أنت هنا

قراءة كتاب أنماط الديمقراطية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أنماط الديمقراطية

أنماط الديمقراطية

كتاب " أنماط الديمقراطية " ، تأليف أرند ليبهارت ، ترجمة 

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

الفصل الأوّل
مقدّمة
من حيث المبدأ، يمكننا أن ندير الديمقراطية وننظمها بكثير من الوسائل؛ ومن جهة التطبيق أيضًا، نجد أن كثيرًا من الأنظمة الديمقراطية تعرض لمجموعة متنوعة من المؤسسات الحكومية الرسمية، ومنها المؤسسات التشريعية والقضائية، وكذلك نظم الأحزاب السياسية وجماعات الضغط. على أننا نجد أنماطًا وترتيبات واضحة عندما ندرس تلك المؤسسات من منظور مدى اتباع قواعدها وتطبيقاتها، نظامَ الأغلبية majoritarian أو التوافقية consensus. إذ ينشأ التناقض بين الأغلبية السياسية والتوافقية، من واقع أبسط تعريف حرفي للديمقراطية - حكمالشعب أو حكم ممثلي الشعب في الديمقراطية التمثيلية - ومن الاشتراط الشهير للرئيس أبراهام لينكولن بأن الديمقراطية لا تعني فقط حكم الشعب ولكن أيضًا الحكم من أجل الشعب - أي الحكم وفق ما يريده الشعب (1) ويرغب فيه.
ويثير تعريف الديمقراطية بأنها «حكم الشعب من أجل الشعب» سؤالًا جوهريًّا: من الذي سيقوم بالحكم ولمصلحة من ينبغي أن تستجيب الحكومة في حال كان هناك خلاف بين الشعب وكانت هناك اتجاهات ومصالح متباينة؟
واحد من الأجوبة عن هذه الإشكالية؛ هو الأغلبية. فهذا هو جوهر نموذج الأغلبية الديمقراطي. واللجوء إلى حل الأغلبية بسيط ومباشر وينطوي على قدر كبير من المنطق، إذ إن منحها الحكم وفقًا لرغباتها، أقرب نموذج إلى المثالية الديمقراطية «حكم الشعب للشعب ومن أجل الشعب» من أن تحكم أقلية وتكون مسؤولة أمام أقلية.
والجواب الآخر هو أن يحكم أكبر عدد ممكن من الناس. وهذا هو جوهر نموذج التوافقية، ولا يختلف عن نموذج الأغلبية في قبول أن حكم الأغلبية هو أفضل من حكم الأقلية، لكنه يرضى بحكم الأغلبية كحدّ أدنى فقط: فبدلًا من الرضا بأغلبية ضئيلة تصنع القرار، يسعى إلى زيادة حجم هذه الأغلبية إلى أقصى حد. وتهدف قواعد هذا النموذج ومؤسساته إلى تحقيق مشاركة واسعة في الحكومة واتفاق واسع على السياسات التي ينبغي للحكومة تنفيذها. ويركز نموذج الأغلبية السلطة السياسية في يد الأغلبية - وفي كثير من الأحيان تكون السلطة لتعددية لا لأغلبية، كما سنرى في الفصل الثاني - بينما يحاول نموذج التوافقية تحقيق المشاركة في السلطة وتوزيعها، والحد منها، بمجموعة متنوعة من الأساليب. ثم إن هناك فارقًا آخر، هو أن نموذج الأغلبية يتسم بالحصرية والتنافسية والخصومة، في حين يتميز النموذج التوافقي بالشمولية والمساومة والتراضي؛ ولهذا السبب، يمكننا أن نسمي الديمقراطية التوافقية «الديمقراطية التفاوضية» (كايزر 1997، 434).
ونجد أن هناك عشرة فوارق في ما يتعلق بأهم المؤسسات والقواعد الديمقراطية يمكن اشتقاقها من مبادئ الأغلبية والتوافقية. إذ إن خصائص الأغلبية مستقاة من المبدأ نفسه، وبالتالي ترتبط به منطقيًّا، ويمكن المرء أن يتوقع تطبيقهما معًا، في الواقع؛ وينطبق الشيء نفسه على خصائص التوافقية. وبالتالي يمكننا القول بوجود ارتباط وثيق بين هذه المتغيّرات العشرة جميعًا. وقد أكدت بحوث سابقة تلك التوقّعات - باستثناء واحد أساسي، وهو أن المتغيرات تتجمع في بعدين منفصلين تمامًا (ليبهارت 1984، 211-222؛ 1997). يشمل البعد الأول خمس خصائص لترتيب السلطة التنفيذية والأنظمة الحزبية والانتخابية وجماعات الضغط. وسأشير إيجازًا إلى البعد الأول باسم «البعد التنفيذي الحزبي». ولمّا كانت أغلبية الاختلافات الخمسة في البعد الثاني مرتبطة بالتباين بين الفدرالية والحكومة الوحدوية - وهي مسألة سأعود إليها لاحقًا - فسأسمّي هذا البعد «البعد الفدرالي - الوحدوي».
