أنت هنا

قراءة كتاب أنماط الديمقراطية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أنماط الديمقراطية

أنماط الديمقراطية

كتاب " أنماط الديمقراطية " ، تأليف أرند ليبهارت ، ترجمة 

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

النموذج التوافقي في سويسرا وبلجيكا

يمكن وصف النموذج التوافقي للديمقراطية في ضوء عشرة عناصر تتناقض تناقضًا صارخًا مع الخصائص العشر لنموذج وستمنستر. فبدلًا من تركيز السلطة في أيدي الأغلبية، يحاول النموذج التوافقي أن يتقاسم السلطة وينشرها ويحدّها بطرائق عدة.

1- تقاسم السلطة في مجالس ائتلافية موسّعة: على النقيض من ميل نموذج وستمنستر إلى تركيز السلطة التنفيذية في مجالس وزراء تتألف من حزب واحد وأغلبية ضئيلة، فالمبدأ التوافقي هو إفساح المجال لكل الأحزاب المهمة، أو لمعظمها، بتقاسم السلطة التنفيذية في تحالفات ائتلافية واسعة. ويقدم المجلس الفدرالي، وهو السلطة التنفيذية الوطنية السويسرية، المؤلف من سبعة أعضاء، مثالًا ممتازًا على هذا التحالف الموسّع: فحتى عام 2003، استحوذ كل من الأحزاب الثلاثة الكبيرة، وهي الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الاشتراكي والحزب الديمقراطي الراديكالي، على ربع عدد المقاعد في المجلس الأدنى للهيئة التشريعية خلال حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وتقاسمت هذه الأحزاب مع حزب الشعب السويسري، الذي نال ثمن عدد المقاعد، المناصب التنفيذية السبعة، بالتناسب، يطلق عليه المعادلة السحرية 1:2:2:2، التي تم إرساؤها في عام 1959. وبعد انتخابات 2003، أصبح الحزب الديمقراطي الاشتراكي هو حزب الغالبية، حيث حصل على مقعد إضافي على حساب الحزب المسيحي الديمقراطي. وبرغم ذلك، لم يعمر التحالف الموسع طويلًا، ففي عام 2007، انتهى التحالف عندما لم يتم ترشيح كريستوفر بلوتشر - الذي كان عضوًا في المجلس الاتحادي منذ عام 2003 - وانتُخب مكانه أحد مرشحي الحزب الآخرين. أعلن الحزب الديمقراطي الاشتراكي أنه لم يعد يفوّض عضوي المجلس في تمثيله، ومن ثم صار الحزب معارضًا. وعلى الرغم من ذلك عاد التحالف الموسع من جديد في كانون الثاني/يناير 2009 (تشيرتش وفاتر، 2009)، وثمة معيار إضافي غير رسمي في تقاسم السلطة يتمثل في تمثيل الجماعات اللغوية في تناسب صارم مع أحجامها: أربعة أو خمسة أعضاء يتحدثون بالألمانية، وعضو أو اثنان يتحدثان بالفرنسية، وفي كثير من الأحيان، متحدث أوحد بالإيطالية.

ويقدم الدستور البلجيكي مثالًا على أحد المتطلبات الرسمية التي تنص على ضرورة أن تشمل السلطة التنفيذية ممثّلين للفئات اللغوية الكبيرة. فلأعوام طويلة، جرت العادة على تشكيل مجالس وزراء تضم أعدادًا متساوية تقريبًا من الوزراء يمثلون الأغلبية المتحدثة بالهولندية والأقلية المتحدثة بالفرنسية، وقد أصبح ذلك قاعدة رسمية في سنة 1970. ويشترط الدستور الفدرالي الجديد مرة أخرى: «أن يضم مجلس الوزراء عددًا متساويًا من المتحدثين بالفرنسية والهولندية مع إمكانية استثناء رئيس الوزراء». (ألين وايرجيك 1994). وهذه القاعدة لا تنطبق على التركيب الحزبي لمجلس الوزراء، بيد أنه كان هناك فقط نحو أربعة أعوام من حكم الحزب الواحد في حقبة ما بعد الحرب العالمية، ومنذ عام 1980 فصاعدًا كانت جميع مجالس الوزراء عبارة عن ائتلافات تتألف من نحو أربعة أو ستة أحزاب.

2- التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية: لا يُعتبر النظام السياسي السويسري برلمانيًا ولا رئاسيًا، فالعلاقة بين المجلس الفدرالي التنفيذي والهيئة التشريعية يشرحها أستاذ العلوم السياسية السويسري يورغ شتاينر (1974، 43) على النحو التالي: «يُنتخب أعضاء المجلس فرديًا لمدة ثابتة قدرها أربعة أعوام، ووفقًا للدستور، لا تستطيع الهيئة التشريعية التصويت بحجب الثقة خلال هذه المدة. فإذا رفض البرلمان أحد المقترحات الحكومية، فليس لازمًا أن يستقيل العضو الراعي لهذا المقترح أو المجلس الفدرالي كهيئة». وهذا الفصل الرسمي بين السلطات جعل كلًّا من الهيئتين التنفيذية والتشريعية أكثر استقلالية، وجعل العلاقة بينهما أكثر توازنًا من العلاقات بين مجلس الوزراء والبرلمان في نماذج بريطانيا ونيوزيلندا وبربادوس، والتي يهيمن فيها مجلس الوزراء هيمنةً واضحة. إن المجلس الفدرالي السويسري يتمتع بالقوة، بيد أنه ليس الأعلى.

وفي بلجيكا نظام حكم برلماني يضم مجلس وزراء يعتمد على ثقة الهيئة التشريعية، كما هي الحال في النماذج الثلاثة الأولية لنموذج وستمنستر. وعلى الرغم من ذلك، فإن مجالس الوزراء البلجيكية، ولأسباب يرجع أغلبها إلى كونها تشكل ائتلافات موسعة وغير متماسكة، لا تتمتع إطلاقًا بالدرجة نفسها من الهيمنة التي تتمتع بها نظيرتها في نموذج وستمنستر، وتميل إلى علاقة عطاء وأخذ حقيقية مع البرلمان. إن كون مجالس الوزراء البلجيكية هي مجالس قصيرة العمر أمر يشهد بمركزها الضعيف نسبيًا: فخلال الحقبة بين عامي 1980 و 2010، مثلًا، كان هناك تسعة مجالس وزراء تتألف من ائتلافات مختلفة متعدّدة الأحزاب - بمتوسط عمر لا يزيد على حوالى ثلاثة أعوام لكل مجلس وزراء.

3- النظام المتعدّد الأحزاب: تضم كلّ من سويسرا وبلجيكا أنظمة حكم متعدّدة الأحزاب دون أن يظفر أي منها بوضعية حزب الأغلبية. وفي انتخابات عام 2007 للمجلس الوطني السويسري، فاز اثنا عشر حزبًا بمقاعد برلمانية، بيد أن أغلب هذه المقاعد - وهي مئة وسبعة وستون مقعدًا من أصل مئتين - حازتها الأحزاب الأربعة الكبرى الممثلة في المجلس الفدرالي. ومن ثم فقد جاز لنا أن نقول إن نظام الحكم في سويسرا يضم أربعة أحزاب.

وحتى أواخر حقبة الستينيات، تميَّزت بلجيكا بنظام ثلاثي الأحزاب يتألف من حزبين كبيرين - الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي - والحزب الليبرالي المتوسط الحجم. لكن هذه الأحزاب الرئيسة دبّت فيها الانقسامات منذ ذلك الحين على أسس لغوية، وبرز كثير من الأحزاب اللغوية الجديدة في الساحة. إضافة إلى هذا، ظهر خلال الأعوام الأخيرة حزبان أخضران، أحدهما يتحدث بالهولندية والآخر يتحدث بالفرنسية. وكان نحو دزينة من الأحزاب بمقدورها عادة الفوز بمقاعد في مجلس النواب، أحد عشر منها كانت مهمة بما يكفي لضمّها إلى مجلس وزراء أو أكثر من مجلس وتعد بلجيكا من الدول الديمقراطية الحديثة التي فيها أكثر الأنظمة الحزبية انقسامًا (سويندن، برانس، ودي وينتر 2009، 8).

