أنت هنا

قراءة كتاب من الأيام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
من الأيام

من الأيام

كتاب "من الأيام"، يوجد في الجسم، عدا الأجهزة المعروفة- كجهاز الهضم والتنفس والدوران والبول والتناسل- أجهزة كثيرة تمتلئ بوصف دقائقها كتب الطب جميعاً، وهناك، فوق هذه الأجهزة المذكورة جهاز خاص هو الذي يديرها جميعاُ، المجهول أشار غلى وجوده كثير من العلماء، ولكن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3
ومثل آخر في هذا المعنى، فقد نستطيع أن نعرف خصائص المرايا في الفيزياء، المستوية منها والمحدودبة والمقعرة، فكل واحدة من هذه المرايا تعكس صور الأشياء على شكل خاص، فإذا وقفنا في هذه المعرفة عند هذا الحد وحده كانت معرفتنا جرداء، إلا أن الأدب قد يستخرج من هذه المعرفة صوراً تتعلق بالحياة، لنرجع إلى أناتول فرانس ماذا يقول في كلامه على المجانين، إنه يقول أن أفكار المجانين صحيحة مثل أفكار العقلاء إنهم يتصورون العالم الخارجي بحسب الصور التي ترتكز في دماغ كل واحد منهم وهذا ما يفعله معاشر العقلاء فإن العالم ينعكس على المجانين على غير الصورة التي ينعكس فيها على العقلاء، فيقول المجانين أن تصوراتهم هي الصحيحة ويقول العقلاء أن تصوراتهم هي الصحيحة والحقيقة أن لا نجد صورة صحيحة على وجه الإطلاق ولا نجد صورة غير صحيحة على وجه الإطلاق، فصور المجانين صحيحة في نظر المجانين وصور العقلاء صحيحة في نظر العقلاء، ولم يجد أناتول فرانس ما يؤيد به هذا الرأي إلا الرجوع إلى المرايا في الفيزياء، فكل واحدة من هذه المرايا تعكس صور الأشياء على شكل خاص، إلا أن الصور إنما هي واحدة لا تتغير ولكن الذي يتغير إنما هو خصائص المرايا·
 
فالدكتور أبو غنيمة قد استخرج من العلم الذي أحاط به عبراً في الحياة أو صوراً مختلفة تتصل بهذه الحياة على نحو ما يفعله الأدباء المحيطون بالعلم، ويومياته الأخيرة الديدان آخر شاهد على ما أقول وقد ذهبت شهرتنا في القراء، فإنه بعد أن وصف ديدان الأمعاء لجأ إلى تشبيه بعض البشر بهذه الديدان في حقارة شأنهم وصغر نفوسهم ورذالة طبائعهم ولهذا عملت يومياته في القراء عملها، فاشتد إعجابهم بها وقد استطاع الدكتور من وراء هذا العلم الذي سهل بعض نظراته أن يصل إلى أعمق الأشياء كما استطاع أن يتحصن بها فيضرب أشد الضربات في سنين صادروا فيها الكتاب على ألسنتهم·
 
وقد أعانته على بسط النظرات العلمية سهولة فنه فلم يتقعر في هذا الفن لأن التقعر يذهب برونق الأفكار ويفسد على العلم جلالته·
 
ومزية الدكتور أبو غنيمة بعد هذه المزايا كلها إنما هي خوضة في الموضوعات التي يشعر بها القارئ ويحتاج إلى من يبسطها له، فالدكتور لا يعيش على سطح المريخ إنما يعيش على وجه الأرض مع الناس في سياستهم واجتماعهم وأخلاقهم ولذلك نجحت يومياته فيهم لأنها صادفت هوى في أفئدتهم·
 
إن كاتباً هذا علمه وهذا أدبه وهذه تجاربه لا ينبغي له أن تغيب أفكاره عن الناس، فإذا كان في هذه الأفكار نفع للناس فإن فيها لذة لروحه وشعوره·
 
شفيق جبري

الصفحات