وقد صغتُ الاختلافات العشرة أدناه على أساس التناقضات بين نموذجي الأغلبية والتوافقية، لكنها جميعًا متغيرات قد تكون دولٌ بعينها موجودة على أي من طرفيها أو في منطقة ما بينهما (أي بين النموذجين). وأدرجت الخاصية المتعلقة بالأغلبية أولًا، كل مرة. أما الاختلافات الخمسة في البعد التنفيذي الحزبي فهي كما يلي:
1- تركُّز السلطة التنفيذية في حكومة أغلبية، في يد حزب واحد، في مقابل مشاركة ائتلافات حزبية واسعة النطاق في السلطة التنفيذية.
2- العلاقات التنفيذية التشريعية التي تكون الهيمنة فيها للسلطة التنفيذية، في مقابل التوازن بين السلطة التنفيذية والتشريعية.
3- نظام الحزبين في مقابل نظام الأحزاب المتعدّدة.
4- نظام انتخاب الأغلبية غير المتكافئ في مقابل نظام التمثيل النسبي.
5- نُظُم مجموعات الضغط التعدّدية والمنافسة المفتوحة أمام الجميع بين تلك الجماعات، في مقابل نظم جماعات الضغط المُنسّقة والمؤسّسِيّة التي تهدف الى إيجاد حلول ترضي جميع الأطراف بالتشاور.
أما الاختلافات الخمسة للبعد الفدرالي - الوحدوي فهي كما يلي:
1- الحكومة المركزية الوحدوية في مقابل الحكومة الفدرالية واللامركزية.
2- تركُّز السلطة التشريعية في مجلس تشريعي واحد، في مقابل تقسيم السلطة التشريعية بين مجلسين تشريعيين لهما القدر نفسه من القوة، لكنهما مختلفان.
3- الدساتير المرنة التي يمكن تعديلها بأغلبية بسيطة، في مقابل الدساتير الجامدة التي يمكن تغييرها فقط بأغلبية استثنائية.
4- نظم يكون فيها للمجالس التشريعية الكلمة الفصل في دستورية التشريعات الخاصة بها، في مقابل النظم التي تخضع فيها القوانين لمراجعة قضائية دستورية من خلال المحاكم العليا أو الدستورية.
5-البنوك المركزية التي تعتمد على السلطة التنفيذية، في مقابل البنوك المركزية المستقلة.
واقترح منظّرو الفدرالية مثل إيفو د. دوتشاكيك (1970)، ودانيال ج. إليعازر (1968)، وكارل ج. فريدريتش (1950، 189-221)، و ك. س. وير (1946)- بالإضافة إلى نظريات كثيرة معاصرة (كولومر 2011، 85-100؛ هويجلين وفينا 2006؛ ستيبان 2001، 315-61؛ واتس 2008) تفسيرًا معقولًا لهذا النمط الثنائي الأبعاد. إذ يؤكد هؤلاء المفكرون أن للفدرالية تعريفًا رئيسيًّا وتعريفًا ثانويًّا. أما التعريف الرئيس فهو: التقسيم المضمون للسلطة بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية. والخصائص الثانوية هي وجود نظام تشريعي ثنائي قوي، ودستور جامد، ومراجعة قضائية قوية. وحجتهم هي أن ضمان التقسيم الفدرالي للسلطة لا يكون ناجعًا إلا إذا (1) تم النصّ على كل من الضمان والخطوط الدقيقة لتقاسم السلطة بشكل واضح في الدستور، على أن هذا الضمان لا يمكن تغييره من جانب واحد سواء على المستوى الإقليمي أو المركزي - وبالتالي تبرز الحاجة إلى دستور جامد؛ (2) كان هناك حكم محايد يمكنه حل النزاعات على تقسيم السلطة بين مستويي الحكومة - ومن هنا كانت الحاجة إلى مراجعة قضائية؛ و(3) كان هناك هيئة فدرالية في المجلس التشريعي الوطني في المناطق ذات التمثيل القوي - وبالتالي تنشأ الحاجة إلى نظام تشريعي ثنائي قوي؛ وعلاوة على ذلك (4) كان الغرض الرئيس من الفدرالية تعزيز نظام حكم لا مركزي وحمايته. ونجد هذه الخصائص الفدرالية في المتغيرات الأربعة الأولى من البعد الثاني الذي كما ذكرت آنفًا، يُسمى البعد الفدرالي - الوحدوي.
