You are here

قراءة كتاب شفرة الموهبة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شفرة الموهبة

شفرة الموهبة

كتاب " شفرة الموهبة " ، تأليف دانيال كويل ترجمه إلى العربية تامر فتحي ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 6

لم يزد معدل ذكائك في أثناء نظرك للعمود ب. ولم تشعر باختلاف. ولم تُصب بالعبقرية (للأسف). لكن حين صادفت الكلمات الناقصة، حدث شيء ما دقيق جدًا وعميق جدًا. توقفت. تلعثمت لفترة وجيزة جدًا، ثم تبينتها. لقد كافحت لمدة جزء من الثانية، وذلك الجزء من الثانية هو ما صنع كل هذا الاختلاف. أنت لم تقم بتمرين أصعب حين نظرت إلى العمود ب. أنت فقط تدربت بعمق.

مثال آخر: لنقل إنك في حفلة وتحاول جاهدًا أن تتذكر اسم شخص ما. لو أن أحدًا ما أعطاك ذلك الاسم، فإن احتماليات نسيانك إياه ثانية تكون عالية. لكن لو تمكنت من استرجاع الاسم بطريقتك - بمعنى أن تشعل الإشارة بنفسك، بدلا من أن تستقبل المعلومة بطريقة سلبية - فإنك بذلك ستحفره في ذاكرتك. وليس ذلك لأن الاسم أكثر أهمية على نحو ما، أو لأن ذاكرتك تحسنت، لكن ببساطة لأنك تدربت بعمق.

أو لنقل إنك على متن طائرة، وأنك شاهدت عددًا لا يحصى من المرات، المضيفة وهي تعطي شرحًا واضحًا مختصرًا لمدة دقيقة عن كيفية إرتداء سترة النجاة. "ضع السترة عليك سريعًا" هكذا تقول التعليمات، "شد رباط الحزامين الأسودين عند مقدمة السترة. وانفخ السترة بجذب الشريط الأحمر الى الأسفل". بعد مضي ساعة من رحلة الطيران، تتمايل الطائرة ويأتي صوت الكابتن بإلحاح عاجل عبر نظام الاتصال الداخلي يطلب من الركاب وضع ستر النجاة الخاصة بهم. كيف ستتمكن من فِعْل ذلك سريعًا؟ كيف يلتف الحزامان الأسودان؟ وما وظيفة الشرائط الحمراء ثانية؟

إليك سيناريو بديل: نفس رحلة الطيران، لكن هذه المرة بدلا من ملاحظة شرح آخر عن سترة النجاة، أنت تجربها. تضع السترة البلاستيكية الصفراء عليك ثم تعبث في الشرائط والأحزمة. بعد ساعة، تتمايل الطائرة ويأتي صوت الكابتن عبر نظام الاتصال الداخلي. كيف ستكون سرعتك حينئذ؟

التدريب العميق مبني على مفارقة: الاجتهاد بطرق معينة مستهدفة - الشغل بأقصى حدود قدرتك بحيث ترتكب الأخطاء - مما يجعلك أكثر ذكاءً. أو بصيغة مختلفة نوعًا ما، هو أن تتدرب على أن تجبر نفسك أن تبطئ من سرعتها وترتكب أخطاءً وتصححها، كما لو أنك تصعد تلا مغطى بالثلج، تنزلق وتتعثر كلما تقدمت، فينتهي بك الأمر وقد صرت سريعًا ورشيقًا دون أن تدرك ذلك.

"إننا نفكر في أداءٍ لا عناء فيه، ويكون أيضا محببًا للنفس، لكنها طريقة فظيعة للتعلم"، قال روبرت بيورك، الرجل الذي طوَّر المثالين السابقين. قضى بيورك، رئيس قسم الأعصاب بجامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، أغلب سني عمره في التعمق في أسئلة الذاكرة والتعلم. إنه رجل مرح متعدد الثقافات، وهو ماهر سواء في مناقشة منحنيات اضمحلال الذاكرة أو كيف أنه على نجم الدوري الأمريكي لكرة السلة للمحترفين، شاكيل أونيل، المعروف عنه أنه مريع في الرميات الحرة، أن يتدرب عليها من مسافات عجيبة، 14 و16 قدمًا، بدلًا من المسافة الطبيعية 15 قدمًا. (تشخيص بيورك: "أن شاكيل يحتاج لتطوير قدرته على تعديل برامجه الحركية. وإلى أن يتم هذا فسيظل فظيعًا").

"الأشياء التي تبدو عراقيل تتحول بعد سنوات طويلة إلى أمور محببة للنفس"، قال بيورك: "محكٌ واحدٌ حقيقي، وإن كان لبضع ثوان، لهو أكثر إفادة من مئات الملاحظات". ينوّه بيورك إلى تجربة أجراها هنري روديجر بجامعة واشنطن بسان لويس، حيث تم تقسيم الطلبة إلى مجموعتين لدراسة نص في التاريخ الطبيعي. المجموعة (أ) درست الورقة على مدار أربع محاضرات. أما المجموعة (ب) فقد درسته مرة واحدة فقط واختبرت فيه ثلاث مرات. بعد أسبوع تمّ اختبار كلٍّ من المجموعتين، وكانت درجات المجموعة ب أعلى من المجموعة أ بنسبة 50 في المائة. فلقد ذاكروا بمقدر الربع، ومع ذلك تعلموا أكثر. (قالت كاثرين فريتز، إحدى طالبات بيورك، إنها طبقت هذه الأفكار على دروسها المدرسية ورفعت درجاتها إلى الدرجة النهائية بينما ذاكرت بمقدار النصف).

