قراءة كتاب الجيش العراقي بين خطورة السياسة وشح السلاح (1958-1921)

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الجيش العراقي بين خطورة السياسة وشح السلاح (1958-1921)

الجيش العراقي بين خطورة السياسة وشح السلاح (1958-1921)

كتاب " الجيش العراقي بين خطورة السياسة وشح السلاح (1958-1921) " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

الخلفية التاريخية

لقرون عدة ظل العراق مركزاً للحضارة العربية الإسلامية وبغداد عاصمة الخلفاء العباسيين، حيث أنهى المغول سيادتهم في عام 1258م. ومنذ ذلك الوقت فصاعداً تعاقب على حكم العراق قوى أجنبية من البلدان المجاورة. كان العثمانيون، الذين سيطروا على العراق في ثلاثينيات القرن السادس عشر، آخر تلك القوى والأكثر استمراراً حيث أبقوا على قوة تركية قوية في بغداد حتى عام 1917.

فُرضت الإدارة العثمانية نفسها على العراق من خلال ثلاثة ولايات، بغداد والموصل والبصرة، وكل واحدة منها يحكمها والٍ مسؤول مباشرة أمام والي اسطنبول. يساعد الوالي مجلس إداري (ديوان)، يضم كبار الموظفين، والقادة العسكريين، والعلماء المحليين، وممثل عن الأعيان، والتجار، وأعضاء رابطات وجماعات الصوفيين([1]).

كانت الولايات العراقية جزءً من الحدود الحيوية مع بلاد فارس، التي يجب أن يُدافع عنها بكل التكاليف([2]). مع هذا فإن العراق عُد "سيبيريا تركيا"([3]). فالموظفون الذين يفقدون رضا والي إسطنبول كانوا يبعثون إلى هذا الجزء المنعزل من الإمبراطورية. باستثناء "مدحت باشا" (1869 – 1872)، حيث لم يكن هؤلاء الولاة مصلحين. فهدفهم الرئيس كان تجنيد الجنود للجيش العثماني وجمع الضرائب، التي معظمها ترسل إلى إسطنبول.

إن تحديث الإدارة العثمانية، المتمثلة في العراق بمحاولات مدحت باشا، أدى إلى خلق طبقة كبيرة وذات نفوذ من موظفي الحكومة، وهي طبقة الأفندية. هؤلاء الأفندية وصُفوا من قبل الكاتب (لونكريك) بأنهم "فاسدون وبعيدون عن كل روح خدمة عامة، فهم عدوا الأمة كهيئة سياسية طبقتهم الخاصة، مستحقرين القبيلة والفلاح"([4]).

كان العراق يتكون آنذاك من جماعات أثنية مختلفة. فغالبية السكان هم من العرب، مع أقليات كالكرد والتركمان والفرس والترك والأرمن. أما المسلمون فهم الغالبية مقسمين بين سنة وشيعة. والأقليات الدينية تشمل اليهود في بغداد والبصرة، والنصارى المستقرين في بغداد إلى الجيش أو المؤسسات الدينية والحكومية ضمن مستويات أدنى([5]). فالخدمة في الجيش العثماني كانت مفتوحة للجميع([6]). وفي ولاية مدحت باشا أنشأوا أول مدرسة ابتدائية عسكرية (الرشدية) في بغداد في عام 1871. كما أسست مدرسة مماثلة في السليمانية في عام 1893. كان بإمكان الطالب بعد إكماله دورة لمدة أربع سنوات التقدم إلى مدرسة ثانوية عسكرية (إعدادية). هذه المدرسة كانت قد أنشأت في بغداد في عام 1878([7]). تخرج في الدورة الأولى في عام 1881 (13) طالب جميعهم أرسلوا إلى إسطنبول للدراسة في الأكاديمية العسكرية (الحربية). تزايدت الأعداد على نحو منتظم منذ عام 1899، حيث تخرج (76) طالب التحقوا بالحربية في اسطنبول([8]). وفرت المدارس العسكرية للطلاب المنحدرين من خلفيات فقيرة أو ذات الدخل المتوسط([9]). فرصتهم الوحيدة لدخول الأكاديمية العسكرية في عاصمة الإمبراطورية. فإسطنبول كانت البوابة إلى المدن الأوروبية وإلى تحقيق آمالهم الشخصية([10]). فمهنة العسكرية لشاب عراقي لامع، كانت السبيل إلى الارتقاء الاجتماعي([11]). وإن منصب في الجيش العثماني ومنزلته الاجتماعية المصاحبة مثلت لبعضهم إمكانية تغير اجتماعي مؤثر([12]).

هناك عاملان آخران شجعا العراقيين الشبان على دخول المدرسة العسكرية. فالمدارس الثانوية العسكرية والأكاديمية العسكرية وفرت سكناً مجانياً بما فيه المبيت والمأكل والمشرب للطلاب مع دفع رواتب معقولة لهم([13]). كما أن الاقتداء بالأقارب الذين كانوا ما يزالون يتابعون مهنهم العسكرية وتأثيرهم عمل كقوة محفزة شديدة للعديد من هؤلاء الشبان. فعلى سبيل المثال، اقتدى "ياسين وطه الهاشمي" (أصبحا رئيساً وزراء في العراق) بأخيهما الأكبر داود في الدخول إلى الجيش، كذلك فعل "صلاح الدين الصباغ" مع أخيه الأكبر حسن شوقي. أما جعفر العسكري (اصبح فيما بعد رئيساً للوزراء)، وشقيقاه الأصغران، تحسين وعلى رضا، فحذوا حذو أبيهم. كذلك فهمي سعيد وصالح صائب الجبوري (أصبح فيما بعد رئيساً لأركان الجيش) اقتديا بآبائهما([14]). هذا التأثير أيضاً انطبق على أبناء الجيران في المحلة الواحدة أو بين الأصدقاء في المدرسة المتوسطة. ففي بعض الأحيان كان الدخول إلى مدرسة الرشيدية قرار جماعي.

أصبح العراقيون غالبية بين العرب في سلك ضباط الجيش العثماني([15]). وكان هؤلاء العراقيون من أهل السنة لأن سياسة التمييز العثمانية منعت الشيعة من المدارس العسكرية وسلك الضباط([16]). أما غير المسلمين (اليهود والنصارى) فاستثنوا من الخدمة العسكرية برمتها بدفع البدل النقدي (بدل الإعفاء[17]).

كانت هذه المرحلة للعراقيين الشباب الذين تمكنوا من أن يصلوا إلى إسطنبول، هي الأكثر تكويناً لحياتهم. فهم تأثروا بتنوع الآراء والأفكار. فالدراسة في الأكاديمية العسكرية ومدرسة الأركان كانت مؤثرة على نحو خاص. ربما هم احتكوا بضباط ألمان (بما فيهم فون دير كولتز). وبقادة عسكريين مثل الفريق "محمود شوكت باشا" (لاحقاً رئيس وزراء الإمبراطورية العثمانية) والفريق "هادي باشا العمري" (لاحقاً رئيس أركان الجيش العثماني)، وكلاهما عراقيان، الذين كان لهم تأثير كبير([18]).فضلاً عن ذلك بعد أن أصبح هؤلاء الشبان ضباطاً أُرسل بعضهم إلى أوربا للتدريب، بخاصة إلى ألمانيا وفرنسا، حيث دخلوا دورات لمدة ثلاث أو أربع سنوات. فتأثروا في تلقيهم التقنية الحديثة وتحفّز وعيّهم بالعقيدة السياسية الغربية([19]).

الصفحات