أنت هنا

قراءة كتاب أنماط الديمقراطية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أنماط الديمقراطية

أنماط الديمقراطية

كتاب " أنماط الديمقراطية " ، تأليف أرند ليبهارت ، ترجمة 

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

نموذج وستمنستر في المملكة المتحدة

1- تركيز السلطة التنفيذية في مجالس وزراء ذات حزب أوحد وذات أغلبية ضئيلة: يُعدُّ مجلس الوزراء أكثر أجهزة الحكومة البريطانية قوة، وهو يتألف عادة من أعضاء الحزب الذي يملك أغلبية المقاعد في مجلس العموم، ولا يضم الأقلية. أما مجالس الوزراء الائتلافية فنادرة الحدوث. ففي النظام البريطاني الذي يعتمد على وجود حزبين، يتمتعان بالدرجة نفسها تقريبًا من الشعبية والنفوذ، وعادة ما نجد أن الحزب الفائز في الانتخابات لا يكسبها إلا بأغلبية ضئيلة، وتكون الأقلية كبيرة نسبيًّا. ومن ثم يُعَدُّ نظام مجلس الوزراء البريطاني الأحادي الحزب ذي الأغلبية الضئيلة، التجسيد المثالي لمبدأ حكم الأغلبية، إذ يتمتع بقدر واسع من النفوذ السياسي يمكنه من أن يحكم كممثل لأغلبية غير ساحقة ولمصلحتها. أما الأقلية الكبيرة فتُقصى من دائرة النفوذ ويحكم عليها بالجلوس في صف المعارضة.

وقد شهدنا، بدءًا من العام 1945 خصوصًا، استثناءات للعادة البريطانية الخاصة بمجالس الوزراء القائمة على أغلبية الحزب الواحد، إذ كتب ديفيد باتلر (1978، 112): «كانت الحكومات الأحادية الحزب أقل انتشارًا بكثير مما يعتقده كثيرون»، إلا أن معظم هذه الانحرافات عن النظام الشائع - التي تتمثل بالائتلافات بين حزبين أو أكثر أو مجالس الوزراء ذات الأقلية - قد ظهرت بين العامين 1918 و 1945. وكانت الأمثلة الوحيدة على أحزاب الأقلية في مرحلة ما بعد الحرب، هي أحزاب العمل ذات الأقلية في سبعينيات القرن المنصرم. وفي الانتخابات البرلمانية التي أجريت في شباط/فبراير 1974، حقق حزب العمال أكثريةً، من دون أن يفوز بأغلبية المقاعد، وشكّل حكومة أقلية اعتمدت على عدم بقاء بقية الأحزاب غير موحدة من أجل إلحاق الهزيمة بها. ثم أجريت انتخابات جديدة في تشرين الأول/أكتوبر من ذاك العام، وفاز فيها حزب العمال بأغلبية صريحة، وإن تكن ضيّقة، بيد أنها تآكلت بسبب الانشقاقات وهزائم الانتخابات الفرعية، وأصبح مجلس الوزراء العمالي مجلس أقلية عام 1976. لكنه استعاد أغلبية تشريعية موقتة، عام 1977، نتيجة للميثاق الذي تفاوض عليه مع الأحرار الثلاثة عشر في مجلس العموم. فقد وافق حزب الأحرار على دعم مجلس الوزراء في مقابل التشاور معه على المقترحات التشريعية قبل رفعها إلى البرلمان. ومع ذلك، لم يدخل الأحرار مجلس الوزراء الذي ظل مجلس أقلية بدلًا من أن يكون ائتلافًا حقيقيًّا. وقد استمر ما يطلق عليه اسم ميثاق Lab-Lib (بين حزب العمال وحزب الأحرار) حتى العام 1978، ثم أُسقطت حكومة زعيم حزب العمال جيمس كالاهان عام 1979، بسحب مجلس العموم الثقة منه.

