أنت هنا

قراءة كتاب بائع التماثيل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بائع التماثيل

بائع التماثيل

كتاب "بائع التماثيل" للكاتب والفنان التشكيلي السوري فاتح المدرس، يحوي مجموعة قصص، نقرأ من قصة "بائع التماثيل" التي حمل الكتاب عنوانها: ""كور تسفاتس بوكريا أخشيكمه" بهذا كان ينادي لبيع تماثيله الملونة الصغيرة؛ فالبارون أرتين عجوز أرمني فقد كل شيء خلال هجرته

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
"وهل في قلب النهر طعام كثير أيتها الضفدعة؟" وأخرجت من قعر جيبها "فرافيط" كعك قديم ولعقته, وتمنت لو كانت ضفدعة.
 
وساد السكون على عالم الصغيرة, وراعها أن تكون حقاً وحيدة, إذ أن الأصوات خفيفة من حولها وازدحم في مسامعها الطنين من جديد, وارتعش القصب فخفق قلبها, وتذكرت عود النعنع الذي سيكون دواء شافياً لأمها, فانتخبت بعينيها أكثر العيدان زهراً, وكان الماء لا يزال يرمق "عالو" بعين واحدة كبيرة, فمدت يدها وشدت إليها العود, فانزلقت "عالو".
 
وارتفع نداء مكتوم من طيات الماء على شكل فقاعات لم تلبث أن انطفأت... وارتفع رأس صغير, شعره أشقر, وضربت عالو بيدها الماء حاولت أن تمسك بالسماء فكانت هذه المرة عالية, عالية ولم تلبث السماء أن اختلطت بالماء, وفي غمرة رعبها المميت نادت "آو..." ونادت أمها بأعلى صوتها, إلا أن ماء النهر لين وعميق وقاتم, وحاولت أن تتشبث بها, وكان عيدان النعناع الـ...نع..ناع...النع... وحاولت أن تتشبث بها, وكان التيار الخفي يدور بها ويقلبها, واكتفى بأن دار بها دورتين فغيبها.
 
غاصت عالو كما يغوص عود ثقيل ألقي عامودياً في إناء. فلامست أقدامها القاع الموحلة, ودارت في رأسها الصغير عجلة من الزمن خاطفة... فصرخت: "آني..." أمي, فقالت لها أمها: "هات يدك يا عالو, يا حبيبتي", ونفذ بسرعة البرق أبوها مسلم خلال الغمامة الرقيقة, وترك السماء لأصحابها, وانحدر كالشاهين نحو عالو, وصرخ بها, وهزها, بصوته الجهوري أن "تمسكي بالحشائش يا عالو.. يا صغيرتي".
 
ورأت عالو وجه مسلم يقترب, ويكبر , واختلط بوجه أمها, وكانت لا تزال تعصب رأسها بمنديل وراء الجدران, وتحول قصب الشاطئ إلى ألف يد منها السوداء ومنها البيضاء, وعرفت بينها يد المرأة الطويلة ذات الوجه المجدور, ودارت وجوه كثيرة حولها, وملأ الظلام وجه يصرخ بها "إلى النهر.. إلى النهر" وشعرت أن يداً تهزها وتصرخ بها: "إلى النهر أيتها البرصاء", وألقى "حموكيا" إليها بألف رغيف وقع على وجهها, فهي تأكل, الآن كثيراً.. من الماء.. وأن الوجه الكبير وجه الآغا غدا كبيراً, مكشراً عن أنيابه كوجه الكلب الذي يكسر العظام, وقبض على صدرها, فمزقه بأنيابه, وأرادت أن... إلا أن الفقاعات كانت قد تكاثرت على وجه الماء, فقالت لها أمها: "اذهبي إلى حلب, مع النهر, وسأذهب معك". وأمسكت بيد "مسلم" ودارت حولها, تصرخ بها "معا..".
 
واحتواها شلال عظيم مظلم أحرق عينيها وعنقها, وصدرها, ومزقه, وشعرت بأنها تغوص بسرعة لينة نحو قاع عين كبيرة, وتذكرت عين الشمس, وفار صدرها كالمرجل, وأنه سينفجر.. سينفج...ر..
 
وفار ماء النهر وطاف شعر أشقر.. كانت الشمس حسبته حصاداً سبقت وأحرقته, قطف حلقات حلقات, ثم طفا ثوبها الأحمر المنقط بنقاط بيضاء, حتى بدا كأن قلب النهر ينفجر حزناً وتقلب رأس عالو مع التيار والتقى وجهها بوجه السماء... لقد كان وجه عالو جميلاً.. إلا أن وجه السماء كان لا يعرف العداوة... ولا الرحمة حسب عادته.
 
وقال الراعي الذي انتشلها مساء من الماء أنه وجد في يدها عوداً من النعنع.

الصفحات