أنت هنا

قراءة كتاب مدن فاتنة وهواء طائش

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مدن فاتنة وهواء طائش

مدن فاتنة وهواء طائش

في كتاب "مدن فاتنة وهواء طائش"، أخذنا محمّد إلى بيته. قاد سيارته في الشارع المتعرّج بسرعة زائدة، أو هكذا خيّل لي، ما جعلني متوجساً طوال الوقت. (ستتكرر هذه السرعة في الأيام التالية، سيجدها محمد أمرا عاديا، سأجدها امرا مربكا. هذا الإيقاع السريع يربكني!

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8
-6-
 
رام الله واحدة من المدن التي أحببتها وما زلت أحبها·
 
لكنني حينما أجتاز شوارعها هذه الأيام، فإنني أفعل ذلك وحيداً في أغلب الحالات، من دون أصدقاء، مع أن الأصدقاء موجودون، وصديقي الذي دلني على الحزب ما زال موجوداً، وما زال صديقي بحق وحقيق على الرغم من تبدل الأزمان· غير أنني صرت أكثر ميلاً إلى العزلة ونشدان الوحدة· لذلك، أذهب للتمشي في شوارع المدينة وحدي· هل قلت التمشي! نعم، وأثناء ذلك، أذهب إلى كشك الصحف والمجلات، أو إلى الصيدلية، أو إلى البنك، أو إلى المكتبة التي تبيع الكتب مقابل موقف السيارات الذي ظهر إلى الوجود بعد هدم المبنى الخاص بسينما دنيا، أو إلى مكتبة رام الله العامة· أذهب لاستلام راتبي (فأنا ما زلت موظفاً حتى الآن!) أو لشراء دواء أو لشراء مجلة أو كتاب، أو لاستعارة كتب من المكتبة العامة· أمارس في الوقت نفسه رياضة المشي للتخفيف من خطر تراكم الدهون السيئة على جدران شراييني· إذاً، أنا أحاول اصطياد عصفورين، أو عصافير عدة بحجر واحد·
 
أجتاز شوارع المدينة من دون تدقيق زائد كما كان الحال في الماضي، ألقي نظرات سريعة على البضائع الكثيرة المنسقة بإتقان خلف الواجهات الزجاجية، وعلى المجمعات التجارية التي يتردد عليها رجال ونساء من مختلف الأعمار، أحاول ما أمكن تلافي الاحتكاك بأجساد الفتيات، المحجبات وغير المحجبات اللواتي يتقاطرن فوق الأرصفة بلا انقطاع· أجاهد في أحيان غير قليلة كي أجد لي طريقاً بين الشباب الذين يتجمهرون فوق الرصيف، متكئين على حديد الدرابزين الفاصل بين الشارع والرصيف، أو الذين يتحلقون بلا هدف تقريباً أمام بعض المحلات التجارية، يدخنون السجائر، يتضاحكون بسلاسة وانطلاق· (هؤلاء الشباب الذين لا يعرفون التزمت ويمارسون حياتهم من دون تعقيدات، هم أنفسهم الذين يتصدون لجنود الاحتلال عند الحواجز، يتلقون الرصاص بصدورهم!)
 
يداهمني إحساس مفاجئ بأن زمني مضى وانقضى، وأن الميدان الآن مهيأ وحسب لهؤلاء الشباب· أشعر بشيء من القنوط، ثم لا ألبث أن أدخل في اشتباك مع نفسي، كما لو أنني أرفض في أعماقي هذا الإحساس· أقول لنفسي: زمني لم ينقض بعد· أمضي في المكابرة وأقول: ما زلت أرى نفسي في بعض الأحيان، ذلك الفتى الذي جاب شوارع المدينة وهو في السابعة عشرة من عمره، لم يتبدل على الرغم من عسف الزمان· ما زالت نفسه تهفو إلى التعرف إلى فتاة جميلة تقع في حبه ويقع في حبها، وما زال يشعر أن رام الله التي عرفها قبل سنوات عديدة، تغفو هناك في قلبه مثل فتاة بريئة تنتظر محباً مخلصاً طال انتظاره·

الصفحات