يعود الفضل في الظهور الأوحد لمجلس الوزراء الائتلافي التوافقي في حقبة ما بعد الحرب للحكومة المشكلة بعد انتخابات أيار/مايو 2010، والتي، كمثيلتها المشكلة في شباط/فبراير 1974، لم تنتج فائزًا محدّدًا بوضوح. تلقى حزب العمال، الذي يحمل بين يدي رجاله الآن مفاتيح الحكم في البلاد، هزيمة تاريخية. ولكن، والحق يقال، فإن حزب المحافظين لم يحصل إلا على كثرة بدلًا من غالبية المقاعد. ولتحقيق الهدف، ذهبا للحصول على دعم إيديولوجي من مجلس العموم الذي وافق على تكوين ائتلاف معهما وانضم إليهما فيه الحزب الليبرالي الديمقراطي الصغير نسبيًا بالمقارنة بهما. آل مقعد رئيس مجلس الوزراء إلى زعيم المحافظين، ديفيد كاميرون، وناب عنه زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، نيك كليج. ولكن من المعهود أن مجالس الوزراء المتآلفة والمحكومة بالأقلية لا يطول عمرها كثيرًا، فهذه المهمة تؤول إليهم عندما تنتج الانتخابات البريطانية مجلسًا يطلقون عليه اسم «البرلمان المعلّق» أي البرلمان الذي لا يحمل رايته حزب أو غالبية وهي نتيجة لا تحدث عادة.

2- هيمنة مجلس الوزراء: تضم المملكة المتحدة نظام حكم برلمانيًّا، أي أن مجلس الوزراء يعتمد على ثقة البرلمان. ونظريًّا، وبسبب قدرة مجلس العموم على التصويت ضد أي مجلس وزراء وإطاحته من الحكم، فإنه «يسيطر» على مجلس الوزراء. إلا أن العلاقة معكوسة في واقع الأمر. فلأن مجلس الوزراء يتألف من قادة حزب أغلبية متماسك في مجلس العموم، عادة ما يكون مدعومًا من الأغلبية التي تكوّنه، ويستطيع، في ثقة، الاعتماد على الاستمرار في الحكم وضمان الموافقة على اقتراحاته التشريعية. ومجلس الوزراء يتمتع بهيمنة واضحة مقارنة بالبرلمان.

ولأن القيادة القوية لمجلس الوزراء تعتمد على مساندة الأغلبية في مجلس العموم وعلى تماسك حزب الأغلبية، فإن مجالس الوزراء تفقد بعض هيمنتها عندما يغيب أي من هذين الشرطين أو كلاهما. وقد شهدت سنوات حكم حكومات الأقلية في السبعينيات، خصوصًا، زيادة كبيرة في عدد الهزائم البرلمانية للمقترحات المهمة لمجلس الوزراء. وأحدث هذا الأمر تغيرًا في الرؤية التقليدية التي تقوم على ضرورة لجوء مجالس الوزراء إلى الاستقالة أو حل مجلس العموم والدعوة إلى انتخابات جديدة، إذا ما عانت هزيمة بسبب تصويت برلماني لسحب الثقة أو بسبب أحد مشاريع القوانين ذات الأهمية المحورية بالنسبة إلى مجلس الوزراء. وباتت القاعدة الجديدة غير المكتوبة أن التصويت الصريح بسحب الثقة وحده هو ما يستلزم الاستقالة أو إجراء انتخابات جديدة. وقد استعيدت هيمنة مجلس الوزراء، بدرجة كبيرة، في الثمانينيات تحت القيادة القوية لرئيسة الوزراء المحافظة مارغريت تاتشر.

