You are here

قراءة كتاب الأوديسة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأوديسة

الأوديسة

كتاب " الأوديسة " ، تأليف هوميروس ترجمه إلى العربية دريني خشبة ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 6

«أيها الرفاق! يا أبناء إيثاكا النبلاء! إنها أول مرة منذ أن بارح أوديسيوس بفلذات أكبادنا ندعى فنجتمع مثل هذا الاجتماع.

فمنذ الذي دعا إليه، وماذا يبتغي؟ أنفحة من نفحات الشباب، أم زفرة من زفرات الشيب، أم خبر من جيشنا الهالك يبشر بعودته؟ لينهض باركته السماء فليحدثنا عما دعانا إليه».

وتناول تليماك صولجانه من قواسه، وتقدم حتى كان في وسط القوم وجهر فقال:

«أنا أيها السيد الوقور صاحب هذه الدعوة! أنا تليماخوس بن أوديسيوس، صاحب هذه الدار وصاحبكم ومولاكم من قبل... لقد دعوتكم لأشكو إليكم بؤسي وحزني.. لا لأزف إليكم بشريات الجيش المفقود الذي لا يعلم مصيره إلا زيوس! لقد فقدت والدي، ووالد الإيثاكيين جميعًا، ثم أنا اليوم حبيس هذه الدار، أسير هؤلاء الخطاب(14) الذين يطمعون في الزواج من والدتي، غير متقين في عرضي إلا ولا راعين لأبي ذمة، يذبحون النعم(15) ويريغون(16) الزاد، ويعاقرون ابنة العنب، ولا يبالون أن يهلك الزرع والضرع، ما داموا يبيتون وبطونهم ملآى، ويبيت غيرهم على الطوى(17)...! لقد استباحوا هنا كل شيء، ما دام لا أوديسيوس هنا فيردعهم، ولا حول لي فأغل أيديهم، ولا ضمائر فيصيخوا إلى قولي، ويرحموا ضعفي، ليذهبوا من فورهم إلى جدي فيخطبوا إليه ابنته إن أرادت أحدهم بعلا، فهو بها أولى وبشأنها أحق... إنكم ضعفاء أيها الإيثاكيون الأوفياء... ولو استطعتم لرددتم عني غائلتهم... فلقد طفح الكيل، وحزب الشر، وعم الأذى... والآن، أوجه إليهم قولي... ولن أستحي أن أصارحكم مرة أخرى أيها الخطاب... اخجلوا إذن! ولتصبغ الفضيلة وجناتكم بحمرة الحياء! أذكروا ما عسى أن يعيركم به جيرانكم! واخشوا قارعة تحل عليكم من أربابكم.. واتقوا يوم تلقونهم تودون لو تلففتكم الصواعق.. يا قوم! استحلفكم بسيد الأولمب، بربة العدالة ثيميس، إلا ما تركتموني أقضي البقية الباقية من أيامي في شقوتي وحدي! هل أجرم أبي مرة مع أحد منكم فأنتم اليوم تأخذونني بجريرته؟ فيم إذن مقامكم هنا؟ وفيم إذن تستنزفون آخر قطرة من خمري دون مقابل؟ اذهبوا! اذهبوا، ودعوا تليماخوس البائس تحز في نفسه أشجانه، وتبري اصطباره بلواه!!».

ودق الأرض بصولجانه، وانفجر يبكي، وكأنما انهمرت دموعه في نفوس القوم، فوجموا وجومًا شديدًا، ولم ينبس أحدهم ببنت شفة، حتى نهض أنتنيوس آخر الأمر فقال.

