أنت هنا

قراءة كتاب الساعد الغربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الساعد الغربي

الساعد الغربي

أية لحظة.. مباغتة، ستفاجئنا بالحنين ونحن نتشكل بعد، أية مدارات ستنجرف أحلامنا ونحن نتهاوى على قباب الروح والجسد.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
ومع ذلك كانت السكة التي تفصل السهل.. مجرد شيء اعتيادي مَرْوي كثيراً لأنك ستقول لها علاقة بالحكم العثماني والخط الحديدي الحجازي وتدخل على السياسة... لا...
 
كانت شيئاً اعتيادياً وعابراً لولا دخول عينيك على المشهد، أخوك كان يركض خلفك في ذلك الصباح لتشاهدوا القطار الذي لم يمر منذ أزمان طويلة.. قال لك هيا لنجتازها ونركب تلك الصخرة.. وتنظر من هناك.. سبلت عينيك ورحت تنظر إلى الأفق.. إلى الساعد الغربي والضفة الأخرى للساعد أنت إلى الآن لا تعرف لماذا داهمك الخوف، وعلى نحو ما شعرت أنك لا تستطيع ترك ظهرك للسهل والاستغراق في النظر إلى القطار الذي سيمر كانت الريح بداية ذلك الصيف تندفع عبر آلاف الأميال على كتف الوادي من دون مصدّات... وكان لحفيفها بالسهل صوتٌ لا يمكن نسيانه أبداً... إنك لا تزال تعيش المشهد كلما استحضرته ذهنياً أو حاولت استرجاعه أو رويه بكل ما وطئه بأحشائك من خوف... أنت لم تعرف من أي بلاد تأتي الريح وإلى أي بلاد تمضي... كان الصوت... صوت الريح وهي تضرب في السهل يدفع هذه الجهالة لديك بخوف مجهول... فظيع لا طاقة لك به والآن وقد عرفت القرى النائية في السهل ولَّت مخافة الريح وعرفَتَ أن مصدر الأسطورة الوحيد الجهالة.
 
- قلت لك يا نادر:
 
هكذا تركت خربة الريحان... ومن نار إلى نار ماضياً إلى المدينة التي جمعتنا الآن وها أنتذا.. كأنك تجولت وحيداً في الأرض... وبالفعل وطئت أمكنة لم تطأها من قبل... أحياء... محافظات... بلدات صغيرة... دروباً مجهولة على ضفاف أودية وأنهار... شاهدت فلاحات ريفيات في سروة الصبح الباكرة، ومواشي تستحم بأشعة شمس الضحى، رجالاً مسنين يتعكزون أثوابهم البيضاء الطويلة مسرعين يدعوهم الأذان... حقول ملتهبة على حواف الأرض... أعشاب مصفرة نائمة في أجراف الأغساق وشاهدت عرائش ذرَّاها الزمن... آثارها... أعمدة وأوراق يابسة تخشخش في الريح... تحيطها أقفار محيَّرة تلفحها الشمس كل يوم بلا هوادة على مر السنين.. وأيضاً بيوت مهجورة تعبرها الدواب، دخلتها من فرجات هدمتها الأيام وحمتها نظرات عابريها الذين مضوا يوماًَ ما جنبها، مشيت في باحاتها، ولاحظت عبر ساعات طويلة... ساعات وفي رأسك دوار... الزمن والناس...
 
وافترضت أنه كان ثمة عائلة... أب وأم وأولاد... وفي الخلف نهر يجري... وفي المنتصف باحة ودالية عنب وتحت الأشجار المتباعدات ظلال وحيوانات تتفيأ، وكان ثمة أطفال يلعبون على مصاطب الحلم وأول زرقة الحياة ولونها البهيج، النهر يجف... الأشجار تذوي... الأب والأم يموتان... الأولاد يكبرون ويضيعون في زحمة الحياة... وأنت الآن موظف في السجل المدني مطلوب منك تقرير حول مصائرهم وحيواتهم أنت الآن جالس على طاولتك والساعة تشير إلى الرابعة فجراً وأمام ضوء خافت جالس وحيداً... وأنت مشغول بمصائرهم وتعداد ذواتهم وذكرياتهم وحزنهم وفرحهم... مَنْ طالبك بذلك، ولماذا أنت رهن تكليف حكومي أخرق، ستمضي وأنت تكتب ثم تنتقل فيما بعد في فصول أخرى إلى أحد أفراد الأسرة ستكتب عنه بقية الرواية اسمه (شريف الرزاز).

الصفحات