You are here

قراءة كتاب امرأة القارورة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
امرأة القارورة

امرأة القارورة

رواية "امرأة القارورة"، للكاتب العراقي سليم مطر، على الرغم من أن هذه الرواية قد لا تكون "رواية" بالمعنى المتعارف عليه.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
إنبعاث سيدة القارورة
 
منذ أعوام، دأت حكاية الشاب (آدم) مع تلك المرأة العجيبة : (امرأة القارورة)·· حكاية ستبدو لكم لا معقولة واندهاشية الى حد بعيد، لكنها رغم ذلك حقيقية· من الصعب التأكد إن كانت المصادفة البحتة وحدها التي جمعتني بأبطال هذه الحكاية أم هي قوة القدر المتلبس بهيئة مصادفة بريئة؟
 
قبل أن يلتقي (آدم) بحورية قارورته، قبل هذا الحادث بأكثر من تسعة أعوام، بالضبط في شتاء عام 1978، قرر الرحيل عن بلاده ومدينته بغداد· كان عمره قد تجاوز العشرين بعامين· مثل معظم أبناء جيله، كان يعيش وضعاً قلقاً بسبب الأوضاع السياسية المربكة والعنيفة، إضافة إلى فشله في مشاريعه الحياتية، وتفاقم خيباته مع النساء· هذا ما رسخ قناعاته بإستحالة تحقيق أحلامه بالحرية والمجد إلاّ خارج الوطن·
 
يوم رحيله، كان (آدم) مرتبكاً قلقا بسبب خوفه من حدوث أي طاريء قد يؤدي إلى منع سفره واعتقاله· بعجلة جمع أغراضه في كيس بلاستيكي، وخفية ألقى نظرة وداع أخيرة على أمه واخوته· قبّل اخته بسريّة لأنها الوحيدة التي كانت تعرف بقرار رحيله·
 
ما أن شرع في خطوته الأولى نحو الباب، في تلك اللحظة لم يدر اي نداء سحري رجّ بين جدران صدره يدعوه إلى أن يعود أدراجه· كالمجذوب، اتجه مباشرة إلى الغرفة الكبيرة· من تحت سرير والديه أخرج صندوقا خشبياً عتيقاً يحتوي على بقايا ذكريات أبيه الذي توفي العام الفائت· كانت هناك اكوام ذكريات مُغبرة، تختصر حياة رجل هجر أهوار الجنوب وهو فتى في بدايات القرن بعد حكاية غرام خائبة· أتى إلى بغداد ليصبح عسكرياً يخوض الحروب ضد قبائل الوطن المتمردة، حتى هدّه العُمر ليموت على سرير محاطٍ بأبناء وبنات، نظراتهم ذكّرته بزعماء القبائل التي حاربها·
 
كان (آدم) حائرا، لا يدري عما يبحث· هناك صور شاحبة وخنجر يمني معقوف ومسدس انكليزي وحربة عسكرية على حواشيها دماء صدئة وقطع نقدية من عهود بائدة وأصداف بحرية وتعاويذ دينية ولوحة فطرية تمثل(الإمام علي) محروساً بأسدين، ثم مفاتيح وأقلام وتماثيل أثرية تعود إلى حضارات الوطن المختلفة··· هناك وقعت عيناه على القارورة! كانت قارورة جميلة منحوتة من خشب الصاج الأحمر، ذات هيئة متماوجة كجسد أنثى· دون تفكير امتدت يده إلى القارورة· وضعها في الكيس ورحل خارج البلاد·
 
فاتني أن أخبركم أني كنت أعرف (آدم) منذ أن بدأنا معاً ندرك الحياة· لا أعتقد أن ثمة شيئأ في الوجود يحيطه الغموض بالنسبة إلينا مثلما يحيط علاقتنا· ربما سيتاح لكم فهم ذلك في مجرى الحكاية· المهم أننا كنا في وضعية خاصة، نعيش معا، لكن في فصام دائم وصراع حاد يكاد يصل إلى العنف، لولا قوة مصير جبارة كانت تحتم علينا حباً وتعاوناً· سافرنا معاً، ومعاً خضنا تجربة اغتراب وتفتيش عن حلم· كنا كعنصرين سالب وموجب، بإندماجنا نصنع كهرباء وجودنا·
 
في طفولتنا كنا عندما يحل المساء، نحن اطفال احياء الطين المنتثرة كبثور في جسد بغداد، بعد ان نكون قد أمضينا نهارنا في قتل عصافير وكلاب وقطط، وتعاركنا بحجارة، وغرق أحدنا في مستنقع أو في نهر دجلة القريب، وسرقنا وتمرغنا بالأتربة وتعفرت أجسامنا بخدوش وجروح وامراض، وتعلمنا شتائماً فاحشة جديدة اثناء مزاولتنا لـبرائتنا بحرق قوافل النمل، في المساء نهرب إلى بيوتنا لتستقبلنا (أحضان) أمهاتنا بصفعات واعقاب نعل بلاستيكية مصحوبة بلعنات ومشاجرات بين الجيران والإستغاثة بسلطة الله واب جبار· في الليل نغفو في عراء على رؤى سماء تتوهج بأقمار ونجوم تشبه عيون الحيوانات التي قتلناها·· نغفو ولم تزل ملتهبة عنيفة ذكريات نهارنا وحكايات امهاتنا عن سعلوات وطناطل وكائنات ممسوخة وجن قاطنين في طبقات أرض سفلى، يخرجون لنا متنكرين بهيئات قطط وأشباه بشر! كم من ليال أمضيناها مختنقين تحت أغطيتنا خوفاً من (عزرائيل) ملاك الموت ومن جهنم، حتى نستيقظ في الصباح مبللين بعار ورعب عقاب منتظر·
 
شاءت المصادفة أن أكون سبباً في إنقاذ القارورة· كنا في الباص الراحل من بغداد إلى اسطنبول، وما أن رأى (آدم) رجال الأمن عند الحدود حتى استبد به خوف وأراد أن يرمي القارورة خشية أن يجدوا فيها دليلاً ضده ويقتادونه مثل كبش عيد بأيدي حجاج متعجلين· أخرجها من حقيبته وكاد يرميها عند خرائب الحدود· لا أدري أية قوة خفية دفعتني إلى أن أتشبث بها، كما لو كانت بطاقتي الحزبية المحشورة في بطانة سترتي· أمسكت يده المرتجفة وتناولت منه القارورة من دون كلمة ووضعتها في حقيبتي، وتوكلت على الشيطان· بعد أن اجتزنا الحدود دون متاعب تذكر، أخرج (آدم) القارورة، قبّلها وقبلني ثم دمعت عيناه كطفل·

Pages