You are here
صدور رواية "العربة الرمادية" عن "الآن ناشرون وموزعون"
تمثّل رواية "العربة الرمادية" الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون"، نقطةَ ارتكاز وتحوُّل فنيّة مهمة في مسيرة "بشرى أبو شرار" الروائية. إذ تخرج الكاتبة من شرنقة الواقع الخارجي المتمثل في القضية الفلسطينية التي مثّلت المحورَ الرئيس في أعمالها السابقة، نحو شرنقةٍ من نوع جديد، هي شرنقة النفس الإنسانية/ الذات الأنثوية المحمَّلة بهموم ذاتها، ومن ثم هموم الآخرين المحيطين بها والمشابهين لها على مستوى الشعور بالقهر.
"على شاطىء البحر أحث خطاي وأنا أناجي وحدتي، في الماضي كنت أترنم على صوت الموسيقى وأنا أطوي طريق البحر وأقضم مسافاته، اليوم أضع المذياع الصغير في جيبي، وأمضي دون أن أضغط على مكبس الصوت، صرت أحدث نفسي، أسمع صوتي، وأتبين كيف يبكي الصوت، وكيف يئن من آلام دفينة، وكيف أنادي الحكايات فتأتيني لأعاتب الحياة فيها وأتصالح معها.. صوتي صار ترنيمة حزن تسكن روحي.
على شاطىء البحر صار الوقت لي، وبقايا من شمس يومي تأتيني ظلاً بارداً، تأتيني نوراً متكسراً على ملامح وجه غاب عني، ونورساً وحيداً يشبهني، يقيم طوله على صخرة تلوًنت من زبد البحر، نورس لا يشكو الصقيع ولا من جوع ولا من وحدة هو فيها، ولم يتقصف جناحاه من طول المسافات التي شق الفضاء بقلبه ليقطعها؛ لتستقبله صخرة وحيدة ونورس وحيد.."
لقد برعت الكاتبة في رسم تفاصيل وإسقاطات كل ما يدور حولها من عالم يخصُّها، عالم مليء بالندوب والحفَر والأغبرة المقيمة على الجسد والروح.. تلك الثنائية التي تتناوب عليها أحداث السرد في هذه الرواية: "أرنو لساعة الوقت، وفجر يقترب من حافة الأرض، وروح تقترب لحافة الرحيل، روح أثقلها الوجع، تود لو يطلقها الجسد قبل أن يطالها الحريق.. دفقت دمعة على بقايا نور شاحب يتكسر على ملامحي الذاوية، أرنو لأفق لا أتبين مداه..."
وتشتعل طاقات التعبير وترتقي إلى حيث التعبير بالدلالة والعلامات السيميائية المتناثرة في أنحاء الرواية/ النفس المعذَّبة بأتون حيرتها وتشظّيها، متمثلةً في العلامة الكبرى (العربة الرمادية) التي اختزلت بها الكاتبة العمرَ كله على حدّ السواء، وعبّرت بها عنه خير تعبير..
ذراع نظارتي الجديد رمادي، وطاقيتي الصوفية المتناثر عليها حبَّات من الفضة رمادية، وجورب ألبسه قبل دخولي لفراشي رمادي، وخزانتي وخزانة ابنتي بأدراجها وثقوبها من الرمادي.. وعربة رمادية ضيَّعتها طرقات المدينة الغريبة؛ فتغرقني ورماد أيامي معها..
بُشرى أبو شرار قاصة وروائية، من مواليد فلسطين، حاصلة على شهادة الليسانس في الحقوق من جامعة الإسكندرية، ونالت العديد من الجوائز (جائزة إحسان عبد القدّوس في القصة القصيرة، جائزة الجمهورية عن روايتها «شمس»)، صدر لها في القصة: «أنين المأسورين»، «القلادة»، «جبل النار»، «اقتلاع»، «حبات البرتقال»، وصدر لها في الرواية: «شُهُب من وادي رمّ»، «من هنا.. وهناك»، «شمس»، «أنشودة شمس»، «حنين»، «قمرٌ في الظهيرة»، «دورا».