كتاب " آثار الوثاق " ، تأليف جليل حسن محمد ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء
قراءة كتاب آثار الوثاق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
2. تحدي الموت
ومثلما ثار الجواهري على أعداء الجماهير ومناوئي تطلعاتها ثار في وجه الموت انحيازاً منه للحياة التي كانت تنبض في جنبات نفسه على نحو عارم على الرغم من أن الموت حدث مرعب لأنه فناء يستهدف الحياة وسر الصراع بينهما في أساسه يعزى إلى وجود جميل مرغوب فيه يخاف عليه وجليل مرهوب منه يخاف وقوعه([40]) وقد تأكد لديه أن الحياة التي يلفها الخسف ترادف معنى الموت إن لم تكن أشد منه لذعاً وإيلاما وأن المرء حين يحرص على الحياة وقيمها الجميلة يهون عليه الموت ويتلاشى أمامه الخوف لأن خيار مجابهة الموت هنا بمثابة الحياة نفسها والاستهانة به إرادة لصنع الحياة نفسها فبذلك يستحيل الموت مضموناً إيجابيا ينافي المضامين السلبية([41]).
والجواهري في إزاء الموت جلد قوي يقف موقف الند منه يغضب عليه طمعاً في إخافته ويناجزه طمعاً في الانتصار عليه ينتصب أمامه مرتقباً متى يؤول الصراع بينهما من وجه لوجه إلى وجه لظهر:
ند مع الـموت غضبانا يـناجـزه
وجهاً لوجـه كجـلاد يـنـــــاصبه
يلقي الحديـد بأضلاع يـفجرها
حقد يذيب شبا الفولاذ لاهبه([42])
وتحدي الموت بهذه الصرامة يشعر بثقة الشاعر بنفسه ويوحي بتمييزه بالمنازلة التي تحدوه إليها لذة كبيرة يسهل إشباعها عليه ويعسر على سواه:
وللقيا الحتوف وجها لوجه
لذة تبتغي بجهد جهيد([43])
وخلف تلك اللذة نفس حرة لا قرار لها على ضيم ولا تبالي بالموت ذوداً عن الحياة طال العمر أو قصر، فلا الإقدام يعجل الساعة ولا الإحجام يمد في الآجال، إنما الخلود بالذكر المحمود الذي يبنيه بالجديد ويفرض التغيير المطموح إليه:
هـي النفس تأبى أن تـذل وتُـقهراً
ترى الموت من صبر على الضيم أيسرا
وتـختار محموداً من الذكـر خالداً
عـلى العيش مذمـوم المغبة منكرا([44])
فالموت الذي يهرب منه الآخرون يهرب إليه الجواهري مدفوعاً بحب الحياة حتى أنه ليتآلف مع الموت وتآلفه معه تحدٍ للموت نفسه لأن الموت موت، فأنى السبيل إلى التآلف معه؟! لكنه الجواهري يركب الصعب ويروضه ليعود من رحلة البحث بالحياة مغنما:
وأركب الهول في ريعان مأمنة
حب الحياة بحب الموت يغريني([45])
والمغرم بالحياة الجميلة يسعى إلى نبعها غير آبه بالصعاب ولنسأل أبا فرات ما نبع تلك الحياة كما ترى؟
أرى الـموت نبع الحياة الجميل
إذا خـضبته الليـالي بدمْ
وعن وهج الكأس كأس الوجود
تترجم عيناي سر العـدم
ألـذُّ عـناق ظـــــــــــلال الـحياة
تخالط فيها سرور بـهم([46])
إن الموت الصانع للحياة هو النمط الذي أراده الجواهري وأدار معه معركته لأنه يعرف أن الموت في الحياة يفضي إلى العدم أما إذا كان استشهادا في المعركة في سبيل الآخرين فأنه يصبح انتصارا للحياة بمجموعها انتصارا له وللجنس البشري([47]).