You are here

قراءة كتاب عودة لقمان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عودة لقمان

عودة لقمان

"عودة لقمان" مجموعة قصصية للكاتب الأردني الراحل أديب عباسي، الصادرة عام 2003 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ منها:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
مقدمة
 
أيها القارى والقارئة العزيزين
 
هذا الجزء من قصص الأمثال أو أمثال القصص هو جانب من مجموعة لنا تقع في نحو ألف أقصوصة أو دون ذلك بقليل جعلتها حيناً على لسان الحيوان، وحيناً آخر على لسان الإنسان، وحيناً ثالثاً على لسان جماد أو نبات، وحيناً رابعاً جعلتها شركة بين بعض هذه الكائنات وبعضها الآخر· وقد توخيت في الجانب الأكبر منها أن أمثل خلل من الأخلاق النادرة أو خالجة من خوالج النفس الغريبة أو سلوك من سلوك الأحياء غير قريب ولا مألوف· وسيرى قارئ هذه الأقاصيص أن الندرة أو الغربة أو العد عن الألف فيما وصفت من خلق أو كشفت عن خالجه أو أظهرت من سلوك ليست ندرة القلة والشذوذ، ولا غربة الخصوص والعد من الشمول، ولا ابتعاد المغايرة والاختلاف مع خبرة الناس كافة ومشاهدتهم، وإنما هي ندرة الخفاء وغرابته وبعده ليس غير· إنني في هذه الأقاصيص أعرض على القارئ مقطعاً أفقياً من أخلاق الناس لا مقطعاً راسياً، فإذا بدت نماذجه غريبة أو بعيدة فإنما ذلك أنها تمثل طبقة خفية مستورة من أخلاق البشر وسلوكهم تغطيها وتخفيها الطبقات الظاهرة على السطح التي تشهدها كل عين ويفطن إليها كل وعي ويلتفت إليها كل انتباه ويعيها كل ذهن· غير أنني لا أزعم أنني مثلت تمثيلاً كاملاً في هذه الأقاصيص لكل الأهواء البشرية ونزعاتها المستورة وأخلاقها غير المألوفة وأشكال سلوكها النادر ومشاعرها غير المرئية، فأولئك جميعاً أعمق وأعم وأشمل من أن يضمها كتاب أو كتب أو يحصيها كاتب أو عدد من الكاتبين أو يكشفها كاشف أو عديد الكاشفين مهما بلغوا جميعاً من الشمول والإحاطة والقدرة على النفوذ وسبر الأغوار في النفس البشرية، ولكنني أزعم أنني قد ضمنت هذه الأقاصيص من شؤون الخلق والسلوك والميول والنزوات ما تستطيع أن تتضمنه ألف أقصوصة مستقلة كل أقصوصة فيها تمثل تمثيلاً مستقلاً غير معاد لواحد من هذه الأخلاق أو واحدة من هذه النزعات· وإذا رأيتما خلقاً أو عاطفة أو سلوكاً أو شعوراً أو نزعة غير ممثل في هذا الجزء فعليكما أن تنظرا الأجزاء الأخرى الباقية من هذه المجموعة وحينها ستريان ما افتقدتماه من خلق أو خالجه أو طبع أو خلة أو لا تريانها وتقولان أنها مما فات المؤلف رؤيته وتسجيله لأن الرؤية الكاملة لكل شأن من شؤون الحياة شيء ليس في وسع البشر ولا في طاقتهم·
 
وقصص الأمثال أو أمثال القصص ليست فناً حديثاً من فنون القول والتعبير الفني عالجه الكتاب في عصر متأخر فقط لما أمست الرواية هي اللون السائد من ألوان التعبير الفني بين الناس، فهي من أعرف فنون التعبير الفني بين الناس خاصتهم وعامتهم على السواء ومن زكثرها شيوععاً على الألسن وترديداً في المجالس، إن لم تكن أكثرها على الإطلاق· ومؤرخو الأدب العربي يرجعون بداءة الأمثال إلى لقمان ويضعونها ويضعونه في جاهلية العرب الأولى قبل آلاف السنين· ويرجع مؤرخو آداب الغرب ابتداءها إلى ايزوب اليوناني صاحب المجموعة الخالدة من الأمثال التي سميت باسمه· ولا يعرف الأدب العربي ولا الأدب الغربي عن شخصيتي المثل الأوليين هاتين غير هذا الذي ذكرت·
 
وفيما عدا ذلك لا نعرف عن لقمان إلا ما روي على لسانه من بضعة عشر أقصوصة حكيمة، ولا يعرف الغرب عن إيزوب حكيمه الأول إلا كتابه المذكور، وهو كتاب بلغ من الشهرة والذيوع بحيث بات أكثر تعابيره الرشيقة ومغازيه الطريفة الظريفة من ثروة الأدب الغربي التي لا يستغني عنها أديب أو كاتب كلما شاء أن نيكسب أسلوبه مسحة من الرشاقة والظرف مع حسن الإيجاز والتركيز· وتصمت آداب الشرق وآداب الغرب دهراً بعد هذين الحكيمين قبل أن تقدم لنا مثالاً آخر من حكماء القصة، وذلك حينما يبرز على ميدان الحكمة والإرشاد كتاب كلية ودمنة مترجماً بقلم ابن المقفع البليغ عن الفارسية مترجمة عن الهندسة بدورها هي الأخرى· ولولا الاستطراد الطويل الممل لاذي يتسم به الكتاب من أوله إلى آخره، ولولا شيء من البعد حيناً عن الإمكان في بعض نواحي الخبرة البشرية لكان بأسلوبه الأمثل في الابتعاد عن جانبي الإيجاز المخل والإطناب الممل خير ما ألف في هذا الباب من أبواب الأدب· أما آداب الغرب فتظل على صمتها بعد ايزوب إلى أن يترجم إليها· كتاب كليلة ودمنة، ثم يقوم لافونتين ويزخذ عنه وعن ايزوب عدداً وافراً من القصص وينظمه في تحوير قليل أو دون تحوير في شعر بلغ الذورة من سلاسة التعبير وسلامة البناء وجمال الأداء حتى قال فيه أحد نقاد الغرب، إن لافونتين هو، الشاعر الافرنسي الوحيد الذي يستطيع أن يخاطب حميع الناس ويفهمونه، ووهو الشاعر الذي لا يفوقه شاعر في تعدد نواحيه الإنسانية وصدقها· إننا نحبه حباً جماً ونضحك معه، بل ونضحك عليه الحين بعد الين ونود أبلغ الود أن نمر به يوماً من الأيام في صحبة الخالدين·

Pages