كتاب " أنماط الديمقراطية " ، تأليف أرند ليبهارت ، ترجمة محمد عثمان خليفة عيد ، والذي صدر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
من حيث المبدأ، يمكننا أن ندير الديمقراطية وننظمها بكثير من الوسائل؛ ومن جهة التطبيق أيضًا، نجد أن كثيرًا من الأنظمة الديمقراطية تعرض لمجموعة متنوعة من المؤسسات الحكومية الرسمية، ومنها المؤسسات التشريعية والقضائية، وكذلك نظم الأحزاب السياسية وجماعات الضغط. على أننا نجد أنماطًا وترتيبات واضحة عندما ندرس تلك المؤسسات من منظور مدى اتباع قواعدها وتطبيقاتها، نظامَ الأغلبية majoritarian أو التوافقية consensus. إذ ينشأ التناقض بين الأغلبية السياسية والتوافقية، من واقع أبسط تعريف حرفي للديمقراطية - حكمالشعب أو حكم ممثلي الشعب في الديمقراطية التمثيلية - ومن الاشتراط الشهير للرئيس أبراهام لينكولن بأن الديمقراطية لا تعني فقط حكم الشعب ولكن أيضًا الحكم من أجل الشعب - أي الحكم وفق ما يريده الشعب ويرغب فيه.
ويثير تعريف الديمقراطية بأنها «حكم الشعب من أجل الشعب» سؤالًا جوهريًّا: من الذي سيقوم بالحكم ولمصلحة من ينبغي أن تستجيب الحكومة في حال كان هناك خلاف بين الشعب وكانت هناك اتجاهات ومصالح متباينة؟
واحد من الأجوبة عن هذه الإشكالية؛ هو الأغلبية. فهذا هو جوهر نموذج الأغلبية الديمقراطي. واللجوء إلى حل الأغلبية بسيط ومباشر وينطوي على قدر كبير من المنطق، إذ إن منحها الحكم وفقًا لرغباتها، أقرب نموذج إلى المثالية الديمقراطية «حكم الشعب للشعب ومن أجل الشعب» من أن تحكم أقلية وتكون مسؤولة أمام أقلية.
والجواب الآخر هو أن يحكم أكبر عدد ممكن من الناس. وهذا هو جوهر نموذج التوافقية، ولا يختلف عن نموذج الأغلبية في قبول أن حكم الأغلبية هو أفضل من حكم الأقلية، لكنه يرضى بحكم الأغلبية كحدّ أدنى فقط: فبدلًا من الرضا بأغلبية ضئيلة تصنع القرار، يسعى إلى زيادة حجم هذه الأغلبية إلى أقصى حد. وتهدف قواعد هذا النموذج ومؤسساته إلى تحقيق مشاركة واسعة في الحكومة واتفاق واسع على السياسات التي ينبغي للحكومة تنفيذها. ويركز نموذج الأغلبية السلطة السياسية في يد الأغلبية - وفي كثير من الأحيان تكون السلطة لتعددية لا لأغلبية، كما سنرى في الفصل الثاني - بينما يحاول نموذج التوافقية تحقيق المشاركة في السلطة وتوزيعها، والحد منها، بمجموعة متنوعة من الأساليب. ثم إن هناك فارقًا آخر، هو أن نموذج الأغلبية يتسم بالحصرية والتنافسية والخصومة، في حين يتميز النموذج التوافقي بالشمولية والمساومة والتراضي؛ ولهذا السبب، يمكننا أن نسمي الديمقراطية التوافقية «الديمقراطية التفاوضية» (كايزر 1997، 434).
ونجد أن هناك عشرة فوارق في ما يتعلق بأهم المؤسسات والقواعد الديمقراطية يمكن اشتقاقها من مبادئ الأغلبية والتوافقية. إذ إن خصائص الأغلبية مستقاة من المبدأ نفسه، وبالتالي ترتبط به منطقيًّا، ويمكن المرء أن يتوقع تطبيقهما معًا، في الواقع؛ وينطبق الشيء نفسه على خصائص التوافقية. وبالتالي يمكننا القول بوجود ارتباط وثيق بين هذه المتغيّرات العشرة جميعًا. وقد أكدت بحوث سابقة تلك التوقّعات - باستثناء واحد أساسي، وهو أن المتغيرات تتجمع في بعدين منفصلين تمامًا (ليبهارت 1984، 211-222؛ 1997). يشمل البعد الأول خمس خصائص لترتيب السلطة التنفيذية والأنظمة الحزبية والانتخابية وجماعات الضغط. وسأشير إيجازًا إلى البعد الأول باسم «البعد التنفيذي الحزبي». ولمّا كانت أغلبية الاختلافات الخمسة في البعد الثاني مرتبطة بالتباين بين الفدرالية والحكومة الوحدوية - وهي مسألة سأعود إليها لاحقًا - فسأسمّي هذا البعد «البعد الفدرالي - الوحدوي».
مشاركات المستخدمين