ويوضح كل من الموقفين الطبيعي والاستثنائي أن النظام الثنائي الأحزاب هو الذي يوفّر الهيمنة التنفيذية، لا النظام البرلماني. وفي النظم البرلمانية المتعدّدة الأحزاب، نرى مجالس الوزراء - وهي غالبًا مجالس ائتلافية - أقل هيمنة على مقاليد الأمور (بيترز، 1997). وبسبب تركّزالسلطة في مجلس وزراء مهيمن، أطلق الوزير السابق لورد هيلشام (1978، 127) على نظام الحكم البريطاني اسم «الدكتاتورية الانتخابية» (3) .

3- النظام الثنائي الأحزاب: يهيمن على السياسة البريطانية اثنان من الأحزاب الكبيرة: حزب المحافظين وحزب العمال. وتتنافس أحزاب أخرى على الانتخابات وتفوز بمقاعد في مجلس العموم - خصوصًا حزب الأحرار الذي بات يُسمى بعد اندماجه مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي، نهاية الثمانينيات، حزب الديمقراطيين الأحرار (يقع في الوسط السياسي، بين العمال إلى اليسار، والمحافظين إلى اليمين) - بيد أن هذه الأحزاب لا تتمتع بالاتساع الكافي الذي يخولها تحقيق انتصارات كبيرة. فالأحزاب الصغيرة، مثل الحزب الوطني الإسكتلندي، والقوميين الويلزيين وأحزاب أخرى في إيرلندا الشمالية، لا تتمكن مطلقًا من الفوز بأكثر من بعض الأصوات والمقاعد. الحزبان الرئيسيان يستحوذان على الأغلبية العظمى من المقاعد، وهما من يشكلان مجالس الوزراء، على النحو التالي: حزب العمال بين العامين 1945 و 1951، ومن ثم بين العامين 1964 و 1970، فبين العامين 1974 و 1979، فمن العام 1997 إلى 2010. أما حزب المحافظين فقد سيطر على مجلس الوزراء بين العامين 1951 و 1964، ومن ثم بين العامين 1970 و 1974، فبين العامين 1979 و 1997. وكانت هيمنة هذين الحزبين بارزة خصوصًا بين العامين 1950 و1970؛ إذ لم يسبق أن فازا معًا بأقل من 87,5 في المئة من الأصوات و 98 في المئة من المقاعد في مجلس العموم خلال الانتخابات السبع التي أجريت خلال هذين العقدين.

وكانت سنوات ما بين الحربين العالميتين مرحلة انتقالية حلّ فيها حزب العمال محل حزب الأحرار كواحد من الحزبين الكبيرين، وفي انتخابات العام 1945، فاز حزبا العمال والمحافظين معًا بنحو 85 في المئة من الأصوات ونحو 92,5 في المئة من المقاعد. وقد تراجع التأييد لهما كثيرًا بعد العام 1970، إذ راوح نصيبهما المشترك من الأصوات الشعبية بين 65 في المئة فقط (عام 2010) وأقل من 81 في المئة (عام 1979)، بيد أنهما واصلا الفوز بحد أدنى قدره 93 في المئة من المقاعد من العام 1974 إلى العام 1992، وحوالى 86 في المئة من المقاعد من العام 1997 إلى ما بعده. وكان حزب الديمقراطيين الأحرار المستفيد الرئيس من ذلك، خصوصًا في ما يتعلق بالأصوات بدلًا من المقاعد. فقد فاز في الانتخابات الأربع التي أجريت ما بين العامين 1997 و 2010 بمتوسط 20 في المئة من الأصوات العامة - لكنه لم يفز قط بأكثر من 10 في المئة من مقاعد مجلس العموم.

4- نظام الأغلبية وعدم التناسب في الانتخابات: يعد مجلس العموم من الهيئات التشريعية الكبيرة التي راوح عدد أعضائها بين 625 عام 1950 و 659 منذ العام 1945. ويتم انتخاب الأعضاء في الدوائر الفردية وفقًا لطريقة التعددية، التي يُشار إليها في بريطانيا عادة باسم نظام «الأول الذي ينجح على القائمة» first past the post، فيفوز المرشح الذي يحصد أغلبية الأصوات، وإذا لم تكن هناك أغلبية، يفوز المرشح الذي يحصد أكبر عدد من الأصوات.