ويمكن إرجاع نشوء النظم المتعددة الأحزاب في سويسرا وبلجيكا إلى عاملين: الأول هو أن في البلدين مجتمعين تعدّديين منقسمين على طول عدّة خطوط من الانشطارات؛ الدين والطبقة واللغة. أحد الفروق بين سويسرا وبلجيكا هو أن الاختلافات اللغوية كان لها أثر ضئيل فقط في النظام الحزبي السويسري، بينما كوّنت الفارق الأكبر بالنسبة إلى الأحزاب البلجيكية. لقد كان حزب الشعب السويسري يتمتع بالقوة بشكل خاص بين المزارعين البروتستانت، لكنه وسع من انتشاره وحصل على دعم كبير من الناخبين بوصفه حزبًا يمينيًا شعبويًّا مناهضًا للهجرة. هذا الوصف يناسب أحد الأحزاب القومية الفلمنكية الصغيرة في بلجيكا أيضًا (باويلز 2011). كما أن في كلا البلدين أحزابًا خضراء صغيرة ولكنها مؤثّرة.

4- التمثيل المتناسب: يتمثل التفسير الثاني لنشوء النظم السياسية المتعددة الأحزاب في سويسرا وبلجيكا في أن نظمها الانتخابية المتناسبة لم تمنع ترجمة الانقسامات المجتمعية إلى انقسامات في النظام الحزبي. فعلى خلاف منهج التعددية، والذي يميل إلى التمثيل المفرط للأحزاب الكبيرة والتمثيل المتدني للأحزاب الصغيرة، يتمثل الهدف الأساسي للتمثيل المتناسب في تقسيم المقاعد البرلمانية بين الأحزاب بشكل يتناسب مع الأصوات التي تتلقاها. وكلا المجلسين الأدنيين لكلتا الهيئتين التشريعيتين يُنتخب بنظام التمثيل المتناسب.

5- مؤسّساتية جماعات الضغط: ثمة اختلاف بين خبراء المؤسّساتية حول درجة المؤسّساتية corporatism في سويسرا وبلجيكا، لسبب رئيسي في ذلك هو أن الاتحادات العمالية في هذين البلدين أقل تنظيمًا وتأثيرًا من المؤسسات الاقتصادية. ويمكن حل هذا الاختلاف بالتمييز بين نوعين من المؤسّساتية: المؤسّساتية الاجتماعية التي تهيمن فيها الاتحادات العمالية، والمؤسّساتية الليبرالية التي تشكّل فيها جمعيات أصحاب الأعمال القوّة الأكبر. ويستخدم بيتر ج. كاتزنشتاين (1985، 105، 130) سويسرا وبلجيكا مثالين على تلك الأخيرة، ويخلص إلى أن سويسرا «هي المثال الأوضح لخصائص المؤسّساتية الليبرالية». فكلا البلدين يوضح العناصر العامة الثلاثة للمؤسّساتية: التوافق الثلاثي وجماعات الضغط الكبيرة نسبيًا والقليلة نسبيًّا والاتحادات البارزة. ويقول جيرهارد ليمبروش (1993، 52) «إن قوة جمعيات السويسرية البارزة قوة ملحوظة، ومن المعترف به عمومًا أن تماسك اتحادات الضغط السويسرية يفوق تماسك الأحزاب السياسية السويسرية». وعلاوة على ذلك، يذهب كلاوس أرمينجيون (1997) إلى أنه بالرغم من أن مدى المؤسّساتية وفاعليتها في الكثير من الدول الأوروبية كانت تعاني تدهورًا في التسعينيات، إلا أنها تظل قوية في سويسرا. أما التعاون الثلاثي في بلجيكا فقد بدأ بالمعاهدة الاجتماعية التي تمت في عام 1944، و «لم يتغير نظامها المؤسّساتي تغيُّرًا جوهريًّا» منذ ذلك الحين (ديشوفر 2009، 193).

6- الحكومة الفدرالية واللامركزية: تعتبر سويسرا دولة فدرالية، وتنقسم فيها السلطة بين الحكومة المركزية وحكومات عشرين كانتونًا وما يطلق عليه تسمية ستة كانتونات نصفية نشأت عن انشقاقات في ثلاثة كانتونات موحّدة في السابق. وللكانتونات النصفية ممثّل واحد فقط بدلًا من اثنين من الممثلين في الهيئة الفدرالية السويسرية، وهو مجلس الولايات. وهي تحمل فقط نصف ثقل الكانتونات التقليدية في التصويت على التعديلات الدستورية؛ وفي معظم الجوانب الأخرى، نجد أن وضعيتها تساوي وضعية الكانتونات الكاملة. كما تعد سويسرا أيضًا من أكثر البلدان لامركزيةً في العالم.

