أنت هنا

$11.99
4المقالات النادرة

4المقالات النادرة

0
لا توجد اصوات

الموضوع:

تاريخ النشر:

2017

isbn:

9789776601406
مكتبتكم متوفرة أيضا للقراءة على حاسوبكم الشخصي في قسم "مكتبتي".
الرجاء حمل التطبيق المجاني الملائم لجهازك من القائمة التالية قبل تحميل الكتاب:
Iphone, Ipad, Ipod
Devices that use android operating system

نظرة عامة

كتاب " 4المقالات النادرة" ، تأليف : عباس محمود العقاد  ، من اصدار: دار المحرر الأدبي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

طريقة الاستجواب في القضاء الإنجليزي معروفة يذكرها الذين حضروا المحاكم العسكرية بمصر أو قرأوا محاضرها، وهي طريقة يذهب فيها القضاة والمستجوبون مذاهب مختلفة، فيبيح بعضهم الإطالة في الجواب، ويشترط بعضهم أن يقتصر الجواب على كلمة واحدة بالإثبات أو النفي أو الامتناع: نعم أو، لا، أو، ممتنع، ولا زيادة

ويتفق كثيراً أن يتعذر الجواب بكلمة واحدة، ويشعر المحامون بذلك فيطلبون إلى المحكمة أن تأذن لموكلهم ببعض التفصيل. وأذكر من مراجعة إحدى القضايا الهامة في إنجلترا أن المحامي اعترض على توجيه سؤال إلى موكله يتعذر الجواب عليه بكلمة النفي وحدها أو بكلمة الإثبات وحدها، وذكر للقاضي أن بعض الأسئلة لا يجاب عليه بنعم ولا بلا دون تعقيب. فسأله القاضي مثلاً فأجابه المحامي: هبني سألت حضرة القاضي المحترم: ألا تزال تضرب امرأتك؟ فبماذا يجيب؟ إن كان لم يضربها قط ثم قال: (لا) ففي هذا النفي معنى الاعتراف بالضرب فيما مضى وإنكاره الآن. وإن قال: نعم فقد خالف الحقيقة. فكيف يكون الجواب بغير بيان الحقيقة بشيء من التفصيل؟

وعندي أن هذا الجواب القاطع إذا تعذر في الوقائع مرة فهو متعذر في الآراء والمعاني مرات. إذ يندر في الآراء والمعاني ذلك الفصل الجازم بين النفي والإثبات. وتكثر فيها المواضع التي تحتمل الجواب بنعم في بعض الأحيان وبلا في أحيان أخرى. ولكني سئلت منذ أيام جملة أسئلة يتقيد فيها الجواب بكلمة واحدة، ومنها: هل يصبح العالم بعد الحرب أسعد مما كان قبلها؟

فقلت: نعم. لأنه أصدق جواب في كلمة واحدة، لا لأنه أصدق جواب على الإطلاق

أما الجواب الأصدق الأوفى فهو مزيج من القولين يتراوح فيه الإثبات والنفي تارة إلى الزيادة وتارة إلى النقصان في أكثر من مكان فالذي أعتقده أن العالم سيتقدم بعد الحرب في سبيل الحرية، وأن الحرية نعمة وتبعة في وقت واحد. فمن حيث هي نعمة فهي ولا ريب سعادة ينعم بها الإنسان؛ ومن حيث هي تبعة فهي ولا ريب باب للهموم والشواغل وقرينة للعناء الذي يغض من سعادة السعداء

كل تقدم في الحياة فقياسه الأصدق الأوفى عندي زيادة التبعة لا زيادة السعادة الرجل أقدر على التبعة من الطفل، والعالم أقدر على التبعة من الجاهل، والقوي أقدر على التبعة من الضعيف، والعظيم أقدر على التبعة من الصغير، وهكذا في كل باب من أبواب التقدم بغير اختلاف وبغير استثناء أما مقياس السعادة فقد يختلف فيه هذا القياس أبعد اختلاف: قد يكون الطفل أسعد من الرجل، وقد يكون الجاهل أسعد من العالم، وقد يكون الضعيف أسعد من القوي، وقد يكون الصغير أسعد من العظيم؛ بل هذا على الجملة هو الأقرب إلى الواقع والمعهود

فالمرجو من عواقب الحرب أن يزداد نصيب الناس من الحرية، وأن يزداد نصيبهم إذن من التبعة، وهنا موضع المزج بين النعمة والعناء، وبين زيادة الرجاء وزيادة المخاوف والمقلقات لكننا نحصر المسائل الكبرى التي يرجى أن يتناولها التغيير النافع بعد الحرب الحاضرة لنحصر موارد الخير والشر في المستقبل القريب جهد المستطاع فلا نخالنا ننسى شيئاً كثيراً إذا حصرناها في ثلاث مسائل كبريات تشتمل على شتى الصغائر والفروع، وهي مسألة التجارة العالمية، ومسألة البطالة، والمسألة النفسية الأخلاقية التي يتفق كثيراً أن تجلب الشقاء لصاحبها وهو في غمرة الثروة والعمل المجيد

فمسألة التجارة العالمية كانت مورد الشر العميم من ناحية التنافس بين الدول على الأسواق وعلى الخامات وقد نظر الأمريكيون والإنجليز في علاج هذه المشكلة فخرجوا منها بطريقتين لا يصعب التوفيق بينهما على ما بينهما من خلاف: