أنت هنا

قراءة كتاب من الأيام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
من الأيام

من الأيام

كتاب "من الأيام"، يوجد في الجسم، عدا الأجهزة المعروفة- كجهاز الهضم والتنفس والدوران والبول والتناسل- أجهزة كثيرة تمتلئ بوصف دقائقها كتب الطب جميعاً، وهناك، فوق هذه الأجهزة المذكورة جهاز خاص هو الذي يديرها جميعاُ، المجهول أشار غلى وجوده كثير من العلماء، ولكن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7
أيها المنطق لا كنت
 
قبل ألفين وأربعمائة عام قذفت الأقدار بحفنة من العباقرة إلى شواطئ اليونان فكانوا وما زالوا حتى اليوم نغماً رائعاً في العلم والحكمة والأجيال· أحدهم (ارسطو) عرف بأنه (الرجل الذي زود العقل البشري بأكبر قسط من المعرفة) و (بقراط) لقب (بأعظم طبيب في العالم جاء وسيجيء)، و (أفلاطون) هو مضرب المثل بالحكمة وفصل الخطاب ·· ورفاق هؤلاء هم من حملة المشاعل التي لا تزال مضيئة حتى الآن··
 
إن السر في عبقرية هؤلاء، ليس في اختلاف أدمغتهم ودمهم عن الناس بل في شيء آخر هو مثار الإعجاب فهو سر·· ونجده في الكوخ الذي كان يجتمع فيه بعضهم وفي الشرط الذي اشترطوه للدخول إليه وكان منقوشاً على بابهم وهو هذا: (لا مكان عندنا لمن لا يعرف الهندسة!) والمقصود بالهندسة هنا ليس العلم ولا الشهادة بل المنطق المهندس والرياضي، فالمنطق السليم، بما فيه من حقائق، مبني على الأرقام· ومن هنا جاء التعبير (أرقام تتكلم) بدلاً من الكلمة (حقائق تتكلم) ·· فالعلم التام الكامل هو علم الرياضيات ومثله يجب أن يكون كل علم وإلا فهو ناقص·· ومن هنا توصل أولئك الحكماء إلى وضع الدساتير لكل الحقائق فالعلوم لها قوانينها، والجمال له دستوره والانسجام هو معادلة رقمية، والشعر والشاعرية هي أرقام لها دستور وقانون حتى الحظ ــ كما يقول هنري بوانكاريه ــ له قانون ودستور، فكل عالم وكل محترف و·· كل إنسان بحاجة في الحياة إلى المنطق الهندسي السليم وإلا فهو معرض للزلل وتعس كل رجل حرم من المنطق·· هذا المنطق الذي كان سبباً في عظمة تلك الحفنة من العباقرة والذي يحتاجه الناس في كل آن والذي أطريته لك حتى الآن بما استطعته من الوصف·· هذا المنطق بالذات يكون في بعض الأحيان بلاء على صاحبه وأنا شخصياً مررت بحادثتين نقمت فيهما على سقراط وبقراط وبقية الشلة وتمنيت لو أن هذا المنطق لم يكن·· بالمرة!! وها أنا أصف لك الحادثتين:
 
كنت أسير يوماً كعادتي في أكثر الأيام، من بيتي في أبي رمانة إلى المرجة حيث أتناول بريدي وأرجع مشياً على الأقدام، وهذه هي رياضتي· وفي يوم، وبينما أنا في الطريق إذا بي أسمع قهقهة جلبت انتباهي كثيراً!! كان الصوت لطفلة·· وكان رنين ونغمة القهقهة من ألذ وأوقع ما سمعت في حياتي·· إنها ضحكة الطفولة العذبة البريئة وهي صافية اللحن كأبدع ما تكون نقرات البيانو·· والضحكات، أصباغ وأشكال بعضها ينعش القلب ويثير النشوة وبعضها يزعج همهمة الضبع·· وقد التفت إلى ناحية الصوت وكان قادماً من وراء قافلة من السيارات ترابط أمام إحدى البنايات فازددت طرباً بصاحبة النغمة البلورية إذ كانت طفلة جميلة الوجه، بسامة المحيا إلى أبعد حد·· كان يحتضنها (أبو راشد) الذي بدا لي وكأنه من عمال أهلها وظهر لي أنها تأنس بها وتطمئن إليه ويمكن أن يكون غائباً مدة فرأته في تلك اللحظات فكانت لها مفاجأة حلوة وزقزقت كالعصافير وهو يرفعها إلى رأسه ثم يضم بحنان إلى صدره··
 
لقد كانت تغمره بسيل من الكلمات والأسئلة والقهقهات البريئة العذبة··
 
كان هذا المنظر من أسعد ما رأيت منذ زمن غير قليل، ولكن سعادتي لم تدم طويلاً إذ أن الرجل لم يكد ينزلها من بين ذراعيه إلى الأرض حتى فوجئت بما أحزنني في الحال إذ تبين لي أن هذه الطفلة ذات الوجه الجميل الجذاب والتي ملأت الشارع سعادة ومرحاً وإشراقاً كانت ·· عرجاء!

الصفحات