أحد الزبائن تركَنا. وجاءَتِ الرسالةُ هذه المرَّة على نحوٍ مُباغتٍ تمامًا، وأصابتني بالذهول. قلتُ للموظَّف: ’’نعم! ماذا تقول؟ أيُّها الرَّجُل، كيف يُمكن لنا أَنْ نخسرَ هذا الحساب؟ أخبرني، ماذا حدث؟‘‘
لَمْ يُجبْ رَجُل المبيعات بشيء. كما أَنَّنا لَمْ نُفلح في الحصول على إجابةٍ من الزبون نفسه أيضًا. وقد رفضَ المسؤولون في المكتب القانونيِّ استقبالَنا أو حتَّى التحدُّث إلينا هاتفيًّا. وجاءت الإجابة على رسائلنا العاجلة لهم بطريقةٍ فظَّةٍ ورسميَّة: ’’لقد اتُّخِذَ القرار، وهو قرارٌ نهائيٌّ‘‘.
لَمْ يكن أمامَنا سوى أَنْ نُغمضَ أعيُننا قليلًا ونستجمعَ قوانا. لقد كان الشخص الذي أغلقَ الحساب لدينا قد تركَ العملَ في شركتنا قبل خمس سنوات، ونحن بِدَورنا لم نَبقَ على تواصلٍ مع الزبون كما ينبغي. بعد نحو أسبوعٍ من تَسَلُّم الرسالة بالفاكس قَدَّمتُ اقتراحًا أدَّى في النهاية إلى عَقْد لقاءٍ مع الشريك المدير للشركة، ولكن من دون جدوى. لقد كان الأمر مُنتَهيًا. وتمكَّنَّا من تقديم شروطٍ ماليَّةٍ جيِّدة، إلَّا أَنَّنا لم نتمكَّن من حَلِّ المشكلات التي كانت مختمرةً منذ سنوات. وتَمَكَّن أَحدُ منافسينا من تقديم شروطٍ ماليَّةٍ مماثلةٍ وحصل على العقد مع تلك الشركة.
على هذه الخلفيَّة، دَعَوتُ مديري الشركة ورجال المبيعات إلى اجتماعٍ وخاطَبتُهُم مُستَفسرًا: ’’ما الذي تَعلَّمناه من هذه التجرِبة؟ ما الذي ينبغي لنا فعلُه بطريقةٍ مغايرةٍ في المستقبل؟‘‘ عَلِمتُ أنَّ الدرسَ الحقيقيَّ لم يَكُنْ أَنَّنا قدِ ارتكبْنا أخطاء. فأنت دائمُ الوقوع في الخطأ. لقد فشلنا لأنَّنا انتظرنا طويلًا حتَّى اكتشفنا تلك الأخطاء. لقد قرَّرنا بعد تلك التجرِبة زيارةَ كُلِّ زَبونٍ قبل انتهاء عَقْدِنا معه بثمانية عشرَ شهرًا وتقديم عرضٍ للتَّفاوض على تَوقيع عَقْدٍ جديد. إنْ لاحظنا أنَّ الزبون مُتردِّد، سنَعلَمُ فورًا أنَّ هناك مشكلة، بينما لا يزال هناك مُتسَّعٌ من الوقت لحلِّ تلك المشكلة.
وحالما بدأنا تطبيقَ هذه السياسة الجديدة، اكتَشفْنا أمرًا بالغَ الأهمِّيَّة. لقد كان لدينا زبائنُ غيرَ راضين لكنَّنا لم نكتشفهم من قبلُ. مثلًا، كان أحدُ الزبائن مُحبَطًا بسبب النظام الخاصِّ الذي كُنَّا نتَّبعه في تَوفير المعلومات على شبكة الإنْترنت، فعالجنا الوضع. زبونٌ آخر شَعَر بأنَّه يستحقُّ تَعرِفةَ أجورٍ أقلَّ بسبب الازدياد الكبير الذي طرأ على حَجْم أعماله معنا. وَجَدْنا هذا الزبون على حقّ، عملنا على إرضائه. وزبونٌ ثالث لم تَرُقه جوانبُ مُعيَّنة من نظام الجرْد الذي كُنَّا نتَّبعه، فأجرَينا التغيير اللازم. واستاءَ زبونٌ رابعٌ لأنَّنا لم نكُنْ نرسلُ تقاريرَ شهريَّة، فبدأنا بإرسالها.
وهكذا فَقَدْ أَنْجزنا أربعةَ تحسيناتٍ خلال أربعة أشهرٍ من اتِّباع السياسة الجديدة، حيثُ أرضَينا أربعةَ زبائن وحافظنا على حساباتهم لدينا. لقد أنْجزنا هذه المنافع جميعها من حالة فشَلٍ واحدة. وعلى الأمد البعيد، تَبَيَّن أَنَّ ذلك الفشل كان واحدًا من أفضل الأمور التي جرت في الشركة.
 

الصفحات