ويترتّب على هذا النظام نتائج عديمة التناسب: إذ تقدم انتخابات العام 2005 أكثر الأمثلة وضوحًا على هذا. فقد فاز حزب العمال بأغلبية برلمانية مطلقة قدرها 355 مقعدًا من أصل 646 مقعدًا، بنسبة 35,2 في المئة فقط من الأصوات. وخلال كل الانتخابات التي أجريت من تشرين الأول/أكتوبر 1974 إلى العام 2005، نال الحزب الفائز أغلبيات واضحة من المقاعد، بما لم يزد قط عن 44 في المئة من الأصوات. وقد أطلق دوغلاس و. راي (1967، 74) على هذه الأغلبيات كافة، صفة «الأغلبيات المصطنعة» - التي نشأت في شكل مصطنع من النظام الانتخابي نتيجة أكثرية الأصوات لا أكثر. والواقع أن كل الأحزاب الفائزة منذ العام 1945 قد ربحت بفضل هذه الأغلبيات المصطنعة.

ومن ثم قد يكون من الأدق أن نطلق على المملكة المتحدة اسم «ديمقراطية تعددية» pluralitarian بدلًا من «ديمقراطية أغلبية». بل إن عدم التناسب الذي تتسم به طريقة التعددية قد ينجم عنها فائز فشل في الفوز بأكثرية الأصوات: فقد فاز المحافظون بأغلبية مقاعد واضحة في انتخابات العام 1951 ليس فقط بأقل من أغلبية الأصوات بل وبأصوات أقل مما نال حزب العمال.

وكان النظام الانتخابي غير المتناسب أكثر إيذاءً للأحرار والديمقراطيين الأحرار، الذين نادوا طويلًا بطرح شكل من أشكال التمثيل المتناسب Proportional Representation (PR). ولكن نظرًا إلى أن نظام التعددية قد عاد بمكاسب كبيرة على المحافظين والعمال، ظل هذان الحزبان على تبنيهما النظام القديم غير المتناسب. ومع ذلك، ثمة إشارات بالتوجّه نحو التمثيل المتناسب. فمثلًا، تم تبني هذا النظام في كل الانتخابات التي أُجريت في إيرلندا الشمالية (باستثناء انتخابات مجلس العموم) بعد احتدام النزاع البروتستانتي - الكاثوليكي، مطلع السبعينيات. وعقب النصر الانتخابي لحزب العمال عام 1997 مباشرة، قرر مجلس الوزراء الجديد برئاسة توني بلير أن تجرى انتخابات العام 1999 لممثلي بريطانيا في البرلمان الأوروبي وفق نظام التمثيل المتناسب - بما يجعل المملكة المتحدة على قدم واحدة مع جميع الأعضاء الآخرين في الاتحاد الأوروبي. كذلك يُستخدم نظام التمثيل المتناسب في انتخاب الجمعيات التشريعية الإقليمية الجديدة لإسكتلندا وويلز. والواضح إذًا أن مبدأ التناسب لم يعد مرفوضًا كما كانت عليه الحال في السابق. ومع ذلك، من الحكمة الاستماع إلى الكلمات التحذيرية لغراهام ويلسون (1997، 72) الذي يشير إلى أن للحزبين الكبيرين تاريخًا طويلًا من تفضيل الإصلاحات الأساسية، لكنهما يتخليان عنها بمجرد وصولهما إلى السلطة، فيقول: «سيتخليان عن تغييرات، كالإصلاحات الانتخابية التي ستصب في غير مصلحتهما». وكجزء من ثمن الانضمام إلى حكومة كاميرون عام 2010، حصل الديمقراطيون الأحرار على وعد بإجراء استفتاء على إصلاحات انتخابية. إلا أن الخيار الذي كان سيقدم إلى الناخبين لم يكن التمثيل المتناسب، ولكن ما يُسمى التصويت البديل، وهو مثل التعددية، أسلوب انتخاب للأغلبية (راجع الفصل 8). أكثر من ذلك، فموافقة المحافظين لم تشمل وعدًا بمساندة هذا الإصلاح البسيط نسبيًّا في الحملة من أجل الاستفتاء. وفي النهاية، شُنَّت حملة نشطة عليه، فرفض الاقتراح بفاصل يفوق 1:2 في أيار/مايو 2011 (كورتروب 2012).

