أنت هنا

قراءة كتاب مدن فاتنة وهواء طائش

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مدن فاتنة وهواء طائش

مدن فاتنة وهواء طائش

في كتاب "مدن فاتنة وهواء طائش"، أخذنا محمّد إلى بيته. قاد سيارته في الشارع المتعرّج بسرعة زائدة، أو هكذا خيّل لي، ما جعلني متوجساً طوال الوقت. (ستتكرر هذه السرعة في الأيام التالية، سيجدها محمد أمرا عاديا، سأجدها امرا مربكا. هذا الإيقاع السريع يربكني!

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
أوائل الستينيات (من القرن الماضي) حتى أواسطها، لم تكن الأمور على هذه الدرجة من التعقيد كما هي عليه الآن، أو هذا ما يخيل لي على أية حال· كانت ثمة حماسة، على الرغم من القمع ومصادرة الحريات، وثقة في المستقبل بغير حدود· كان لذلك أسبابه ودوافعه الصحيحة· كان ثمة بالإضافة إلى ذلك، رغبة في التبسيط وعدم الذهاب بعيداً في رؤية الأمور· مع ذلك، عشنا زمننا مدفوعين بالرغبة الجارفة في رؤية الأحوال وهي تنصلح بسرعة، غير أن هزيمة حزيران، قلبت كثيراً من الموازين·
 
سكنتُ رام الله سنوات عديدة· كنت في عز الشباب، أقرأ الكتب بنهم، أكتب القصص القصيرة والمقالات، أواظب على مشاهدة الأفلام· أصبحت معنياً إلى حد كبير بالعمل الحزبي، ما جعلني أمارس دوراً تعبوياً منتظماً بين الطلاب· كانت لي صداقات حميمة في المدينة، ألتقي بالأصدقاء في بيتي أو في بيوتهم، وفي الشوارع والمطاعم والمتنزهات· كانت لنا مسراتنا الصغيرة: فريق كرة القدم في المدرسة الهاشمية، جلب لنا بعض هذه المسرات· أبدينا اهتماماً كبيراً بهذا الفريق الذي طالما ألحق بفرق المدارس الأخرى هزائم، جعلتنا معتزين به أشد اعتزاز· يقف مدير المدرسة في الصباح الذي يعقب الظفر، مملوءاً بالفخر، أمام الطلاب وهم مصطفون في طابور الصباح، يخطب فيهم قائلاً: إن الهاشمية قلعة لا تقهر· تستبد بنا النشوة ونحن نصغي لهذه الكلمات! أما إذا حلت بالفريق هزيمة، فإن مدير المدرسة لا يظهر في ذلك الصباح الذي يعقب الهزيمة، أمام الطلاب·
 
كانت رام الله تحيا حياة بسيطة آنذاك· لم يمنعها ذلك من مراكمة مزيد من الصفات التي تجعل المدينة مدينة بحق: ثمة مهرجان غنائي صيفي يجري تنظيمه كل عام، مطاعم، فنادق، متنزهات، دور للسينما، شركات، مصانع صغيرة وأخرى متوسطة، صلات حية للمدينة بأبنائها المغتربين في المهجر، وثمة قدر من الانفتاح الذي يكفل قدراً من الحريات الشخصية وإنْ باعتدال· لكن هزيمة حزيران، مرة أخرى، جاءت لتكسر الكثير من التوقعات والآمال·
 
اليوم، على الرغم من وجود السلطة الوطنية الفلسطينية، التي ينبغي عليها أن تسرِّع في عمليات تمدين مدننا، فإن الحال لا يسر البال، ولا يروق للناظر أو للمتابع· فالمحافظة والتزمت وقيم الريف المتخلفة، التي كرسها الاحتلال الاسرائيلي وهيأ لها الظروف للانتعاش، تمارس دورها السلبي، في رام الله وفي غيرها من مدن البلاد· الشوارع التي شقها العمال الذين عملوا تحت إشراف أبي لكي تربط القرى بالمدينة، وأسهمت في زمن سابق في نقل ما تضخه المدينة إلى القرى من قيم عصرية، أخذت في سنوات لاحقة تضخ إلى المدينة، قيماً لا تصلح للمدينة، بل إنها تحول المدينة إلى مجرد قرية كبيرة، والمسؤولية لا تقع على عاتق أبي بطبيعة الحال·

الصفحات