والسبب، كما شرح بيورك، يكمن في الطريقة التي بنيت بها عقولنا. وقال: "إننا نميل إلى تصور ذاكرتنا على أنها شريط تسجيل، لكن ذلك ليس صحيحًا. إنها كيان حي، سقالة ذات حجم يكاد يكون لا نهائيًا. كلما ولّدنا موجات وصادفنا صعوبات وتخطيناها كلما بنينا سقالة أطول. وكلما بنينا سقالة أطول كلما تعلمنا أسرع".

عندما تتدرب بعمق، فإن قواعد العالم التقليدية تتوقف. فأنت تستخدم الوقت بفاعلية أكثر. وتثمر مجهوداتك الصغيرة نتائج كبيرة تدوم. لقد وضعت نفسك في موضع القدرة الفاعلة بحيث يمكنك الإمساك بالفشل وتحويله إلى مهارة. الحيلة هي أن تختار لنفسك هدفًا يفوق قدراتك الحالية، لتحديد الصراع. إن الضربات الارتجالية لا تجدي. أما الوصول للهدف فينفع.

"الموضوع برمته هو أن تجد المنطقة المحببة"، قال بيورك "توجد فتحة ضيقة بين ما تعرفه وما تحاول فعله. حين تجد تلك المنطقة المحببة تحقق أعلى نسبة تعلُّم"(6)..

التدريب العميق مفهوم غريب لسببين. السبب الأول، أنه يخالف حدسنا حيال الموهبة. فحدسنا يخبرنا أن التدريب مرتبط بالموهبة بنفس الطريقة التي يرتبط بها حجر المِسَنّ بالسكين: فهو حيوي لكنه بلا فائدة من دون شِفرة صلبة لما نطلق عليه القدرة الطبيعية. فالتدريب العميق يزيد من الإمكانات الخلابة: بأن التدريب قد يكون الطريقة التي تشحذ بها الشِفرة الصلبة نفسها.

والسبب الثاني، الذي يجعل التدريب العميق غريبًا هو، أنه يتناول الأحداث التي عادة ما نسعى لتحاشيها، وأعني بها الأخطاء، ويحوِّلها لمهارات. ولكي نفهم كيف يعمل التدريب العميق، فمن المفيد أولًا الأخذ بعين الاعتبار الأهمية القصوى وغير المتوقعة للأخطاء بالنسبة لعملية التعلم. في الواقع دعنا نتأمل مثلًا مُبالغًا فيه، ولنضعه في صيغة استفسار: كيف ستُحَسِّن من أدائك لشيء ما حين يكون ارتكاب خطأ قد يؤدي لفقدان حياتك؟

حيلة إيدوين لينك الفذة

في شتاء 1934، كانت لدى الرئيس فرانكلين روزفلت مشكلة. وهي أن طياري فيلق الطيران بالجيش الأمريكي وهم وفق كل التقديرات أكثر رجال الجيش مهارةً واستعدادًا للقتال كانوا يموتون في حوادث تحطم. ففي 23 فبراير غرق طيار عند هبوطه بعيدًا عن سواحل نيوجيرسي، في حين قُتل اخر عندما انقلبت طائرته في قناة بتكساس. وفي 9 مارس مات أربعة طيارين آخرين عندما تحطمت طائراتهم في فلوريدا، وأوهايو، ووايومنج. لم يكن سبب المجزرة الحرب. لقد كان الطيارون ببساطة يحاولون الطيران في العواصف الشتوية لتسليم البريد الأمريكي.

أمكن اقتفاء أثر الحوادث مما قاد إلى فضيحة مؤسسية. فلقد كشف تحقيق أجراه مؤخرًا مجلس الشيوخ عن وجود خطة بين خطوط الطيران التجارية المتعاقدة على نقل البريد الأمريكي على تثبيت السعر عند عدة ملايين دولار. وعلى الفور رد الرئيس روزفلت بإلغاء التعاقدات. ومن أجل توصيل البريد، استدعى الرئيس الفيلق الجوي الذي كان جنرالاته متلهفين لإثبات استعداد وشجاعة طياريهم. (كما أرادوا أيضًا أن يُظهروا لروزفلت أن الفيلق الجوي يستحق شعبةً عسكريةً شاملة أسوة بالجيش والأسطول). ولقد كان الجنرالات عمومًا على حق بخصوص طياري الفيلق الجوي: فلقد كانوا مستعدين وشجعانًا. لكن في العواصف الشتوية القاسية لعام 1934، ظل طيارو الفيلق الجوي يتعرضون لحوادث تحطم. في صبيحة 10 مارس، وبعد موت الطيار التاسع في غضون عشرين يومًا، استدعى الرئيس فرانكلين روزفلت الجنرال بنجامين فولويس، قائد الفيلق الجوي، إلى البيت الأبيض "أيها الجنرال"، قال الرئيس بعنف، "متى ستنتهي حوادث البريد الجوي المميتة؟".

Pages