5- تعددية جماعات الضغط: من خلال تركيز النفوذ السياسي في يد الأغلبية، يرسي نموذج وستمنستر للديمقراطية نمطًا يقوم على وجود حكومة ومعارضة، ويتسم بالتنافس والندية، في حين يتسم نظام جماعات الضغط المألوف في نموذج الأغلبية بالمنافسة والصراع. وهو نظام التعددية المتاحة للجميع، ما يتعارض مع النظام المؤسسي corporatism لجماعات الضغط الذي تعقد فيه اجتماعات دورية بين ممثلي الحكومة واتحادات العمال ومنظمات أصحاب العمل للتوصل إلى اتفاق على القضايا الاجتماعية الاقتصادية؛ ويطلق على هذه العملية من التنسيق اسم عملية التوافق concertation، وعلى الاتفاقات التي يتم التوصل إليها اسم المواثيق الثلاثية tripartite pacts. وتُنسَّق عملية التوافق إذا كان هناك عدد صغير نسبيًّا من جماعات الضغط الكبيرة والقوية في كل من القطاعات الرئيسة - وهي العمالة وأصحاب العمل والمزارعون - وإذا كان هناك تنظيم علوي قوي في كل من القطاعات التي تتولى تنسيق الاتجاهات والاستراتيجيات المرغوب فيها لكل قطاع. أما التعددية، في المقابل، فتعني تعددية جماعات الضغط التي تمارس ضغوطًا على الحكومة على نحو تنافسي وغير منسّق.

فنظام جماعات الضغط في بريطانيا هو نظام قائم على التعددية وهذا أمر لا شك فيه. والاستثناء الأوحد لذلك هو العقد الاجتماعي للعام 1975، المتعلق بالأجور والأسعار والذي أبرم بين حكومات العمال واتحاد العمال الرئيس (مؤتمر الاتحادات التجارية) والاتحاد الرئيس لأصحاب الأعمال (اتحاد الصناعة البريطانية). وقد سقط هذا العقد بعد عامين، عندما فشلت الحكومة في الحصول على موافقة الاتحادات على قبول قيود إضافية على الرواتب، وفرضت سقفًا على الرواتب في شكل أحادي الجانب. وقد اتسم عقد الثمانينيات بمواجهات سيئة بين الحكومة المحافظة لمارغريت تاتشر واتحادات العمال - وهو ما يتعارض في شدة مع فكرة النظام المؤسسي والتوافق الآنفي الذكر. ولم يتغير شيء كثير في ظل حكومة العمال التي تولّت السلطة بين العامين 1997 و 2010. وكما أشار مايكل غالاغر ومايكل لافر وبيتر ماير (2011، 467، 471)، فبريطانيا «تُعَدّ غالبًا واحدةً من الأمثلة الكلاسيكية على النظام الأكثري لا المؤسسي. ويتوقعون أن تخلي البلاد عن شكل أساسي لتمثيل جماعات الضغط أم غير مرجّح إلى حدّ كبير.

