كتاب " الماركسية في البحث النقدي " ، تأليف فؤاد خليل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
لم تنقضِ بضعة أعوام على انهيار الاتحاد السوفياتي حتى عاودت الأوساط الفكرية الأوروبية، الحديث عن الماركسية في آفاق وأبعاد مختلفة. وكانت تلك العودة بمثابة الردّ النقدي المبكر على انتشاء الليبرالية بالروح الانتصارية التي انطبع بها عقد التسعينيات من القرن العشرين.
ولم يأتِ الرد منافحة ذاتية متسرعة أو منفعلة، بل التزم بأعلى قدْر من الموضوعية من أجل وضع الماركسية في نصابها التاريخي المخصوص. ولذلك، تعامل معها المفكرون والباحثون كفكر مفتوح يتوافر على قابلية التجدد مع ما يقع من متغيّرات على الصعيدين الواقعي والنظري.
والماركسية بصفتها تلك، تمثّل معرفة تاريخيّة قادرة على بلورة أفكار جديدة في أكثر من حقل معرفي وبخاصة في حقل العلوم الاجتماعية. وهي تستطيع من خلال تجددها أن تكشف عن تناقضات العولمة الرأسمالية وعن أشكالها الظاهرة والمستترة، وأن تستجيب للحاجة التاريخية المتزايدة إلى بديل مجتمعي لا يخضع للعلاقات الرأسمالية، أي لعلاقات الظلم والاستغلال ولا يكون الفرد فيه شيئاً من بين أشياء أخرى.
وتؤكد الصفة نفسها، أن الماركسية هي في الأساس على ما يرى جان ماري فنسان Jean-Marie Vincent ، حركة فكرية نقدية، وأداة لتغيير العالم؛ مثلما هي نظام فكري منفتح على التساؤلات الدائمة. وحسب لوسيان سيف Lucien Sève لا تزال الماركسية تؤلف مرجعاً ضرورياً لصوغ نظرية تستجيب لمتطلبات عصرنا. وتعبِّر فلسفة البراكسيس Praxis برأي مخايل لوي Michael Lwv عن قطيعة الفكر الماركسي مع الخطب الفلسفية المسيطرة؛ وهي تتناقض مع الشمولية والسلطوية، ومع المادية القديمة التي تتحدث عن الفرد التأملي أمام الظروف المجتمعية، وعن المجتمع البرجوازي كمجموعة من القوانين الاجتماعية والاقتصادية الطبيعية المستقلة عن إرادة الأفراد أو فعلهم. وفي مقابل هذه المادية تتعامل البراكسيس مع المجتمع كشبكة ملموسة من العلاقات المجتمعية، وكبنية مُنتجة من الأشخاص من خلال نشاطهم التاريخي وامتلاكهم للطبيعة بواسطة العمل. وفي نظر سلافوي جيجك (أوزيزك) Slavoj Zizek ، يدل مفهوم الصراع الطبقي عند ماركس على التناقض الذي يمنع الحقيقة المجتمعية الموضوعية من التكوّن ككل مغلق على نفسه. وبدوره يعتبر جورج لابيكا Georges Labica ، أن ماركس حين تحدّث عن علم التاريخ، جمع معارف الطبيعة إلى معارف التاريخ وعن الماديّة التاريخية، عنى أن للتاريخ طبيعة مثلما أن للطبيعة تاريخاً. وقد وافق لابيكا سارتر Sartre ، حين رأى الأخير أن الماركسية تتمتع بالغنى لأنها المحاولة الأكثر جذرية لإضاءة السيرورة التاريخية بمجملها...
تعكس هذه العيّنة من الآراء بعضاً من مبررات ما سمِّي العودة إلى كارل ماركس، سواء ما اندرج منها في باب تأييد فكره أم في باب نقده. لكن، وعلى أهمية تلك المبررات، لم يكن هاجسنا في الكتابة عن الماركسية استدعاء ماركس من أجل استقباله من جديد. فماركس الماركسي لم يغب يوماً حتى يجري استدعاؤه بين فترة وأخرى. ذلك أنه مفكِّر كوني «حي»، طالما بقي النظام الرأسمالي يفرض سلطانه على البشرية. وسوف يتدفق بالحياة في كل مجتمع يبني نظامه على قواعد العدالة في توزيع الثروة والخيرات المادية...
وعلى أساس تلك الحياة كتبنا بهاجس إشكالي آخر. فرأينا أن الفكر الماركسي أُنتج من موقع نقيض للنسق الغربي السائد. وقد أمكنه ذلك أن يفضح مستور النسق لجهة علاقة الغرب مع العالم غير الغربي. وهذا ما جعله يتميّز بقابلية عالية على التَبيئة خارج حقله التاريخي، إذا ما أُعيد إنتاجه معرفياً بأشكال خلّاقة. لكن من جهة ثانية، بقي هذا الفكر يحمل في عددٍ من مفاهيمه بعضاً من تأثيرات النسق عليه من دون أن تبدّل في قواعد منهجيته العامة، أو تغيّر من طبيعة نظامه المعرفي الخاص...
إن الرؤية أعلاه تبلورت في هذا الكتاب في ثلاثة مباحث ومقالة. وقد وجّهت المقاربة في كل منها بكيفية مختلفة عن الأخرى.
مشاركات المستخدمين