أنت هنا

قراءة كتاب دروب النعيم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دروب النعيم

دروب النعيم

كتاب " دروب النعيم " ، تأليف جيمس آلان ، ترجمة جانبوت وليد حافظ ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر عام 2014 .
 ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

يعتقد الأحمق أن الإخفاقات الصغيرة، وبعض التساهل، والخطايا الصغيرة لا عواقب لها، ويقنع نفسه بأنه ما لم يرتكب أفعالاً لا أخلاقية واضحةً فهو شخص فضيل، وربما مقدس، لكنه بهذا يتجرد من الفضيلة والقداسة، وعلى هذا يعرفه العالم، فلا يحترمه أو يعجب به ولا يحبه، بل إنه يتجاوزه، ولا يحسب له حساباً، ويتجرد من تأثيره. إن جهود مثل هذا الشخص لجعل العالم أكثر فضيلةً، وعظاته لرفاقه لترك الرذائل الكبيرة، فارغةٌ من المحتوى وعقيمة الثمار. عدم الاهتمام الذي يبديه تجاه رذائله الصغيرة يشوب شخصيته بأكملها وهو مقياس رجولته، فيُنظر إليه على أنه شخص غير مهم. رعونته في ارتكابه لهفواته ونشره لضعفه تعود عليه استخفافاً وفقداناً للتأثير والاحترام، فلا يسعى إليه أحد. ومن يمكن أن يسعى وراء أحمق؟ لا تزدهر أعماله، فمن يمكن أن يتكئ على قصبة فارغة؟ وتقع كلماته على آذان صماء لأنها خالية من الخبرة والحكمة والتجربة، ومن يمضي خلف سراب فارغ؟

الرجل الحكيم، أو من يزداد حكمةً يرى الخطر الكامن في تلك الأخطاء الشخصية الشائعة التي يرتكبها معظم الناس دون تفكير منهم راجين الإفلات من العقاب، يرى أيضاً الخلاص المرافق لترك هذه الأخطاء وممارسة أفكار الفضيلة وأفعالها التي يبخسها أغلبية الناس أهميتها، وفي تلك اللحظات الهادئة والهامة جداً يظهر ضبط النفس الخفي عن عيون الآخرين.

من يفكر بأكثر آثامه إزعاجاً على أنها قاتلة بطبيعتها يصبح قديساً. فيرى التأثيرات البعيدة سواء الجيدة أو السيئة التي تمتد لتتغلغل في كل أفكاره وأفعاله، وكيف أنه يصنع نفسه أو يدمرها من خلال سلامة أو عدم سلامة تلك التفاصيل التي لا تعـدُّ لتصرفاته التي تتجمع لتشكل شخصيته وحياته، لذا تجده يراقب ويحرس وينقِّـي ويدفع بنفسه إلى المثالية شيئاً فشيئاً وخطوةً بعد أخرى.

كما يتكون المحيط من نقاط الماء، والأرض من حبات التراب، والنجوم من نقاط من الضوء، كذلك الحياة مكونة من الأفكار والأفعال. من دونها ما وجدت الحياة. وعليه فإن حياة كل إنسان هي نتيجة ما تصنعه أفكاره وأفعاله التي تبدو مستقلة بعضها عن بعض في الظاهر. التركيبة بينها هي ذاته، وكما تتألف السنة من عدد محدد من اللحظات المتتالية، كذلك تتألف شخصية الإنسان من عدد محدد من الأفكار المتتالية والأفعال، والكـلُّ المكتمل يحمل دمغة هذه الأجزاء.

"يجب الأخذ بكل الأشياء والمناخات

وجمعها معاً لتكون السَّـنةُ ويكون الكوكب"

قليل من اللطف والكرم والتضحية يصنع الشخصية الكريمة، وقليل من إنكار الذات والتحمل والانتصار على النفس يصنع الشخصية القوية والنبيلة. والشخص الصادق فعلاً صادق في أدق تفاصيل حياته، والنبيل نبيل في كل الأشياء الصغيرة التي يقولها ويفعلها.

إنه لَـوهمٌ قاتل بالنسبة إلى الإنسان أن يعتقد بأن الحياة مستقلة عن الأفكار والأفعال الآنية، وألا يفهم أن الفكرة العابرة والفعل العابر هما أساس الحياة ومادتها. عند فهم هذا الأمر تماماً ترى الأشياء مقدسةً، ويصبح في كل فعلٍ شيءٌ من الـدِّين. تأتي الحقيقة مغلفةً بتفاصيل لا تنتهي، والتعمق هو العبقرية.

"تتلاشى الأملاك وتتغير الآراء

وتراوح الرغبات مكانها

لكن في عواصف الظروف

يبقى الواجب مكانه لا يتزعزع

ولا يكبر أو يصغر".

أنت لا تعيش حياتك بالمجمل، بل إنك تعيش أجزاءها، ومنها ينبثق هذا المجمل. وتملك الإرادة لتعيش كل جزء منها بنبلٍ إذا اخترت هذا، وعند القيام بهذا فلن يكون هناك أي جزء من الانحطاط في الكل المكتمل. إن مقولة "انتبه للفلس، وستعتني الليرات بنفسها"، هي مقولة يرى فيها أكثر من الحكمة الدنيوية عندما يتم تطبيقها روحانياً، لأنك حين تهتم بالفعل الحاضر عارفاً بأن القيام بهذا يحافظ على المجموع الإجمالي المتمثل في الشخصية وفي الحياة، وهذا معنى الحكمة القدسية. لا تتشوق إلى القيام بأمور عظيمةٍ جديرة بالثناء، فستنجز هذه نفسها إذا قمت بواجبات الحاضر بنبل. لا تغضب من القيود والعوائق أمام واجبك في الوقت الحاضر، بل كنْ نبيلاً غير أناني في قيامك بها، وضع جانباً السخط والفتور والتفكير الأحمق بالأفعال العظيمة التي تتجاوزك، ويا للعجب! العظمة التي سعيت إليها تبدأ بالظهور. وليس هناك ضعفٌ كالمكابرة. فاطمح إلى تحقيق النبل الداخلي، لا المجد الخارجي، وابدأ بتحقيقه أينما كنت الآن.

الإزعاج والحرقة التي تشعر بهما لقيامك بمهمتك موجودان في ذهنك وحدك. غيِّـر موقفك الذهني تجاهها، وستفتح الطريق أمامك فوراً، وتتحول التعاسة إلى فرح.

احرص على أن تكون لحظاتك العابرة كلها قويةً صافية وهادفة، وازرع الصدق والغيرية في كل مهمة تمر بك، واجعل كل فكرةٍ وكلمةٍ وفعل جميلاً وحقيقياً، وتعلم من خلال التجربة والممارسةِ القيمةَ التي لا تقدر للأشياء الصغيرة في الحياة، وستجمع شيئاً فشيئاً النعمة الوافرة والباقية.

الصفحات