أنت هنا

قراءة كتاب الحياة في بيوت فلسطين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحياة في بيوت فلسطين

الحياة في بيوت فلسطين

كتاب «الحياة في بيوت فلسطين (1855ـــ 1859)» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) هو حصيلة رحلات دوّنتها ماري إليزا روجرز أثناء مرافقتها لشقيقها إدوارد توماس روجرز الذي شغل مناصب ديبلوماسية وقنصلية في القدس ودمشق والقاهرة وحيفا التي يبدأ منها تدوين هذه الرحلات،

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3
كانت ماري إليزا روجرز نتاجا لمجتمعها وزمنها، وكانت ذات خلفية إنجيلية أصولية وأفكار تتناسب وهذه العقلية عند تفسير وفهم التاريخ والأحداث· ورغم نهجها الاستشراقي إزاء المجتمع العربي بمسلميه ومسيحييه، الا أنها كانت راوية صريحة وأمينة للحقائق التي تظهر مدى رسوخ المجتمع الفلسطيني وتمسكه بأركان ثقافته وثباته على تراب أرضه· بل إنها - باستقراء الكثير من الاوجه - عالمة مثقفة بعلوم الإنسان وباحثة غير متكلفة، تقيم صلة شخصية وثيقة بما تتناول من مواضيع، فضلاً عن استعدادها لخوض الصعاب من أجل الحصول على القصة بتفاصيلها·
 
وعلى الرغم من الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية المزرية التي سادت تلك الحقبة (كانعدام النظافة العامة، وتفشي المرض والجهل والإنقسامات الإجتماعية الصارخة) في فترة اصطبغت بالفساد وبتداعي أركان المؤسسات الرسميه للدولة العثمانيه، فإن السيدة روجز تكشف بكتابها هذا عن أصول المظاهر الاجتماعية والثقافية التي أقام عليها الفلسطينيون وما يزالون (من تقاليد وعادات في الطعام والتضامن والتراحم)·
 
لقد اطلعت السيدة روجرز خلال الأحاديث الحميمة التي كانت تتبادلها مع الذين عرفتهم من الفلسطينيين، على مؤشرات مهمة ودقيقة عن مقدار الوعي الفكري والسياسي المبكر للمجتمع· ومن الجليّ أن تلك الفترة شهدت بزوغ البدايات الأولى لنشوء الوعي القومي العربي، وما صاحبه من مد انتشاري وتنامٍ للإحساس بالعروبة كهوية قومية واضحة المعالم على المستوى الشعبي· وجاءت تعقيبات المؤلفة على الآثار الهدّامة للنظام العثماني على مسار التنمية والتطور التي يتوق المجتمع اليها، ومدى لهفة هذا المجتمع إلى الخروج من تلك الشرنقة الموغلة في التخلف طلباً للحرية في أماكن عديدة من الكتاب؛ علماً بأن هذا المنحى الفكري جاء على أيدي أفراد انحصرت تجربتهم في الداخل المحلي، وكانوا يتحلون ببعض القدرات الفكرية - إذ بدا وجود دوائر من مجموعات النقاش المنظمة التي لم يغب عنها العملاء الغربيون،-كالقناصل، بالحضور والمشاركة! - فكان ذلك - إن شئنا التعليل - إيذاناً بتطور الرأي العام المحلي المناصر لفكرة العروبة وما لاقته هذه الفكرة من اعتراضات والمسار الذي اتخذته في طريق تشّكلها كأيديولوجية منظمة!
 
تقدم ماري قصصا تنبض بالحيوية والدقة عن حياة المرأة داخل أجنحة الحريم المغلقة في البيوت في المدن والقرى الفلسطينية وتستعرض الأنماط الإجتماعية التي كانت تحكم حياة النساء ومعيشّتهن في تلك الفترة، وهو ما يمنح القارئ فرصة للتعرف عن كثب على الظروف المعيشية للنساء في كافة أطياف المجتمع الفلسطيني، مّسلطة الضوء على حياة النسوة الريفيات في قراهّن وبلداتّهن، وعلى سيدات المجتمع في المدن الأكبر والأكثر تعرضا للتأثير الغربي· وبالمجمل، فأن الصورة التي تقدمها ماري للحياة داخل أجنحة الحريم الخاصة بالنسوة فلسطينيات من شتى الخلفيات الإجتماعية والعرقية والدينية، تساعدنا على التعرف عليّهن وعلى سلوكّهن في الأفراح والأتراح والعديد من الأحداث الحياتية الأخرى التي كنّ يعشنها في تلك الفترة· كما تطرقت ماري بكثير من الإسهاب الى موجة الحداثة التي كانت تجتاح بعض الأوساط النسوية الفلسطينية خصوصا في البلدات والمدن· وفي الوقت الذي نتعرف فيه عبر صفحات الكتاب على سيدات ونساء بدأن بالتأثر بالنمط الغربي في المعيشة والسلوك الإجتماعي، نرى أيضا نسوة متمسكات بعاداتهن وموغلات في الإيمان والتشبث بالخرافات والأساطير والتفكير المحافظ الذي يتماشى وطبيعة المجتمع الفلسطيني خصوصا والشرقي عموما، في تلك الفترة الزمنية·
 
إن هذا السِفر لهو كنز من المعلومات عن الكثير من المواضيع التي كانت حاضرة في تلك الحقبة· وإذا شئنا ذكر بعضها في هذا المقام فسنجد أن الكتاب يرسم خارطة طريق توضح تضاريس فلسطين ومناطقها للقراء العرب: أي المدن والقرى التي طُمِست بفعل السياسة الإسرائيلية / الصهيونية القاضية بمحو وطمس الذاكرة الفلسطينية· كما أحيت المؤلفة بكتابها مناحي حياتية لم تجر العادة بسبرها أو دراستها دراسةً وافية على أيدي الباحثين والمؤرخين· وفي حين استأثرت القدس باهتمام وعاطفة الكثير من الكتّاب ذوي الميول السياسية والفكرية، غُض الطرف عن البلدات الصغيرة والكفور والقرى والحواضر الشمالية في تلك الحقبة المبكرة من التاريخ الفلسطيني الحديث· لذلك يعتبر هذا الكتاب مصدراً ممتازاً للمعلومات في هذا الخصوص·

الصفحات