قراءة كتاب إذا الأيام أغسقت

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إذا الأيام أغسقت

إذا الأيام أغسقت

عنوان الرواية هذا هو، بحدّ ذاته، رمز لمكان كان مضيئاً ثم أخذ يدب فيه الظلام. المكان: جامعة في العراق، والظلام ينتشر في بلد الحضارات ويمتد إلى موقع تدريسها.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
ولكن عندما مال عبد الكريم قاسم في اتجاهه السياسي تدريجياً نحو الوسط واليمين، محاولا الابتعاد عن اليسار والحزب الشيوعي، حتى أنه أمر بالقاء القبض على بعض قادته، نشط في تلك الفترة حزب البعث الذي لم يكن له قاعدة شعبية قبل الثورة، وأصبح قوة مهمة بالاشتراك مع القوميين، فاستغلوا خوف الناس من انتشار الشيوعية، ولعبوا على ذلك الوتر بنجاح· وزاد التردد على الجوامع وحضور خطبة الجمعة، وقوي الاتجاه الديني السياسي، محاولة لعزل اليساريين والحزب الشيوعي واضعافهم، متهمين الشيوعيين بتدنيس القرآن، فخرجت المظاهرات في حي الأعظمية مطالبين بقتل الكفرة، وظهرت المعركة بوضوح بين الطرفين في الانتخابات النقابية التي سيطر القوميون والبعثيون عليها تدريجياً·
 
ضعفت حكومة عبد الكريم قاسم الى درجة كبيرة، وأصبح اغتيال المناصرين له والمدافعين عن سياسته من الاحداث التي كانت تتكرر يومياً، وأخيراً حاولوا اغتياله في وضح النهار، ورشق بالرصاص من جميع الجهات، ولكنه نجا من الاغتيال بالصدفة·
 
و أنيط بكتابة المقالات في جريدة صوت الشعب في تلك الفترة باليساريين من أمثال والدي، مما ادى الى وضع اسمه في قائمة الاغتيال التي تبناها المناوئون لـ عبد الكريم قاسم·
 
و في نهاية عام عام 0691، حكم على والدي لمدة ثلاث أشهر بالسجن في سجن العمارة لكتابته هذه المرة مقالاً طعن فيه بصحة انتخابات نقابة المعلمين· إذ لم يكن والدي راضياً على التطرف والاعتداءات التي أصبحت روتيناً يومياً·
 
و لذا عندما خرج من السجن، قرر ترك العراق، حيث وجد أن عراق الثورة وعراق نوري السعيد لا يختلفان، ولم تتحقق آماله في أن يسود الارض عدل، ولا رفرفت أجنحة الأمان كما كان يحلم ويتوق في تصوراته لثورة مثالية·
 
و بتردي الوضع العام، قررت حياة الذهاب الى موسكو للدراسة، لأنها كانت مصممة على ترك الحزب الشيوعي بعد ما خاب ظنها في العمل السياسي، وكانت على اختلاف مع الشيوعيين، ولم يكن بوسعها ترك الحزب والبقاء في العراق، حيث سيتحول بعض أعضائه الى مهاجمتها ونعتها بالخيانة والجبن، الأمرالذي كانت تتجنبه· كانت في صراع نفسي متواصل، فكان تقديمها طلب الالتحاق بالبعثة لإتمام دراستها فرصة مناسبة للتخلص من هذا الجو والابتعاد عنه، وقد صوّرت تلك الخيبة على لسان أحد أبطال روايتها وميض برق بعيد:
 
كان خالد متحمسا لكل ما هو مثالي ولكل ما يمكن أن يخفف من مآسي الحياة والشر المتغلغل في طواياها، ولذلك انتمى الى حزب سري· اكتشف تدريجياً الاختلاف الكبير بين ما يؤمن به من أفكار وبين تطبيقها العملي· كانت طبيعته حساسة ولا تتحمل الازدواجية لذلك قرر الانسحاب، وإذا برفاق الأمس الذين يجمعهم الايمان بقضية الانسان يتحولون الى أبواق تنعته بالجبن والأنانية ويستهينون به ويسخرون منه(9)
 
