أنت هنا

قراءة كتاب مدينة الله

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مدينة الله

مدينة الله

  "مدينة الله" رواية الروائي والقاص الفلسطيني الدكتور حسن حمي، عن منشورات المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر، ومن غير القدس يمكن أن تكون مدينة الله؟!

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
الرامة
 
أصارحك،بأنني أشعر بدوار خفيف·
 
دوخة أشبه بخلطة ألوان عبثت بها يد طفل صغير· فسمعي ليس هو سمعي، وبصري ليس هو بصري، وعنقي مشدودة إلى الوراء، تُلفتني نحو المغارة، فأديم الالتفات إليها قبل أن تغيب طيَّ غابة الأشجار المديدة، وقبل أن تنحدر العربة أكثر في الدرب الذي راح يجاري الساقية في سقوط حر شبيه بسقوط الثلج·أسمع الحوذي جو يهمهم ويغمغم، ولكني لا أفهم من كلامه شيئاً· أظلُّ أرقب غروب المغارة، تماماً كمن يرقب غروب الشمس، ها هي ذي ظلالها النورانية تتوارى رويداً رويداً، وتعلو الأشجار؛ تعلو أكثر فأكثر حتى لتصير ذؤاباتها سقفاً عشبياً يظلل العربة، والهواء، وتغاريد الطيور، أستدير نحو الحوذي جو· أعتذر إليه لأنني لم أكن معه، فالخدر الخفيف لفّني، وسحر المغارة شدّني إليها· قال باسماً: لا تقلق؛ هذه دوخة المغارة· قلت: كيف؟· قال: لا بدَّ من الدوخة لأن الفرق ما بين الصعود والهبوط كبير· قلت: تعني الفرق النفسي· قال: لا، أعني الفرق ما بين هناك، وأشار إلى المغارة، وهنا، وأشار إلى الدرب الذي ينحدر· فهززت رأسي له مؤمنّاً على كلامه· قال: أتود أن ترى ما يدهشك أيضاً أم أنك تود العودة إلى بائعة الزبيب والخبز· قلت: سامحني لأنني أشعر بالارتواء؛ لا أريد أن أضيف شيئاً إلى ما رأيته في المغارة· أظن أن نهاري اكتمل، وأن الروح امتلأت· وسألته: أنت، ماذا تريد من أجر؟ قال: أجر!، قلت: نعم، أجر· قال: أنا صاحب رسالة، لا أريد أن أفسدها بالمال· قلت: لكنني أتعبتك، وأتعبت حصانك· قال: أهمية الرسالات ليست في أعمالها وحسب، وإنما في مشاقها· وصمتَ، وصمتُّ· ثم سمعته يضيف: أقترح عليك أن تتريض هنا لبعض الوقت، دعني معك· قلت: لا بأس، ولكن لبعض الوقت فقط· قال: سندخل من ذلك المدخل، وأشار إليه، فقلت: لا بأس·
 
بدت الأشجار لامعة بنثيث المطر الخفيف، وكأن الأغصان والأوراق تراشقت به للتو، وبدت هالات الضوء دوائر من نور مسّه غبش طفيف، تحوّم فيها طيور لا شغل لها سوى الرفرفةِ والزقزقة·
 
تميل بنا العربة في درب ناحل تسيجه شجيرات العليق، والورد، وتحفُّ به شجيرات الزيزفون، خطوات فقط، وبدت كروم العنب، شجيرات أشبه بالعرائش والأكواخ تتوازع المكان الفسيح وقد حاذى بعضُها بعضها الآخر في قبب خضر تحركها الأنسام فتعلو وتنخفض مثل ثياب عبّتها الرياح، ورجال ونساء وأطفال ناشطون يعشبون الأرض، ويسقون، ويجرّفون، ويزرعون، ويحملون الدلاء ويغنون· تمرُّ بهم العربة فيرفعون أيديهم بالتحية والسلام· وغناءٌ شجي يصل إلينا من عند النساء والصبايا، وأصوات نايات الرعيان تتناهى إلى أسماعنا، تتردد بترجيع بعيد، يا لانتشار قطعان الغنم والمعيز، ويا لتلك الأبقار والجواميس التي تبدو مثل نجوم في صفحة الجبل البادية، ويا لهذه البيوت المتآخية اجتماعياً كي تصير قرية لها لافتة مكتوب عليها اسم (الرامة)، يفجؤني الاسم، فأسأل الحوذي: أهذه هي الرامة التي هبط إليها سيدنا ليلاً؟ التفت الحوذي نحوي، وهمهم: الحمد لله، بدأت الدوخة تزايلك، قلت: أرجوك، قل لي أهذه هي الرامة؟· قال: نعم هي هي·

الصفحات