6- حكومة وحدوية ومركزية: تُعد المملكة المتحدة دولة وحدوية قائمة على المركزية. وتؤدي الحكومات المحلية مجموعة من الوظائف المهمة، بيد أنها تخضع للحكومة المركزية، وسلطاتها لا يضمنها الدستور (كما يحدث عادة في النظم الفدرالية). وعلاوة على ذلك، فإنها معتمدة ماليًّا على الحكومة المركزية. ولا توجد مناطق جغرافية أو وظيفية ذات ترسيم واضح يمكن منع نفوذ الأغلبية البرلمانية ومجلس الوزراء عنها. وقد خلصت اللجنة الملكية للدستور برئاسة اللورد كيلبراندون - عام 1973 إلى أن «المملكة المتحدة هي أكبر دولة وحدوية في أوروبا ومن بين الدول الصناعية الكبرى الأكثر مركزية في العالم» (كما ورد في بوش 1994، 60).

وتجدر الإشارة إلى استثناءين. الأول هو أن إيرلندا الشمالية كان يحكمها برلمانها ومجلس وزرائها الخاص بدرجة كبيرة من الحكم الذاتي - على نحو يفوق ما تمتعت به معظم الدول في النظم الفدرالية - اعتبارًا من العام 1921، عندما نالت جمهورية إيرلندا استقلالها، وحتى فرض لندن الحكم المباشر عام 1972. ومن الأمور ذات الدلالة أن إلغاء الحكم الذاتي لإيرلندا الشمالية عام 1972 كان ممكنًا، من خلال قرار بسيط تصدره أغلبية البرلمان. أما الاستثناء الثاني فهو الانتقال التدريجي نحو استقلال أكبر لإسكتلندا وويلز - أي «التنازل عن السلطة» devolution كما أطلق عليه البريطانيون. ولكن وجب الانتظار حتى أيلول/سبتمبر 1997 حتى جاءت نتيجة الاستفتاءات الشعبية في إسكتلندا وويلز أخيرًا بالموافقة على إنشاء مجالس النواب الإسكتلندية والويلزية المتمتّعة بالحكم الذاتي وحق الانتخاب المباشر (ترنش 2007). بيد أن التنازل عن السلطة لم يسِرْ يدًا بيد مع اللامركزية في إنكلترا، وهي إلى حد كبير أكبر الأجزاء الأربعة المكونة للمملكة المتحدة وأهمها. فقد دفعت مجلة إيكونوميست اللندنية إلى القول إنها «لا تزال أكثر نظم الغرب مركزية» (غانيش 2010).

7- تركيز السلطة التشريعية في هيئة تشريعية ذات مجلس واحد: بالنسبة إلى تنظيم الهيئة التشريعية، كان مبدأ الأغلبية القائم على تركيز السلطة يعني ضرورة تركيز السلطة التشريعية في مجلس واحد. وفي هذا الجانب، تنحرف المملكة المتحدة عن نموذج الأغلبية الخالص. ويتألف البرلمان من مجلسين: مجلس العموم، الذي يُنتخب شعبيًّا، ومجلس اللوردات، الذي يتألف أساسًا من أفراد سلالة النبلاء، لكنه يضم أيضًا عددًا كبيرًا ممن يطلق عليه لقب لوردات مدى الحياة ولا يتم توريث ألقابهم life peers وتعيّنهم الحكومة. وقد أخرج قانون مجلس اللوردات للعام 1999 كل سلالة النبلاء، إلا 92 نبيلًا، بحيث يشكل الأعضاء المعيّنون الآن الأغلبية العظمى في هذا المجلس. وتبدو العلاقة بينهما غير تناظرية: إذ تعود كل الصلاحيات التشريعية إلى مجلس العموم. والسلطة الوحيدة التي يحتفظ بها مجلس اللوردات تتمثل بتأخير التشريع، فيمكنه تأخير مشاريع القوانين المالية شهرًا واحدًا، ومشاريع القوانين الأخرى عامًا. وقد أرسي حد العام الواحد هذا عام 1949، وذلك بين الإصلاح الكبير الأول سنة 1911 وسنة 1949، وكانت صلاحيات اللوردات التأخيرية تمتد نحو عامين، ولكن خلال الحقبة التي بدأت عام 1911 امتنع اللوردات عن فرض مدد تأخير طويلة.