وقد كانت بلجيكا دولة وحدوية ومركزية لمدة طويلة، بيد أنه اعتبارًا من عام 1970 اتجهت تدريجًا نحو اللامركزية والفدرالية؛ وفي سنة 1993، أصبحت دولة فدرالية رسميًا. والفدرالية التي تتبنّاها بلجيكا هي «فدرالية فريدة» (فيتزموريس 1996) وذات «بنية تعقيد بيزنطية» (ماكراي 1997، 289)، نظرًا لأنها تتألف من ثلاث مناطق محددة جغرافيًّا هي الفلاندرز ووالونيا والعاصمة الثنائية اللغة بروكسل - ومن ثلاثة مجتمعات ثقافية غير محدّدة جغرافيًّا - هي المجتمعان الفلمنكي والفرنسي الكبيران، والمجتمع الألماني الأصغر حجمًا بكثير. وقد كان السبب الرئيسي لإنشاء هذا النظام المؤلف من طبقتين هو أن منطقة بروكسل الثنائية اللغة تضم أغلبية كبيرة من الناطقين بالفرنسية، بيد أنها محاطة بالفلاندرز الناطقين بالهولندية. وثمة تداخل كبير بين المناطق والمجتمعات، بيد أنها لا تتطابق تمامًا. فلكل منها هيئته التشريعية والتنفيذية، باستثناء أن حكومة المجتمع الفلمنكي تعمل أيضًا في فلاندرز كحكومة للمنطقة الفلمنكية.

7- ثنائية المجالس القوية: يتمثل المبرر الرئيس لإرساء هيئة تشريعية ثنائية التمثيل بدلًا من هيئة أحادية التمثيل في ما يمنحه من تمثيل خاص للأقليات، والتي تشمل الولايات الصغرى في النظم الفدرالية، وذلك في هيئة ثانية أو مجلس أعلى. ويتعين تحقّق شرطين إذا أُريد لتمثيل هذه الأقلية أن يكون ذا معنى: الشرط الأول هو ضرورة أن يُنتخب المجلس الأعلى على أساس يختلف عن طريقة انتخاب المجلس الأدنى. والشرط الثاني هو ضرورة أن يكون له قوة حقيقية - تقترب في الظروف المُثلى من قوة المجلس الأدنى نفسها. ولقد تحقّق هذان الشرطان في النظام السويسري؛ حيث يعتبر المجلس الوطني هو المجلس الأدنى ويمثل الشعب السويسري، ومجلس الولايات هو المجلس الأعلى أو الفدرالي الذي يمثل الكانتونات، حيث لكل كانتون ممثّلَان ولكل نصف كانتون ممثل واحد. ومن ثم فإن الكانتونات الصغيرة تحظى بتمثيل أكثر قوة في مجلس الولايات من المجلس الوطني. وعلاوة على ذلك، فإن نظام المجلسين السويسري متناظر: «المساواة المطلقة بين المجلسين في كل أمور التشريع» قاعدة مقدسة للغاية (لندر 2010، 51) في سويسرا.

ويتمتع مجلسا البرلمان البلجيكي - مجلس النواب ومجلس الشيوخ - بصلاحيات متساوية في بلجيكا ما قبل الفدرالية، بيد أنهما تشكّلا بشكل متناسب، ومن ثم كانا متماثلين للغاية في بنيتهما. ويأتي مجلس الشيوخ الجديد، الذي انتُخب للمرة الأولى في 1995، ليمثل الفئتين الثقافيتين اللغويتين، بيد أنه يظل متناسبًا في تكوينه في الغالب، ولم يُصمّم لتوفير التمثيل المفرط للأقلية الناطقة بالفرنسية والألمانية. وعلاوة على ذلك، فإن أربعين فقط من بين أعضائه السبعين يتم انتخابهم بشكل عام، كما تم تقليص صلاحياته مقارنة بمجلس الشيوخ القديم؛ فمثلًا، لم يعد يملك صلاحيات في إقرار الميزانية (دي ونتر ودومونت 2009، 102؛ ديشوفر 2009، 171-172). ومن ثم فإن الهيئة التشريعية الفدرالية الجديدة لبلجيكا مثال على نظام ثنائي التمثيل ضعيف نسبيًا لا قوي.