لم يمّر عام على محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم، حتى نجح البعثيون بالسيطرة على مقاليد الحكم ، في 8 شباط، عام 1963·
 
كان انقلاباً دموياً عنيفاً جداً، وشمل التعذيب والقتل شرائح مختلفة من المجتمع، وجثت سحابة كالحة مظلمة في سماء العراق، لم تنقشع إلا بعد بضعة أشهر، فأُلقي القبض على عدد كبير من الناس، بمساعدة الميليشيا الجديدة التي أطلق عليها هذه المرة اسم الحرس القومي، وكانت مهمتها القاء القبض على الناس وايداعهم الاعتقال، واستجوابهم بشتى طرق التعذيب· وشمل ذلك كل من له صبغة ديمقراطية أو يسارية، وامتلأت المعتقلات بالمعتقلين حتى لم تعد تسعهم ، فحولت بعض الملاعب الى معتقلات، كالنادي الأولمبي· وعذب وقتل واختفى عدد كبير من المفكرين والمثقفين ودفنوا بقبور جماعية، ولم تسلم حتى الجامعة، فقد ألقي القبض على الأساتذة والطلبة في داخل حرم الجامعة· كما فصل عدد كبير من الفئة اليسارية من أعمالهم·
 
كان للولايات المتحدة دور مهم في تنظيم هذا الانقلاب، وكانت من المخططين في إزالة حكم عبد الكريم قاسم، ساندت بكل قواها حزب البعث ضده، حتى تبجح (ليكلند) أحد كبار موظفي السفارة الأمريكية، - حينما أعلنت أسماء الوزارة - أن له علم بمعظم أسماء الوزراء، ولم يخف ذلك آنذاك علي صالح السعدي، وزير الداخلية، قائلاً في كثير من المناسبات لقد جئنا بقطار أمريكي
 
و من الصدف ان حياة ووالدي كانا خارج العراق آنذاك، حيث سافرت حياة عام 1961 لدراسة الدكتوراه في جامعة موسكو، وسافر والدي الى الصين بنفس التاريخ للتدريس في جامعة بكين· ولكن لم ينج دارنا من التفتيش، فبعد مرور أربعة أيام على الانقلاب، قرع باب دارنا، وعندما فتحت والدتي الباب فوجئت بالحرس القومي موجهين بنادقهم نحوها، وأطلق أحدهم رصاصة من بندقيته ثقبت السجادة المفروشة في غرفة الضيوف· التصقت والدتي بجدار الغرفة جامدة من الرعب والفزع الذي انتابها، وكان بينها وبين أصابتها بضع بوصات·
 
ظن أفراد الحرس القومي أنهم عثروا على وكر مهم، وكان السؤال الأول أين حياة؟ أجابهم أخي إبراهيم: إنها خارج العراق منذ عامين، والسؤال الثاني عن والدي، فأجابهم نفس الجواب، إنه خارج العراق أيضاً، فلم يرتح رئيسهم لهذه الاجابة، لذا قرروا ألا يتركوا الدار صفر اليدين، فاخذوا أخي رهينة بدل والدي وحياة· وهذه هي المرة الثانية التي يتعرض لها إبراهيم لمثل هذه التجربة·
 
إن أخذ البديل ليس ابتكاراً جديداً فقد دخل القاموس العراقي بـ انتفاضة تشرين عام 1952 في العهد الملكي، وطُبق على نطاق واسع من قبل منفذي هذا الانقلاب الجديد·
 
بعد الانتهاء من التحقيق، وتفتيش الدار وبعثرة الكتب والأوراق ونبش صورالعائلة والاصدقاء، لم يجدوا شيئاً مهماً، وبعد تحقيق دام ساعتين علموا خلالها أن إبراهيم كان طيلة تلك الفترة الماضية طالباً في انكلترا، وشفعت له معرفته ببهاء شبيب وأحمد النقيب اللذين كانا من أقطاب حزب البعث آنذاك، واعجابهم بكتابات عمي عبد اللطيف شرارة وخاصة كتابه روح العروبة، فنجى إبراهيم من القاء القبض عليه كبديل، وأفلت من الاعتقال·

Pages