ومن ثم، وعلى الرغم من أن الهيئة التشريعية البريطانية الثنائية التمثيل bicameralism تنحرف عن نموذج الأغلبية، إلا أنها لا تنحرف كثيرًا: ففي المناقشات اليومية في بريطانيا، تشير كلمة «البرلمان» في شكل حصري إلى مجلس العموم، ويمكن أن يُطلق أيضًا على النظام الثنائي التمثيل غير المتناظر اسم النظام شبه الأحادي المجلس near-cameralism. وعلاوة على ذلك، قد يتم تقليص صلاحيات اللوردات أكثر. ونلمس خصوصًا، في حزب العمال ميلًا قويًّا إلى الإصلاحات التي تراوح بين إلغاء حقوق التصويت للأعضاء الوراثيين، وحتى إلغاء مجلس اللوردات. فالتغير من النظام شبه الأحادي إلى الأحادية الكاملة للمجلس التشريعي لن يكون خطوة صعبة، إذ يمكن اتخاذها من خلال أغلبية بسيطة في مجلس العموم، وقد يتأخر سنة واحدة فقط إذا ما اعترض اللوردات.

8- المرونة الدستورية: لبريطانيا دستور «غير مكتوب» بمعنى أن ليس هناك وثيقة واحدة تحدد بالتفصيل بنية المؤسسات الحكومية وصلاحياتها وحقوق المواطنين. بل يُحدّد هذه المسائل عدد من القوانين الأساسية - على غرار الماجنا كارتا (الميثاق الأعظم للحريات) لسنة 1215، ووثيقة الحقوق لسنة 1689 وقوانين البرلمان لما بين العامين 1911 و 1949- ومبادئ القانون العام common law والأعراف والتقاليد. وقد ترتب على كون الدستور وثيقة غير مكتوبة اثنان من التداعيات المهمة. الأول أنه يجعل الدستور مرنًا بالكامل نظرًا إلى إمكان تغييره في البرلمان على غرار أي قانون آخر - من خلال الأغلبية العادية لا الأغلبية الساحقة، كأغلبية الثلثين، التي تشترطها كثير من الديمقراطيات الأخرى لتعديل دساتيرها المكتوبة. ومن الاستثناءات الطفيفة لهذه المرونة أن معارضة من مجلس اللوردات قد تؤخر التغييرات الدستورية، عامًا واحدًا.

9- غياب المراجعة القضائية: يتمثل الأثر الآخر المهم لأي دستور غير مكتوب في غياب المراجعة القضائية، إذ لا توجد وثيقة دستورية مكتوبة لها صفة «قانون أعلى» يمكن المحاكم من خلالها اختبار دستورية التشريعات العادية. وعلى الرغم من أن البرلمان يقبل قواعد الدستور غير المكتوب ويشعر بوجوب التقيد بها، إلا أنه ليس ملزمًا بها رسميًا. وفي ما يتعلق بتغيير الدستور وتأويله، يمكن عدُّ البرلمان - أي الأغلبية البرلمانية - السلطة المطلقة أو السيادية. وفي التعبير الشهير الذي أطلقه أ. ف. ديسي (1915، 37-38)، «لا تعني السيادة البرلمانية أكثر أو أقل من هذا، أي إن للبرلمان، وبموجب الدستور الإنكليزي، الحق في تشريع أي قانون أو عدم تشريعه؛ وعلاوة على ذلك فلا يوجد شخص أو جهة يخوله القانون حق تخطي تشريع البرلمان أو تجاهله».

