You are here

قراءة كتاب الأمير عبد الإله صورة قلمية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأمير عبد الإله صورة قلمية

الأمير عبد الإله صورة قلمية

ي هذا الكتاب صورة قلميّة للأمير عبد الإله، الوصي على عرض العراق لمدة ناهزت عقدين من الزمن، حتى حدوث انقلاب الرابع عشر من تموز سنة 1958 في بغداد، كتب هذه الصورة القلميّة السكرتير الخاص في الديوان الملكي العراقي "عطا عبد الوهاب"، المعار من السلك الدبلوماسي إل

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 8
2
 
في خريف 5 5 9 1 نقلت إلى بيروت سكرتيراً لسفارتنا هناك· وكان قد انتدب سفيراًفيها قبل أشهر من ذلك جميل عبدالوهاب، وهو شقيقي، وهو كذلك من رجال السياسة، وكان آنئذٍ عضواً في مجلس النواب وثمة قانون يجيز مثل هذا الانتداب مع الاحتفاظ بالعضوية الپرلمانية· كنت في طريق العودة أقارن بين نفسي عند الذهاب إلى العالم الجديد وأنا أصطحب عروساً وقد تخففتُ من كل أحمال الدنيا سوى هموم الفكر المتطلع إلى الصقل، المتحرق إلى النهل من المعارف ، وبين نفسي عند الإياب وبصحبتي أسرة من زوجة وابنين اثنين ، وقد حققت شيئاً من طموحاتي الذهنية وتخففت هذه المرة من نزعة التمسك بآراء قديمة تمسكاً لايقبل المراجعة ولايرضى بالتطوير ، واقتربت من مدار التفكير الموضوعي الذي يحاول النظر إلى الأمور كما هي لاكما تحولها المغالاة إلى أشياء أخرى · ولكنني في طريقي إلى عملي الجديد كنت أحمل هماً جديداً من نوع آخر · فالسفير أخي ، ولم أكن على توافق معه وتطابق في توجهه السياسي · وهذا السفير قد عيّن في لبنان لاسفيراً بالمعنى التقليدي بل سفيراً سياسياً ، وهو يرتبط بعلاقات وثيقة مع عميد الساسة في العراق نوري السعيد ومع رمز السلطان الأمير عبدالإله· ماذا سيكون مركزي في السفارة وكيف سأتصرف ؟ لم يكن من الصعب عليّ أن أجيب نفسي على هذه التساؤلات قبل أن أباشر عملي ، إذ ماعليّ إلا أن ألتزم باستقلالي في التفكير واستقامتي في العمل وإثبات ذلك عملياً لاأمام نفسي فقط بل أمام زملائي الآخرين في السفارة · وما أن باشرت عملي فعلاً حتى استطعت أن أفرض استقلالي بلا صعوبة تذكر · وقد ربطتني بمجموعة زملاء العمل هناك رابطة صداقة وود واحترام ، وكانت تضم المجموعة أولاً سرية الخوجة وسعيد الهنداوي ونزار القاضي ، ثم التحق بنا عبد الحسين الجمالي منقولاً من سفارتنا في الشام · وكما كانت العادة في نيويورك ، وسرية وعبد الحسين كانا معي هناك أيضاً، كنا نتحادث ونتناقش ونرصد مايجري في العراق والعالم العربي في تلك الحقبة المتشنجة كسطح الأرض التي تحتها بركان يوشك أن يثور · كنا نلتقي فنعارض هذا الإجراء أو ذاك ونهاجم هذا الاتجاه أو ذاك مما تتخذه حكومتنا أو تلتزم به وتسير على هداه ، دون أن يعترض على معارضتنا أحد ·
 
لم يكن عملي في السفارة سهلاً· ولو لم يكن السفير أخي لكان الوضع أسهل بكثير· فالسفير جم النشاط، كثير الحيوية، حاد الذكاء، قوي الشخصية، يجمع بين متطلبات العمل الدبلوماسي والتحرك السياسي والحياة الاجتماعية باندفاع يطوي الليل بالنهار· وكل هذا يتبلور بتقارير وبرقيات على السكرتير أن يكتبها أو يبرقها رمزياً، والسفير يحمّل هذا السكرتير أعباءً إضافية لابحكم المركز الوظيفي فقط بل لما تنطوي عليه علاقة أخ بأخيه من تسويلٍ للتكليف بمزيد من الواجبات حتى إبّان الليل فكنت كالخفر الدائم· وبالتدريج أخذت أحس بالمحاصرة مرة آخرى· لا في المنزل كما كنت محاصراً في بغداد، بل في دار السفارة وفي خضم العمل الذي لاتحده ساعات الدوام، وتفرضه علاقتي الشخصية بالسفير·
 
كان المتنفس الوحيد من هذا الحصار هو اللقاء بمجموعة الزملاء كلما استطعت أن أختلس سويعات من الفراغ، أستلّها من ساعـات العمـل· كانت مجموعتنا متجانسة في مشاربها، والأهم من ذلك في تفكيرها، إذ يجمعنا الإخلاص في الرأي، والجدية في أداء الواجب، والرغبة في أن نجد النظام في بلادنا يطهّر نفسه من الشوائب التي كانت تعلق به، والحماسة في حب الإصلاح· ولاأذكر أن أحدنا كان يؤمن بالتغيير العنيف مع أننا كنا نتساءل هل سدّت جميع السبل بوجه الإصلاح السلمي فلم يبق أمام المصلحين سوى طريق الثورة ؟ وكان يرافق مثل هذا التساؤل أحياناً نوع من الحيرة أمام الأحداث الحاسمة الجارية، وتجاه ماكانت تتخذه حكومتنا في بغداد بشأنها، حيرة تكاد تتاخم اليأس، ولكنها كانت دائماً حيرة تنجلي عن ترجيح كفة الإصلاحات التدريجية الهادئة التي تكاد تكون مضمونة النتائج رغم طول الزمن الذي تستغرقه لكي تؤتي أكلها، على كفة التغيير الثوري العنيف، المغامر، المجهول المصير، المحفوف بالمآسي والذي قد ينقل البلاد من سيِّىء إلى أسوأ· ووقع العدوان الثلاثي على مصر فأصبنا بالذهول أولاً، وهزّ أعماقنا وكاد يزلزل إيماننا بالإصلاح السلمي، ثم تحولت مشاعرنا إلى السخط العميق تجاه حكومتنا في بغداد إذ كنا نطمع، ونحن على مبعدة من مراكز القرار، بمواقف تشفي غليلنا وتأسو الجرح الذي أصابنا به العدوان· ولكن مرور الزمن كان كفيلاً بأن يعيد ثقتنا بقناعتنا السابقة الأساسية ·
 
وحدثت ثورة المجر سنة 6 5 9 1، فقمعها الجيش السوفيتي، وكان ذلك الحدث أمراً فاصلاً في تفكيري بشأن التطبيقات الماركسية كما تجري فعلياً في الأنظمة الماركسية· وتحولت شكوكي وتحفظاتي تجاه تلك التطبيقات إلى قناعة بعدم صلاحها، فتراجع نوع النظام الذي كنا نحسبه أيام رومانسية الشباب نظاماً أمثل للعالم أجمع، تراجع في ذهني إلى أدنى موقع في تسلسل الأفضليات ·

Pages