أنت هنا

قراءة كتاب قصص الأنبياء الجزء الأول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قصص الأنبياء الجزء الأول

قصص الأنبياء الجزء الأول

كتاب قصص الأنبياء الجزء الأول للكاتب والمؤلف أبن كثير، يتناول فيه ابن كثير قصص الأنبياء والرسل، جمعها في كتاب، ليسهل الانتفاع بها، وقد بين قصصهم - عليهم السلام - من خلال ما جاء في آيات القرآن والأحاديث النبوية والمأثور من الأقوال والتفاسير

تقييمك:
4.08165
Average: 4.1 (49 votes)
المؤلف:
دار النشر: ektab
الصفحة رقم: 7
قالوا: وهذا كقوله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجنَّة} واللام ليس للعموم، ولم يتقدم معهود لفظي، وإنما هي للمعهود الذهني الذي دل عليه السياق وهو البستان.
 
قالوا: وذكر الهبوط لا يدل على النزول من السماء، قال الله تعالى: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} وإنما كان في السفينة حين استقرت على
 
الجوديّ ونضب الماء عن وجه الأرض أمر أن يهبط إليها هو ومن معه مباركاً عليه وعليهم. وقال الله تعالى: {اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} الآية. وقال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} الآية. وفي الأحاديث واللغة من هذا كثير.
 
قالوا: ولا مانع - بل هو الواقع - أن الجنَّة التي أسكنها آدم كانت مرتفعة عن سائر بقاع الأرض، ذات أشجار وثمار وظلال ونعيم ونضرة وسرور، كما قال تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى} أي لا يذل باطنك بالجوع ولا ظاهرك بالعرى {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} أي لا يمس باطنك حر الظمأ ولا ظاهرك حر الشمس، ولهذا قرن بين هذا وهذا، وبين هذا وهذا، لما بينهما من الملاءمة. فلما كان منه ما كان من أكله من الشجرة التي نهي عنها، أهبط إلى أرض الشقاء والتعب والنصب والكدر والسعي والنكد، والابتلاء والاختبار والامتحان، واختلاف السكان ديناً وأخلاقاً وأعمالاً، وقصوداً وارادات وأقوالاً وأفعالاً، كما قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}. ولا يلزم من هذا أنهم كانوا في السماء كما قال: {وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً} ومعلوم أنهم كانوا فيها ولم يكونوا في السماء.
 
قالوا: وليس هذا القول مفرعاً على قول من ينكر وجود الجنَّة والنار اليوم ولا تلازم بينهما، فكل من حكى عنه هذا القول من السلف وأكثر الخلف، ممن يثبت وجود الجنَّة والنار اليوم، كما دلت عليه الآيات والأحاديث الصحاح. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
 
وقوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشّيْطان عَنْهَا} أي عن الجنَّة {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} أي من النعيم والنضرة والسرور إلى دار التعب والكد والنكد، وذلك بما وسوس لهما وزينه في صدورهما، كما قال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشّيْطان لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ} يقول: ما نهاكما عن أكل هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، أي لو أكلتما منها لصرتما كذلك {وَقَاسَمَهُمَا} أي حلف لهما على ذلك {إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ} كما قال في الآية الأخرى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشّيْطان قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} أي هل أدلك على الشجرة التي إذا أكلت منها حصل لك الخلد فيما أنت فيه من النعيم، واستمررت في ملك لا يبيد ولا ينقضي؟ وهذا من التغرير والتزوير والإخبار بخلاف الواقع.
 
والمقصود أن قوله شجرة الخلد التي إذا أكلت منها خلدت. وقد تكون هي الشجرة التي قال الإمام أحمد: حَدَّثَنا عبد الرحمن بن مهدي، حَدَّثَنا شعبة، عن أبي الضحاك، سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: "إن في الجنَّة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، شجرة الخلد". وكذا رواه أيضاً عن غندر وحجاج، عن شعبة. ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" عن شعبة أيضاً به. قال غندر: قلت لشعبة: هي شجرة الخلد؟ قال: ليس فيها هي. تفرد به الإمام أحمد.
 
وقوله: {فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجنَّة} كما قال في طه {فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجنَّة} وكانت حَوَّاء أكلت من الشجرة قبل آدم، وهي التي حدته على أكلها والله أعلم.
 
وعليه يحمل الحديث الذي رواه البُخَاريّ: حَدَّثَنا بشر بن محمد، حَدَّثَنا عبد الله، أنبأنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه: "لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حَوَّاء لم تخن أنثى زوجها".
 
تفرد به من هذا الوجه، وأخرجاه في "الصحيحين" من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة به، ورواه أحمد ومسلم عن هارون بن معروف، عن أبي وهب، عن عمرو بن حارث، عن أبي يونس، عن أبي هريرة به.
 
وفي كتاب التوراة التي بين أيدي أهل الكتاب: أن الذي دل حَوَّاء على الأكل من الشجرة هي الحية، وكانت من أحسن الأشكال وأعظمها، فأكلت حَوَّاء عن قولها وأطعمت آدم عليه السلام، وليس فيها ذكر لإبليس، فعند ذلك انفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان، فوصلا من ورق التين وعملا مآزر. وفيها: أنهما كانا عريانين. وكذا قال وهب بن منبه: كان لباسهما نوراً على فرجه وفرجها.
 
وهذا الذي في هذه التوراة التي بأيديهم غلط منهم، وتحريف وخطأ في التعريب؛ فإن نقل الكلام من لغة إلى لغة لا يكاد يتيسر لكل أحد، ولا سيما ممن لا يعرف كلام العرب جيداً، ولا يحيط علماً بفهم كتابه أيضاً، فلهذا وقع في تعريبهم لها خطأ كثير لفظاً ومعنى. وقد دل القرآن العظيم على أنه كان عليهما لباس فيقوله: {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} فهذا لا يرد لغيره من الكلام والله تعالى أعلم.
 
وقال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنا علي بن الحسن بن أسكاب، حَدَّثَنا علي بن عاصم، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أُبَيّ بن كَعب قال: قال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: "إن الله خلق آدم رجلاً طوالاً كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق، فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه، فأول ما بدا منه عورته، فلما نظر إلى عورته جعل يشتد في الجنَّة، فأخذت شعره شجرة فنازعها، فناداه الرحمن عزّ وجلّ: يا آدم مني تفر؟ فلما سمع كلام الرحمن قال يا رب لا، ولكن استحياء".
 
وقال الثوري عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجنَّة} ورق التين.
 
وهذا إسناد صحيح إليه، وكأنه مأخوذ من أهل الكتاب، وظاهر الآية يقتضي أعم من ذلك، وبتقدير تسليمه فلا يضر، والله تعالى أعلم.

الصفحات