على أن التفسير الفدرالي ليس مرضيًا تمامًا، لسببين. فهناك إشكالية مفادها أنه على الرغم من كونه يفسّر تجميع المتغيّرات الأربعة في بعد واحد، إلا أنه لا يفسّر ضرورة أن يكون هذا البعد متميزًا، بوضوح، عن البعد الآخر. والإشكالية الثانية أنه لا يمكنه أن يفسّر السبب في أن متغيّر استقلال البنك المركزي جزءٌ من البعد الفدرالي - الوحدوي. وثمة تفسير أكثر إقناعًا من النمط الثنائي الأبعاد وهو التمييز بين «الوكالة الجماعية» و «المسؤولية المشتركة» من جهة، وتقاسم الوكالات والمسؤوليات من جهة أخرى، وهو ما اقترحه روبرت إ. غودين (1996، 331) (2) . فكلاهما من أشكال تقسيم السلطة، لكن البعد الأول للديمقراطية التوافقية، بتعدد تفاعلاتها مع مجلس الوزراء والمجلسين التشريعيين واللجان التشريعية واجتماعات التشاور بين الحكومات وجماعات الضغط، يتناسب بدرجة وثيقة مع نموذج المسؤولية الجماعية. وفي المقابل، فإن كلًّا من الخصائص الفدرالية الأربع ودور البنوك المركزية يناسب نموذج التقسيم من خلال الفصل بين المؤسسات: تقسيم السلطة بين مؤسسات فدرالية ووطنية منفصلة، ومجلسين تشريعيين منفصلين، ومحاكم عليا وبنوك مركزية منفصلة ومستقلة. فمن هذا المنظور، نجد أن البُعد الأول يمكن أيضًا أن يُسمّى بُعد المسؤولية المشتركة أو بعد السلطة المشتركة، والبعد الثاني بُعدَ تقسيم المسؤولية أو بُعدَ تقسيم السلطة. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن هذه التسميات ستكون أكثر دقة وأكثر وضوحًا من الناحية النظرية، تتميز تَسمِيتي الأصلية - «التنفيذي الحزبي» و «الفدرالي - الوحدوي» بسهولة تذكّرها. لذلك سأستمر في استخدامها في هذا الكتاب.
ولا يُعَدّ التمييز بين نوعي الديمقراطية، الأغلبية والتوافقية، مسألة مستحدثة في العلوم السياسية. والحقيقة أنني استعرت هذين المصطلحين من روبرت ج. ديكسون جونيور (1968، 10). وقد عقد كل من هانز هاتنهور وفيرنر كالتيفليتر (1986) مقارنة بين «مبدأ الأغلبية» و «مبدأ التوافق»، وصكّ يورغ شتاينر (1971) عبارة «مبادئ الأغلبية والنسبية». ويميّز ج. بينغهام باويل (1982) بين مبدأ الأغلبية ونماذج الديمقراطية «التمثيلية» عمومًا، ثم يعمد، في أعمال لاحقة، إلى التمييز بين «رؤيتين للديمقراطية»: رؤية سيطرة الأغلبية ورؤية التأثير النسبي (2000). كذلك عقد آخرون مقارنات مماثلة: روبرت أ. دال (1956) - النموذج «الشعبوي» ونموذج «ماديسون» للديمقراطية؛ وويليام هـ. رايكر (1982) - النموذج «الشعبوي» والنموذج «الليبرالي»؛ وجاين مانسبريدج (1980) - النموذج التنافسي والنموذج الوحدوي؛ وس. إ. فاينر (1975) - «السياسة التنافسية» في مقابل السياسة المركزية والائتلافية.
ومع ذلك، فمن الغريب أن هناك اتجاهًا قويًّا ومستمرًّا في العلوم السياسية يجعل مصطلحي الديمقراطية وديمقراطية الأغلبية صِنوين، ويعجز عن تمييز الديمقراطية التوافقية كبديل ونوع مشروع من أنواع الديمقراطية. ويمكننا أن نجد مثلًا واضحًا في حجة ستيفاني لاوسون (1993، 192-193) أن المعارضة السياسية القوية «شرط لا غنى عنه للديمقراطية المعاصرة»، وأن الغرض الرئيس منها أن «تصل إلى الحكم». إذ يستند هذا الرأي إلى فرض الأغلبية أن الديمقراطية تنطوي على نظام لحزبين (أو ربما كتلتين حزبيتين معارضتين) يتبادلان الحكم؛ لكنه لا يأخذ في الحسبان أن الحكومات في النظم التعدّدية الحزبية الأكثر توافقية تميل إلى أن تكون ائتلافات، وأن أي تغيير في الحكومة في تلك الأنظمة عادة ما يعني فقط تغييرًا جزئيًّا في التكوين الحزبي للحكومة - بدلًا من أن تصبح المعارضة هي الحكومة (لوندل 2011).