8- الجمود الدستوري: في كلّ من بلجيكا وسويسرا دستور مكتوب في هيئة وثيقة أحادية تضم القواعد الأساسية للحكم - يمكن تغييرها فقط من خلال أغلبيات خاصة. ويستلزم إدخال أي تعديل على الدستور السويسري موافقة في استفتاء شعبي، ليس فقط من أغلبية الناخبين في البلاد، بل وكذلك من الأغلبية في أكثر الكانتونات. وتُمنح الكانتونات النصفية نصف الثقل عند الحساب على أساس كل كانتون على حدة؛ وهو ما يعني أنه بالإمكان، مثلًا، تبني أي تعديل دستوري إذا وافق عليه ثلاثة عشر كانتونًا ونصف الكانتون ورفضه إثنا عشر كانتونًا. إن الشرط الخاص بموافقة أغلبية الكانتونات يعني أن بوسع سكان الكانتونات الأصغر وأنصاف الكانتونات، والتي تمثل أقل من 20 في المئة من إجمالي التعداد السكاني السويسري، نقض أي تغييرات دستورية.

وفي بلجيكا، ثمة نوعان من الأغلبيات الساحقة. وتستلزم كل التعديلات الدستورية موافقة أغلبية الثلثين في كلا المجلسين التشريعيين. وعلاوة على ذلك، فإن القوانين المتصلة بتنظيم المجتمعات والمناطق وصلاحياتها لها وضع شبه دستوري ويكون من الأصعب إقرارها وتعديلها: بالإضافة إلى أغلبية الثلثين في كلا المجلسين، فإنها تستلزم موافقة الأغلبية داخل الجماعة الناطقة بالهولندية وداخل الجماعة الناطقة بالفرنسية في كلا المجلسين. وتمنح هذه القاعدة الناطقين بالفرنسية قدرة نقض فعّالة للأقلية.

9- المراجعة القضائية: تنحرف سويسرا في أحد الجوانب عن النموذج التوافقي البحت: فمحكمتها الدستورية، وهي المحكمة الفدرالية، لا تملك حق المراجعة القضائية. وكانت إحدى المبادرات الشعبية التي حاولت طرح هذا الحق قد رُفضت بشكل حاسم في استفتاء شعبي جرى في عام 1939 (كودينغ 1961، 112). وقد وضع البرلمان في الاعتبار إنشاء محكمة دستورية كجزء من عملية الإصلاح القضائي في عام 2000. ولكن لم يكن هذا الاعتبار جزءًا من عملية الإصلاح المطبقة وقتها (فاتر 2008، 22-23).

ولم تكن هناك مراجعة قضائية في بلجيكا، هي الأخرى، حتى عام 1984، عندما افتُتحت محكمة التحكيم الجديدة. وكانت المسؤولية الرئيسة للمحكمة تتمثل في تفسير الأحكام الدستورية المتعلقة بفصل السلطات بين الحكومات المركزية والمجتمعية والإقليمية. وقد توسّعت سلطتها بشكل كبير من خلال التنقيح الدستوري لعام 1988، ويمكن النظر إلى محكمة التحكيم الآن كمحكمة دستورية أصيلة. (دي ونتر ودومونت 2009، 109).

10- استقلالية البنك المركزي: كان يُنظر إلى البنك المركزي السويسري لمدة طويلة باعتباره من أقوى البنوك المركزية وأكثرها استقلالية، جنبًا إلى جنب مع البنك المركزي الألماني وبنك الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة. وقد بلغت درجة استقلالية البنك المركزي بناء على مؤشّر كوكيرمان 0,63 منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي (فاتر 2008، 26). وعلى النقيض، اعتُبر البنك الوطني البلجيكي لمدة طويلة من أكثر البنوك المركزية ضعفًا. ومع ذلك، فقد تعزّزت استقلاليته في مطلع التسعينيات، خلال المدة نفسها التي شهدت التحوّل إلى النظام الفدرالي، ولكن بصفة خاصة كنتيجة لمعاهدة ماستريخت، الموقعة في عام 1992 والمصدّق عليها في عام 1993، والتي ألزمت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تعزيز استقلالية بنوكها المركزية. أما في عام 1993، فقد ارتفعت درجة استقلالية البنك المركزي بناء على مؤشّر كوكيرمان من 0,17 لتبلغ 0,41 (بوليلو وغولين 2005).

الصفحات