You are here

قراءة كتاب تفريغ الكائن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تفريغ الكائن

تفريغ الكائن

كتاب " تفريغ الكائن " ، تأليف خليل النعيمي ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

لَمْ أتكلم منذ شهر· منذ الفراق التراجيدي المفاجئ· الحاسة الوحيدة التي ظلت تعمل بانتظام عندي، كانت حاسة الشوف· كنت أبتلع العالم بعيوني· المطر، نفسه، لَمْ يكن يصيب القاع بل كان يبلل رؤيتي· أنوار وهيئات· شوارع طويلة ومستديرة· حركة مستمرة بلا موانع· لأول مرة أرى أن الكون يمكن أن يكون عامرًا بلا رقيب· لكن حقدًا خفيًا كان يتجمع في أعماقي المضطربة من ضخامة الحياة· حقد لا على الشام وإنما····

- عليَّ، قُلْها· قالت بتصميم·

لَمْ أقل شيئًا· كان الوقت ليلاً وأنزلوني من القطار· قطار البيرينيه الجميل، في منتصف المسافة أنزلوني:

- من أين أنت؟ صمت·

كانت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل· وكنت أختبىء تحت أفرشة القطار: كنت أنام ببساطة، وأنا في طريقي إلى النور

- ديسّاند / انزل· صمت·

- ديساند (بعدها تلت جملة طيلة، فحواها: انزل فورًا أقول لك)·

مدريد تملأ عيوني· تملأ حواسي كلها· تملأ الليل بأنوارها وألوانها وأنا بلا لسان· كنت أفكر ماذا أقول لرجال الشرطة الذين نهبوني، قبل أن أقول شيئًا· كنت أخرس· لم أتكلم منذ شهر·

عالمان·

أول كلمة نطقتها، وأنا أُرمى على الطريق·

ولم أفهم من اللغط المتشنج، حولي، سوى: عربي (آراب)·

وكالمسحور يختفي القطار· محطة سان سيباستيان الصغيرة الخالية من الإنس· البرد· أنا· الريح· الليل· وصدى (آراب)· وصرت أردد (بهدوء غريب): الكلمة التي نطقها شرطيو الحدود، كما نطقوها·

ولم يقطع الترديد إلا المحيط·

عبرت سان سيباستيان، ليلاً· لك أن تتصوري، في أية حال كنتُ· وفي التلة المشرفة على المحيط الأطلسي وقَفت: بحر الظلمات· بحر متعجرف· يبعث بأمواجه الهائلة ليلاً· وأتلقّى الموج المجنون بصدري· وأحس بالبرد الرغيب يدخل أحشائي: برد كهذا لم أعرف· وموج كهذا لم أر! ظللتُ أردد ذلك الليل، كله، وأنا أفكر فيكِ·

Pages