ويتمثل أحد الاستثناءات للسيادة البرلمانية في أن بريطانيا، عندما انضمت إلى الجماعة الأوروبية - وهي منظمة ما فوق قومية وليست مجرد منظمة دولية - عام 1973، قبلت قوانين المنظمة ودساتيرها، باعتبارها سلطات تفوق سلطة البرلمان في ما يتعلق بكثير من الجوانب السياسية. ونظرًا إلى أن السيادة تعني السلطة العليا والمطلقة، لم يعد من الممكن النظر إلى البرلمان باعتباره متمتعًا بسيادة كاملة. كذلك أدخلت عضوية بريطانيا في الجماعة الأوروبية - التي يطلق عليها الآن اسم الاتحاد الأوروبي - تشريعًا بالمراجعة القضائية على كل من محكمة العدل الأوروبية والمحاكم البريطانية: «إن سيادة البرلمان ينتقص منها حق مؤسسات الاتحاد الأوروبي في التشريع للمملكة المتحدة (من دون موافقة مسبقة من البرلمان) وحق المحاكم في إصدار أحكام بجواز القوانين المستقبلية للبرلمان (من حيث قانون الاتحاد)» (كومبس 1977، 88). وبالمثل، كانت بريطانيا عضوًا في الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان منذ العام 1951، وكان قبولها الفقرة الاختيارية الخاصة به عام 1966، منح المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ حق مراجعة أي إجراء من الدولة وإبطاله، بما في ذلك التشريع، إذا رأت أنه ينتهك حقوق الإنسان التي يحصّنها الاتفاق (كابيليتي 1989، 202؛ جونسون 1998، 155-58).

10- بنك مركزي تسيطر عليه السلطة التنفيذية: تتحمّل البنوك المركزية المسؤولية عن إصدار السياسات النقدية، وتتمتع البنوك المستقلة في نظر كثيرين، بقدرة أفضل على السيطرة على التضخم والمحافظة على استقرار الأسعار من البنوك المعتمدة على السلطة التنفيذية. ومع ذلك، فإن استقلالية البنك المركزي تتعارض في شكل واضح، مع المبدأ الذي ينص عليه نموذج وستمنستر والمعتمد على تركيز السلطة في يد مجلس وزراء أغلبية، أحادي الحزب. وكما هو متوقع، لم يكن لبنك إنكلترا القدرة على العمل في شكل مستقل، إذ كان خاضعًا لرقابة مجلس الوزراء وسيطرته. وخلال عقد الثمانينيات، زادت الضغوط الرامية إلى جعل بنك إنكلترا يتمتع بقدر أكبر من الاستقلالية. وقد حاول اثنان من وزراء المال المحافظين إقناع زملائهم باتخاذ هذه الخطوة الكبيرة بعيدًا عن نموذج وستمنستر، بيد أن نصيحتهما رُفضت (بوش 1994، 59). ولم يمنح بنك إنكلترا قدرة مستقلة على وضع أسعار الفائدة إلا عام 1997- في واحد من أول القرارات التي اتخذتها الحكومة العمالية المنتخبة في ذلك الحين. تقاس درجة استقلالية البنك المركزي عادة بمقياس وضعه أليكس كوكيرمان، يراوح بين حد أدنى صفر، وحد أقصى 1 (راجع الفصل 13). وقد ارتفعت نتيجة البنك المركزي البريطاني بين العامين 1997 و 1998 من 0,27 إلى 0,47 - مشيرة إلى زيادة ذات دلالة في استقلاله، وإن كانت، على سبيل المثال، لا تزال أقل من النتائج السويسرية والألمانية 0,64 و 0,69، خلال الجزء الأكبر من التسعينيات (بوليلو وغيلان 2005).

لا تبدل التغيرات الأخيرة في السياسة البريطانية الشخصية العامة لبريطانيا كمثال رئيس لديمقراطية الأغلبية. وكما يقول ماثيو فليندرز (2010) - على ذكر العنوان الرئيس والثانوي لهذا الكتاب - إن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كان مرحلة من «التحوّل الديمقراطي» و «تعديل الأغلبية»، أكثر من أي تحول أساسي بعيدًا عن نموذج وستمنستر.

الصفحات