أنت هنا

قراءة كتاب الـسحر المـصري

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الـسحر المـصري

الـسحر المـصري

يعود الـسحر المـصري إلى عهد السلالات الأولى، بل إلى قبل تلك الحقبة، إذ كان سكان مصر يعتقدون بأن الأرض والعالم السفلي والهواء والسماء تسكنها مخلوقات لا تُعد ولا تُحصى. وهذه المخلوقات مرئية وغير مرئية، وأن بعضها صديقة والأخرى عدوة للبشر وهي توجه الطبيعة.

تقييمك:
5
Average: 5 (2 votes)
الصفحة رقم: 3

والظاهر أنه في أحد الأيام كان الملك (سينيفرو Senefru) ضجراً، وطلب من رجال حاشيته إيجاد وسيلة لرفع معنوياته، وجعله سعيداً، ولم يقدر أحد على ذلك، فطلب قدوم رئيس الكهنة جهاثجا أيم عنخ ورئيس الكتّاب فجاء بناء على أوامر الملك وقال له سينيفرو «أخي لقد طلبت من حاشيتي رفع معنوياتي ولم يجدوا شيئاً» فقام الكاهن بنصح الملك بالذهاب إلى بحيرة قرب القصر والإبحار فيها بقارب مجهز من القصر الملكي. وقال له «ستكون سعيداً يا سيدي الملك عندما يتماوج بك القارب يساراً ويميناً، وتشاهد الغرائب في البحيرة، وتشاهد ضفاف البحيرة الجميلة والحقول البديعة. عندها سيجد قلبك السعادة» وتوسل إلى الملك ليسمح له بتنظيم الرحلة، وموافقته على أن يجلب عشرين مجدافاً مطعمة بالذهب مزخرفة ومنقوشة، وعشرين عذراء ذوات شعر طويل، ممشوقات القوام، وعشرين شبكة ليلبسنها كملابس بدلاً من الملابس العادية. وكان على هؤلاء العذارى العشرين أن يجدفن في القارب ويغنين للملك. وقبل الملك بهذه المقترحات، وعند تجهيز القارب أخذ الملك مكانه، وعند قيام العذارى بالتجديف في القارب، وهو يتمايل راقبهن الملك وانتهى حـزنـه. وعندما كانـت إحداهـن تجـدف تعلق شعرها بالمجداف وسقطت منها حلية من التركواز الجديد «الشذر» في البحيرة وتوقفت عن التجديف وكذلك فعلت العذارى الباقيات، وعندما شاهد ذلك سألهن «هل توقفتن» فقلن «لقد توقف قائدنا عن التجديف»، فاستفسر الملك عن سبب ذلك فأخبرته العذارى بأنه سقوط الحلية من العذراء، فوعدها الملك بإعادة الحلية إليها، وأمر الملك بجلب الكاهن تجلهاثجا أيام عنخ فقال الملك «أواه تجلهاثجا أيم عنخ أخي لقد قمت بنصحك وكنت سعيداً بالرحلة وشاهدت كيف قمن العذاري بالتجديف ولكن حلية من توركواز جديد سقطت من إحداهن في الماء فتوقفن كلهن عن التجديف وعندما سألتها لِمَ توقفت قالت سقطت حليتي في «الماء» فقلت لها سأعيدها إليكِ». وعند سماع القصة قام الكاهن رئيس الكتبة بنطق كلمات معينة كلمات القوة (حقو) "Hekauس. وعندها قامت مياه البحيرة بالاتفاف ووجد التركواز على كسرة قُلة وأعطاها للعذراء وكان الماء على عمق اثني عشر متراً، وعندما نطق الكاهن أصبح الماء على علو عشرين متراً متجمعاً عمودياً، وبعدها نطق بكلمات أخرى فعادت المياه إلى ما كانت عليه. وأعد الملك مأدبة لحاشيته وكرّم الكاهن بمختلف الهدايا. هذه هي قصة الكاهن والملك وهي قصة القوة التي كان يملكها الكاهن في عهد الملك خوفو الذي حكم في بداية السلالة الرابعة أي 0083 قبل الميلاد. والقصة التي بحوزتنا أقدم من عهد موسى، لذا لا يمكن أن يكون قد حدث تغيير في قصة موسى، وجعله المياه كحائط. ولعل هناك ترابطاً بين قصته مع قصة (تجلهاثجا أيم عنخ). وكان الإغريق والرومان يكنّون كل التبجيل لحكمة المصريين وقوة سحرهم الذي كان من المفترض أن يكون بحوزتهم. وقد عاد الرحالة الإغـريق إلـى بـلادهم بالعديـد من الـقصص والمعلـومـات عن الـديـانـة والحضارة المصريتين. ورغم سوء إدراكهم للعديد من المفاهيم التي شاهدوها وسمعوا عنها إلا أن كبار المفكرين الإغريق لم يعدوا ذلك البلد بيت المعرفة ومنبع الحضارة والفنون فحسب، بل مصدر لما سمي في ذلك الحين بالسحر الأبيض والفن الأسود. ولقد بالغوا في قوة تأثير المصريين. ولكن الكتاب الكلاسيكيين عزوا للمصريين معرفة فنون السحر التي ادعى المصريون بمعرفتهم وإلمامهم بها. والمثال الصارخ على ذلك موجود في الكتاب الثاني المسمى تحول أبوليوس Apuleiuo الذي يضم الرواية التالية: وصل التلميذ (تلفرون Tlephron) المفلس إلى لارسا وشاهد رجلاً عجوزاً واقفاً بجانب صخرة كبيرة وكان ينادي ويقول «بأنني سأمنع كل من يحرس جثة شخص ميت»، فسأله (تلفرون) إن كان للرجل الميت عادة الهرب؟ فأجابه الرجل العجوز بأن للساحرات في (ثيسالي Thessly) عادة تمزيق قطع من وجوه الأموات بأسنانهن لكي يعملن منها تعاويذ سحرية، لذا ولأجل منع وقوع مثل هذه الحوادث تلزم حراسة جثث الأموات في أثناء الليل. وهنا بادر (تلفرون) بالاستفسار من الرجل العجوز عن واجباته، فقال له: يجب أن تظل يقظاً طوال الليل، وأن تحدق في الجثة، وأن لا تنظر يميناً أو شمالاً، وأن لا يغمض لك جفن أبداً، وهذا الأمر مهم جداً، لأن الساحرات قادرات على تغيير هيئتهن ليظهرن على شكل طير أو كلب أو فأر. وأن فنهن تطوّر إلى درجة يمكنهن من الظهور على شكل ذبابة وينومنّ الحارس، فإذا فشل الحارس في الحراسة، وتم تشويه الجثة من قبل الساحرات، فإنهنّ يأخذنّ تلك القطع العفنة من جثث الموتى ويجعلنها جيدة باستخدام جسد الحارس. وبعد أن سمع الرواية وافق (تلفرون) على القيام بتلك المهمة على أن يكافأ بألف قطعة (نومي Nummi)، واقتاده الـرجـل العجوز إلـى بـيت الموتى، فوجد رجلاً يسجل على الألواح بأن الأنف والعين والأذن والشفاه والخدود وغيرها كانت كاملة. وقد أعطي الحارس مصباحاً وزيتاً وظل (تلفرون) في حراسة الجثة خائفاً حتى دخل عليه ابن عرس إلى الغرفة ونظر بثقة إلى (تلفرون) الذي بادر إلى طرده لإيمانه بأن ابن العرس كان ساحرة ظهرت على هيئة ابن عرس. ثم غط في النوم. وفي الصباح الباكر أفاق على صوت الأبواق والجنود، وجاءت أرملة الرجل الميت إلى الغرفة مع سبعة شهود، وبدأوا بفحص الجثة للتأكد من عدم مسها. فأمرت خادمها بدفع الأجور إلى (تلفرون) وكانت ممتنة له ووعدته بأن يكون من ضمن حاشيتها. وفي محاولة منه للإعراب عن شكره استخدم بعض الكلمات غير المبشرة بفأل حسن فانهال عليه الخدم بالضرب المبرح وشدوا شعره ومزقوا ثيابه ورموه خارج البيت. وبينما كان يتجول في المدينة شاهد المسيرة الجنائزية تتوجه إلى المنصة، وفي تلك اللحظة صعد رجل عجوز إلى المنصة باكياً واتهم الأرملة بدسها السم إلى ابن شقيقه لكي تورثه وتتزوج من عشيقها، فاجتمع الغوغاء ليحرقوا بيتها وبدأ البعض برمي الحجارة عليها وكان من بين جمهور الغوغاء أطفال، وقد نفت تلك الاتهامات ونادت على الآلهة للشهادة على براءتها فصرخ الرجل: لتبت العناية الإلهية في الحقيقة. وأردف قائلاً سأستدعي العراف المشهور (زوكلاس Zaclas) المصري الذي وعدني بأنه إذا ما أعطيتهُ مبلغاً من المال فإنه سيستدعي روح الميت من عالم الموتى في العالم السفلي ويعيد الميت إلى الحياة لفترة قصيرة. وبعد انتهائه من ترديد تلك الكلمات أتى برجل يرتدي ثياباً من الكتان وصندلاً مصنوعاً من أوراق النخيل، شأنه شأن بقية الكهنة المصريين الحليقي الرأس. وبعد أن قبّل يديه وقدميه توسل إليه باسـم النجوم وآلـهـة العالم السفلي وجزيرة النيل والطوفان وغـيرها لإعادة الحياة للميت لفترة وجيزة لمعرفة الحقيقة. فبادر الكاهن (زكلاس) بلمس فم وصدر الميت ثلاث مرات بنبتة بعد أن استدار بوجهه ناحية الشرق وتلا الصلاة فبدأت رئتا جثة الميت تمتلئان بالهواء وقلبه بالنبض ورفع رأسه. وبعد أن رفع رأسه بادر إلى الاستفسار من الحضور لماذا تم استدعاؤه من عالم الموتى؟، ولماذا لم يتركوه في راحة؟ في تلك اللحظة خاطبه (زكلاس) قائلاً بأن لديه القوة بجعل الجن يعذبونه إذا لم يخبرهم الطريقة التي توفي بها. فأجاب بأن زوجته التي تزوجها حديثاً قد دست له سماً في الشراب ومات من جراء لك.

الصفحات