أنت هنا

قراءة كتاب مفكرة بغداد - يوميات العودة إلى مسقط الرأس

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مفكرة بغداد - يوميات العودة إلى مسقط الرأس

مفكرة بغداد - يوميات العودة إلى مسقط الرأس

كتاب "مفكرة بغداد - يوميات العودة إلى مسقط الرأس"، يوميات مهاجر عراقي في رحلة العودة إلى مسقط الرأس. بعد غياب دام ربع قرن قضاه في المنفى الشمال إفريقي، وفي أوروبا يعود الكاتب ليطل على عالمه الضائع، بغداد التي كانت. أما الآن فهي مدينة أخرى بسكان آخرين..

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

أعيد كتابة الفقرة الأخيرة ثانية بعد إقحام أسماء أخرى لتصبح هكذا: تدفع العناية الإلهية هؤلاء الناس··· وهذا ينطبق على نابليون والكسندر وبوش وصدام وبلير والقادة العسكريين الذين خاضوا الحرب·

أقرأ هذا المقطع المدهش الذي نقلته من استنتاجات تولستوي، وفيها يرى التاريخ كشكل من الميتافيزيقيا: يعيش الإنسان على مستوى الشعور لذاته لكنه على مستوى اللاشعور هو ليس سوى أداة للوصول إلى الغايات التاريخية العامة للجنس البشري· ليستنتج في الأخير بأن (التاريخ هو حياة القطيع اللاشعورية للجنس البشري)

17 نوفمبر

اتصلت أمس بمكتب سفريات عراقي كنت قد أخذت رقم هاتفه من الصديق مظهر عباس· قال لي مؤكدا قبل توديعه في لندن: (يجب أن يكون السائق موثوقا به) ولم تثر ملاحظته إلا شعورا غريبا بالاضطراب، فهذا البلد الذي تركته قبل أكثر من ربع قرن كان مثلا أعلى للأمن· وعلى الرغم من كل ما سمعته عن التحولات التي طرأت عليه تظل الذاكرة مقاومة للقبول بأي تغيير: هذا هو شرط الحنين· أعطتني نبرة المتحدث على الطرف الآخر من المحادثة الهاتفية انطباعا بأنه في سن العشرين بينما منحتني لهجته البغدادية الصرف شعورا بالطمأنينة· اتفقنا على السفر غدا في الساعة الثالثة والنصف صباحا· سيأتي زميله بسيارة أطلق عليها (الدولفين) ليأخذنا من أمام فندق الشام·

17 نوفمبر

يخامرني شعور باللامبالاة لدمشق هذه المرة مخالف لما كان يعتورني تجاهها كلما زرتها· فهي قد ظلت الأم البديلة عن بغداد· في ثنايا أزقتها القديمة أستحضر عالما لا بد أنه انقرض تماما الآن: بغداد القديمة التي قضيتُ أول سبع سنوات من حياتي في حناياها· لم يكن ما يحضر إلى روحي تفاصيل الطفولة التي اختفت تماما من سطح الشعور بل ذلك الإحساس الغريب بأن روحا سبقت أن طوفت في مكان شبيه بهذا المكان· تناسخ آخر في عصر آخر· لكن ما يثير البهجة في النفس هو أن دمشق القديمة تتخللها أشجار الكينا بعكس أزقة بغداد القديمة الخالية من أي أثر نباتي· كأنما الماضي يعيد صياغة نفسه بشكل أجمل·

هذا المساء كان شارع (الحمراء) غاصا بالمشاة الذين بدوا في حالة استرخاء ولم تكن خطواتهم تحمل أي ظلال للخوف· بدا المكان كأنه عائم فوق بركة ضوء تنعكس أشعتها على واجهات الفترينات فتمنح شعورا باندماج غامض مع الحشد المجهول· قلت لفاضل فجأة في لحظة حالمة حقا: ليس مستبعدا أن نتحسر على هذا الشارع غدا·

الصفحات