ويفصح الاستخدام المتكرر لاختبار «التدوير» من أجل تحديد ما اذا كانت ديمقراطية قد أصبحت مستقرة وموحدة عن وجود الفرضية نفسها عند الأغلبية. بل إن صموئيل هنتنغتون (1991، 266-267) يقترح اختبارًا لـ «تدويرين»، فالديمقراطية تعدّ راسخة إذا كان الحزب أو الجماعة التي تتولى السلطة في الانتخابات الأولية في مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية، يخسر في انتخابات لاحقة، ويسلم السلطة إلى الحزب الفائز في الانتخابات، وإذا كان هؤلاء الفائزون في الانتخابات يسلمون السلطة سلميًّا إلى الفائزين في انتخابات لاحقة». ومن بين الدول العشرين صاحبة أطول تاريخ في الديمقراطية الراسخة، التي حلَّلها هذا الكتاب، وكل منها يتصف بما لا شك فيه بكونه نظامًا ديمقراطيًّا مستقرًّا وثابتًا، هناك ما لا يقل عن أربع دول - هي ألمانيا ولوكسمبورغ وهولندا وسويسرا - لم تجتز حتى اختبار التدوير الواحد للسلطة طوال نصف قرن، منذ نهاية الأربعينيات حتى العام 1996، أي إنها شهدت كثيرًا من التغييرات الوزارية، لكنها لم تعرف تسليمًا كاملًا للسلطة، وثماني دول - هي الدول الأربع السابقة نفسها إضافة إلى بلجيكا وفينلندا وإسرائيل وإيطاليا - لم تجتز اختبار التدويرين للسلطة.
وسيبين هذا الكتاب أن ديمقراطيات الأغلبية البحتة أو شبه البحتة نادرة جدًّا في واقع الأمر - فهي تقتصر على المملكة المتحدة، ونيوزيلندا (حتى عام 1996)، والمستعمرات البريطانية السابقة في منطقة البحر الكاريبي (ولكن فقط في ما يتعلق بالبعد التنفيذي الحزبي). فلمعظم الديمقراطيات سمات التوافقية التي تغلب عليها. وعلاوة على ذلك، وكما سنرى في هذا الكتاب، يمكن عدُّ الديمقراطية التوافقية أشد ديمقراطية من ديمقراطية الأغلبية في مناحٍ كثيرة.
وأقدم وصفًا للخصائص العشر المتناقضة لنموذجَي الديمقراطية، والتي ذكرتها في إيجاز، بشكل أولي وأدعمه بالأمثلة السريعة على حالات ديمقراطية الأغلبية البحتة نسبيًّا - المملكة المتحدة، ونيوزيلندا، وبربادوس - وحالات الديمقراطية التوافقية البحتة نسبيًّا - وهي سويسرا، وبلجيكا، والاتحاد الأوروبي - في الفصلين الثاني والثالث. وأعرض في الفصل الرابع، وفي صورة منهجية، للحالات التجريبية الديمقراطية الست والثلاثين، بما في ذلك الخمس المذكورة آنفًا (باستثناء الاتحاد الأوروبي)، وقد اخترتها للتحليل المقارن. ثم أحلل بمزيد من التعمّق المتغيّرات المؤسساتية العشرة في تسعة فصول تشكل الجزء الأكبر من هذا الكتاب (الفصول من الخامس إلى الثالث عشر). ويلخص الفصل الرابع عشر النتائج ويصنّف الديمقراطيات الست والثلاثين على «خارطة مفاهيمية» ثنائية الأبعاد للديمقراطية؛ ويحلّل أيضًا التحوّلات على هذه الخارطة مع مرور الزمن، ويبين أن معظم البلدان تشغل مواقع مستقرة عليها. أما في الفصلين الخامس عشر والسادس عشر فأطرح السؤال: «وماذا بعد؟». هل يشكل نوع الديمقراطية تأثيرًا، خصوصًا في ما يتعلق بصنع السياسات الفاعل ونوعية الديمقراطية؟ ويبيّن هذان الفصلان أن النظم التوافقية تحقق درجات أعلى في مجموعة واسعة من مؤشرات جودة الديمقراطية، وأن سجلها أفضل في ما يتعلق بفاعلية الحكم. وأخلص في الفصل السابع عشر إلى نظرة على نتائج هذا الكتاب وآثاره السياسية المترتبة على الدول الحديثة العهد بالديمقراطية أو تلك التي تشق طريقها نحوها.
 

الصفحات