أنت هنا

قراءة كتاب الساعد الغربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الساعد الغربي

الساعد الغربي

أية لحظة.. مباغتة، ستفاجئنا بالحنين ونحن نتشكل بعد، أية مدارات ستنجرف أحلامنا ونحن نتهاوى على قباب الروح والجسد.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
العتبة
 
لا أعرف يا سارة لماذا دائماً أفكر بالمطر.. اليوم مشمس على غير عادته، وبينما كنت خارجاً للتو من أقبية الشتاء، ها هي الشمس مرة أخرى تتوهج فتتبخر الرطوبة الكامنة في الأماكن والتراب والتي تراكمت طيلة الشتاء، مما سمح للناس بالخروج من بيوتهم والأولاد وهم يقفزون على مصاطب الشمس، في الحدائق والممرات والشوارع، بألوانهم المرزكشة، البراقة، كل هذا جعلني على نحو ما، أستعيد تلك الأيام البعيدة الآن ونحن نستحم تحت الشمس الحارقة في السهول والوديان، ونحن نفتش عن النباتات البرية، ونتصيد الحمام والعصافير، معفرين بالتراب وكانت الأيام أكثر أمناً وسلاماً لأحلامنا المؤجلة...
 
ولهذا كان يبدو عليَّ بالرغم من كمية العذوبة والصفاء التي تغمرني وأنا أعصر ذوائب روحي تحت وهج الشمس، ثم ما يلبث أن يتحول هذا الإحساس، فأشعر بذلك الزوغان الباهت للأشياء وهي تنكمش تحت امتلائها بالظلال، فتبدو الحياة كئيبة، وهشة، وغير مجدية.
 
لكن ما كان يبدو أكثر ظلاماً وإيلاماً هي تلك الرحلة التي تعبر دائماً تلافيف الذاكرة وتسبح مثل رمل الصحارى في جوفك، مريرة متشحة بالمباغتة والرجاجة. وكثيراً ما تبادر إلى ذهني سؤال، كاد يلازمني حتى في نومي وكنت دائماً أهرب من ثقله، إلى أن أحسست ذات يوم، وإذ به يضغط على روحي وكأني لا أستطيع الخروج من تحت وطأته وثقله، حينها فقط، وإلى اليوم.. لازلت أشعر بذلك الضعف الشديد، وخيّل إليَّ أن الأمور إلى حد ما مؤقتة، أو أنها لسبب ما، حدثت.. وربما تحدث.. لكن فيما بعد تبين لي أنها كانت تأخذ اتجاهاً آخر، وكان ذلك دليلاً واضحاً على خراب المشاعر والأحاسيس الملتاثة باللوعة والحزن والحنين.
 
أقول هذا، ليس من باب التعتيم أو الفلسفة أو إدهاش الفكرة. أو جرها إلى أبواب مغلقة، لكنها الفكرة التي تحاصرك وتكاد تشق عيونك وتخرج، لكنها قبل كل ذلك تتدحرج داخلك، تمر على كل أحزانك وآلامك، تتشكّل فاردة سياطها، لتأخذ لنفسها شكلاً وحجماً ثم تندفع بقوة، وما إن تخرج حتى تنفجر، فتوهمك بالموت، ثم بالحزن، ثم ما تلبث أن تتحول بفعل ما إلى غيمة، سحابة من يأس، تمور أمام ناظريك طاعنة في أشد تفاصيل ذكرياتك، مائرة تقتحم العود والعمود، لا تنقشع ولا تتماهى، وتبقى كما الأرض بكل تفاصيلها وتضاريسها بعد انفجارها الأول، وهكذا تبقى مليارات السنين.
 
إنه الحزن!.

الصفحات