أنت هنا

قراءة كتاب النحو العربي في ضوء اللسانيات الحديثة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النحو العربي في ضوء اللسانيات الحديثة

النحو العربي في ضوء اللسانيات الحديثة

يقوم هذا البحث بمناقشة مشكلات النحو ودعوات تجديده. وأهم محاور دعوات التجديد: إلغاء العامل، والتجديد في الإعراب؛ في الفصل الأول. ويجيب الفصل الأول عن تساؤلين مهمين: هل أزمة النحو العربي من النحو ذاته أو من طبيعة اللغة العربية؟

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 3

مشكلات النحو العربي

تبرز أزمة النحو العربي من النحو ذاته حين صار نوعاً من التحليل الفلسفي الذي لا يراعي طبيعة اللغة. وقال بعض أهل الأدب: «كنا نحضر عند ثلاثة مشايخ من النحويين؛ فمنهم من لا نفهم من كلامه شيئاً، ومنهم من نفهم بعض كلامه دون البعض، ومنهم من لا نفهم جميع كلامه، فأما من لا نفهم من كلامه شيئاً، فأبو الحسن الرماني، وأما من نفهم بعض كلامه دون البعض فأبو علي الفارسي، وأما من نفهم جميع كلامه فأبو سعيد السيرافي»(9). وقد جاءت بعض كتب النحو أشبه بالألغاز من أن تكون قوانين مستمدة من اللغة، بل إن بعضها سُمّي بالألغاز، فاستعصت على المعلمين والمتعلمين، ومن أهم المشكلات البارزة في نظرية النحو العربي:
1 - الاضطراب المنهجي في التقعيد الذي نتج من لجوئهم إلى المنطق، إذ ركزوا على النظرة المعيارية التي تعني محاولة الوصول إلى مجموعة من القوانين والضوابط المطّردة، وفرضها على أهل اللغة، فاتخذوا القياس المنطقي لهم منهجاً وطريقاً من طرائق التفكير في النحو. والقياس في حد ذاته مبدأ مقبول مشروع في كل العلوم، شريطة أن يكون هناك توافق أو تماثل بين المقيس والمقيس عليه في السمات والصفات، ولكن النحويين بالغوا في تطبيق هذا المبدأ(10). فقد استعانوا به في تسويغ أحكامهم الشاذة مثل إعطاء (لم) حكم (لن) في عمل النصب؛ ذكره بعضهم مستشهداً بقراءة بعضهم «أَلَمْ نَشْرحَ»(11).
2 - كثرة العلل الثواني والثوالث أو العلة وعلة العلة؛ «واعتلالات النحويين على ضربين؛ ضرب منها هو المؤدي إلى كلام العرب؛ كقولنا: كل فاعل مرفوع. وضرب آخر يسمى علة العلة، مثل أن يقولوا لِمَ صار الفاعل مرفوعاً والمفعول به منصوباً؟»(12)، كمن يسأل عن الرجل في (ذهب الرجل) لمَ رفع؟ فيقال: لأنه فاعل مرفوع (وهذه العلة الأولى) فيقول: لم رفع الفاعل؟ فيقال: للفرق بين الفاعل والمفعول (هذه العلة الثانية)، فيقول: لماذا اختص الفاعل بالرفع والمفعول بالنصب؟ فيقال: لأن الفاعل قليل والمفعولات كثيرة فأُعطيَ الأثقل الذي هو الرفع الفاعل وأعطي الأخف الذي هو النصب للمفعول؛ لأن الفاعل واحد والمفعولات كثيرة، ليقلّ في كلامهم ما يستثقلون، ويكثر في كلامهم ما يستخفون. وقد توسّع بعض النحويين في العلل حتى تجاوزت العلل الثلاث، مثلما نجد عند أبي الحسن الورّاق الذي قد يحشد للحكم النحوي الواحد أكثر من ثلاث علل. «وقد يتعدى ذلك في بعض المواضع فيصل إلى العشر أو يزيد، ويكون عنده أحياناً توليد للعلل داخل الحكم الواحد فتصل إلى ست عشرة علة أو تزيد، وإمعاناً في التفصيل والاسترسال لم يكتف بتعليل موجود بل علل ما استعملوه، وما تجنبوه»(13). وبعض النحويين يقتصر على العلل الأُوُل والثواني فقط؛ مثل أبي بكر السراج الذي يقول في مقدمة كتاب الأصول مكتفياً بالعلل الأُوُل والثواني: «وغرضي في هذا الكتاب ذكر العلة التي إذا اطردت وصل بها إلى كلامهم فقط وذكر الأصول والشائع لأنه كتاب إيجاز»(14).
3 - المبالغة في نظرية العامل اللفظي والمعنوي، ونسبة كل أثر لغوي إلى عامل وتنازعهم على ذلك، ومنه مسألة القول في عامل رفع الفعل المضارع؛ «فذهب أكثرهم إلى أنه يرتفع لتعرّيه من العوامل الناصبة والجازمة. وذهب الكسائي إلى أنه يرتفع بالزائد في أوله، وذهب البصريون إلى أنه يرتفع لقيامه مقام الاسم»(15) وتنازعهم على العامل في رفع المبتدأ، وإذا اجتمع عاملان على معمول واحد أيهما أولى بالعمل، وسمو ذلك باب التنازع في العمل. وقد ذهب الكوفيون في إعمال الفعلين في قولنا: «أكرمني وأكرمت زيداً»، و«أكرمت وأكرمني زيد» إلى أنّ إعمال الفعل الأول أولى. وذهب البصريون إلى أن إعمال الفعل الثاني أولى(16). ويرى بعض الدارسين أن فكرة العامل بريئة من كل ما ينسب لها من تعقيد، وأن المقصود منها التقريب والتيسير على الدارسين؛ حتى يسهل عليهم الربط بين اللفظ المعين وعلاقته بالألفاظ الأخرى، وما يترتب على ذلك من ضبط خاص لهذه الألفاظ(17).
4 - كثرة التقديرات، وهذا ناتج من تعسف النحويين في نظرية العامل أو القياس، لأنهم جعلوا سبب كل حركة إعراب عاملاً لفظياً أو معنوياً، ولا يكون دائماً في الكلام عامل ظاهر ملفوظ. ومن الصعب على النحويين أن يجدوا لكل حركة إعرابية عاملاً لفظياً يأتي قبلها، أو تستقيم لهم القاعدة دائماً ليقيسوا عليها، ولهذا لجأوا إلى التقدير في اختصاص أدوات الشرط بالدخول على الأفعال(18)؛ فإذا ذُكر لهم قوله تعالى:(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ)(19). لماذا رُفع «أحدٌ» قالوا: هو مرفوع بفعل محذوف تقديره « وإِنْ اسْتَجَارَكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ». وقوله تعالى: ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭼ(20) وسألتهم عن العامل الذي رفع كلمة «الشَّمْسُ» أجابوك: إنه فعل مستتر تقديره «كُوِّرَتْ» فتصبح الآية: «إذَا كُوِّرَتِ الشَّمْسُ كُوِّرَتْ».

الصفحات