أنت هنا

قراءة كتاب النحو العربي في ضوء اللسانيات الحديثة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النحو العربي في ضوء اللسانيات الحديثة

النحو العربي في ضوء اللسانيات الحديثة

يقوم هذا البحث بمناقشة مشكلات النحو ودعوات تجديده. وأهم محاور دعوات التجديد: إلغاء العامل، والتجديد في الإعراب؛ في الفصل الأول. ويجيب الفصل الأول عن تساؤلين مهمين: هل أزمة النحو العربي من النحو ذاته أو من طبيعة اللغة العربية؟

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 4

5 - الاتكال على العلامة الإعرابية باعتبارها كبرى الدوال على المعنى، ثم إعطاؤها من الاهتمام الكبير ما دعا النحويين إلى أن يبنوا نحوهم كله عليها، بينما هو أداة من أدوات النحو المتعددة. وقد وقع النحويون ضحية اهتمامهم الشديد بالعلامة الإعرابية حين رأوا النصوص العربية تهمل الاعتماد على الحركة أحياناً فتضحي بها لأن المعنى واضح بدونها اعتماداً على غيرها من القرائن اللفظية والمعنوية، ومن ذلك قوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)(21) فما الذي رفع «الصابئون»؟ والجواب أن قرينة التبعية لوضوحها أغنت عن قرينة العلامة الإعرابية(22).
6 - التمارين غير العملية التي صنعوها للدربة والرياضة اللغوية؛ من ذلك قول سيبويه: «وأما قول النحويين قد أعطاهوك وأعطاهوني؛ فإنما هو شيء قاسوه ولم تتكلم به العرب، ووضعوا الكلام في غير موضعه»(23). يقول ابن جني: «وذلك عندنا على ضربين أحدهما الإدخال (لما تبنيه) في كلام العرب والإلحاق له به، والآخر التماسك الرياضة به والتدرب بالصنعة فيه؛ الأول: نحو قولك: في مثل (جعفر) من (ضرب) (ضربب)»(24) إضافة إلى كثرة الشواهد الشاذة بين ثنايا كتب النحو، وذلك ما يؤكده محمد حسن شُرَّاب في مقدمة كتابه: «شرح الشواهد الشعرية، في أُمَّات الكتب النحوية، 2007م». فقد وجد أنَّ الشواهد الشعرية لا تشملُ القواعدَ النحوية كلَّها، وأكثر الشواهد النحوية ما كانت موضع خلاف، أو فيما شذَّ عن القاعدة، أما المسائل المتَّفق عليها فقليلةٌ في الشواهد. وهذا ما يظهر بصورة جلية في كتاب: «الإنصاف في مسائل الخلاف» لأبي البركات الأنباري.
7 - اختلاف الأقوال في المسألة الواحدة، لأن النحويين القدماء حين قعّدوا قواعدهم أقحموا اللهجات العربية بصفاتها وخصائصها المتباينة، ونظروا إليها على أنها صور مختلفة من اللغة المشتركة، وهذا ما يراه مختار عمر(25) وعباس حسن، ولكن «إذا كان عباس حسن وأمثاله يعتبرون أن النحاة وسعوا في غير تبصّر مجال اللغة التي قنّنوها، فقد ذهب آخرون إلى اعتبارهم قد قصروا اهتمامهم على ظواهر لغوية معدودة ليست هي كل النحو بل لا تمثل منه إلا جزءاً يسيراً(26)؛ مثل تمام حسان الذي يرى أن النحويين اقتصروا على قبائل دون غيرها وأنهم وضعوا معايير خاصة للانتقاء»(27).
8 - تداخل المصطلحات وتعددها للمفهوم الواحد والتباسها؛ مما أدى إلى الاضطراب وعدم الوضوح. ومع أن المصطلحات قد اختلفت بين النحويين إلا أنها تتقارب في الدلالة اللغوية(28)، لكن الخصومة بين البصريين والكوفيين في رفضهم لمصطلحات بعضهم جعلت الأمر أكثر سوءاً. مثلاً نجد عند الكوفيين مصطلحات: (الترجمة، والتبيين، والتكرير، والمردود) كلها لما يسمى عند البصريين: (البدل)، وسيبويه يسمي (عطف البيان) بدلاً. ويُطلق الفراء (التفسير) على ما عُرف عند البصريين بمصطلح (المفعول لأجله) ويطلقه أيضاً على (التمييز)(29).
9 - القصور في تعريفات المصطلحات النحوية أو إهمالها، ويبدو هذا القصور ظاهراً في جل كتب النحو، حيث يلاحظ أنها جاءت أحياناً خاطئة أو متناقضة أو تصادفها بعض الاستثناءات. ومن الحدود ما تعلق تعلقاً كبيراً بالجانب المنطقي الأرسطي، مما جعلها ترد في ثوب اصطلاحي معقد، وأحياناً تفتقر إلى الوضوح والدقة، والدليل على ذلك ما نجده مثلاً في تعريف الاسم. يذكر الأنباري أن النحويين ذكروا للاسم حدوداً كثيرة تزيد على السبعين(30). وقد أورد الزجاجي عدداً كبيراً من التعريفات المتشابهة والمتباينة التي يصف بعضها بالفساد، من ذلك: «حد الاسم في كلام العرب ما كان فاعلاً أو مفعولاً واقعاً في حيز الفاعل والمفعول به»(31)... وأما سيبويه فلم يحدّ الاسم حداً يفصله من غيره ولكن مثّل له فقال «الاسم: رجل وفرس»، وعلل النحويون بعده عدم تعريف الاسم بالحد بأنه «ترك تحديده ظناً منه أنه غير مشكل»(32).
وهكذا نجد أن النحو العربي بالرغم من أنه علم مكتمل يسير على منهج علمي محدد، إلا أنه يعاني من بعض المشكلات الذاتية؛ من مبالغة في التعليلات التي لا طائل منها، أو التعسف في الاحتكام لنظرية العامل اللفظي؛ مما أدى بهم إلى كثرة التقديرات والتأويلات. واعتبار الإعراب هو كل النحو ودليل معانيه بينما هو أداة من أدواته المتعددة، وإدخال التمارين غير العملية للتباهي بالمهارات النحوية، إضافة إلى اختلاف أقوال النحويين في المسألة الواحدة، وتداخل المصطلحات وقصور تعريفاتها.

الصفحات