«لله بيانك يا تليماخوس! لقد كنت بليغًا حقًا! ولكنك لم تصب كبد الحقيقة حين قصرت علينا اللوم، وحين لا ملوم إلا أمك! لقد خدعتنا جميعًا طوال سنوات ثلاث كادت أن تتم أربعًا، إذ رسائلها تترى علينا، تحيي في نفوسنا الآمال، وتذكي فينا الأماني! لقد كانت وعودها تترادف كالبروق الخلب، وتتراءى كالسراب المضل اتخذت لها منسجًا وطفقت تعمل عليه وهي تغرر بنا، وتقول: «أيها الإغريق: لقد قضى(18) أوديسيوس ما في ذلك ريب، وكلكم تطمعون أن تفوزوا بزوجته، ولكن أبي ليرتيس رجل شيخ، وهو يدب بخطى وئيدة إلى حافة القبر. أفليس أخلق بي وبكم أن تنتظروا حتى أنسج له هذا الثوب لتكون منه أكفانه، وحتى لا أكون مضغة في أفواه الإغريقيات إن تركته برغم ثروته الطائلة وليس له كفن يضم رفاته؟». ولقد أجبنا سؤالها وتلبثنا طويلا، نرجو لو نفرغ من نسج هذا الكفن، بيد أنها كانت تنقض بالليل ما تنسجه بالنهار، وهكذا دواليك، ظلت تخادعنا تلك السنين الثلاث، حتى فضحت سرها إحدى وصيفاتها، إذ حدثتنا به، واستطعنا أن نضبطها وهي تنقض غزلها أنكاثا في ضوء المشاعل، في جنح الليل، فأجبرناها على إتمامه بالرغم منها... هذه هي الحقيقة يا قوم! والآن! فلترسل أمك أيها الفتى إلى أبيها، وليختر لها من بيننا بعلا، أو فلتختر هي لها بعلا... أما إذا عكفت على مكرها بنا، فلتثق أن شيئًا منه لم يعد يجوز علينا، مهما ظنت أنها أحذق من تيرو، أو أكيس من ألكمينا، أو أبرع من ميسينيه(19)... حسبها ما خدعتنا! وإنا نقاسمك يا تليماك أننا لن نبرح عاكفين على ما شكوت، من ذبح لنعمك، وإراغة لزادك، ومعاقرة لخمرك، حتى تختار لنفسها؛ أو... فلتخرب هذه الدار، ولينضب معين خيرها...

وشاعت الكبرياء في كل جارحة من جوارح تليماخوس فقال «أنتينوس! ماذا أصابك؟ كيف تسألني أن أقهر أمي التي غذتني ونشأتني على غير ما ترضاه؟ كيف أطردها من قصر بعلها الذي لا يعلم غير الله إن كان حيًا أو ميتًا؟ لبئس ما أجزيها به، ولشد ما أغضب أبي وأثير غضب الآلهة عليّ إن فعلته! إنها ستدعو إيرينيس كي تنتقم لها مني، وستنصب على لعنات الناس جميعًا؟! ويحك أيها الرجل! لن أقولها أبدًا.. بل اذهبوا أنتم فسلوها ما شئتم؛ فإما أجابت طلبتكم،وإلا فانصرفوا غير مأجورين... أذهبوا.. فأولموا ولائمكم في غير هذا القصر، وأريغوا من زادكم، وأنفقوا مما تحبون! أما إن رأيتم أنه أحلى لكم أن تأكلوا مال غيركم، فإني سأهتف أبدًا بالآلهة أن تقتص لي منكم، فهي محيطة بكم!...».

* * *

وما كاد تليماك يفرغ من مقالته حتى أرسل سيد الأولمب نسرين عظيمين طفقا يضربان الهواء بخوافيهما، ثم جعلا يدومان فوق الملأ ويقدحان الشرر من أعينهما... نذيري ردى، وصيحة منون، ثم انطلقا نحو المدينة وغابا في ظلام البعد.

وشده القوم، وريعت أفئدة الخطاب، وأخذوا يتخافتون.. ثم نهض فيهم القديس هاليتير بن نسطور المعروف بورعه وصدق نبوءته، فقال:

Pages