كتاب " دافيد بن جوريون " ، تأليف تهاني سلامة هلسة ، والذي صدر عن دار آمنة للنشر
قراءة كتاب دافيد بن جوريون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ومع أن اليهود أنفقوا وقتا طويلا للاقتناع بعمل الحراس إلا إنه ما أن حل العام 1914 حتى أصبحت كل المستعمرات محروسة بهذا الشكل. وفي العام 1920 عندما رأى الحراس أن رسالتهم انتهت بمجيء الحكم البريطاني الصديق لهم , حلوا المنظمة من تلقاء أنفسهم وأنضموا إلى الهاجاناه([31]) . بل ويقال أن الهاجاناه ما هي إلا تطور طبيعي للحراس([32]).وقد كان صديق بن جوريون شالوم زمكا ضد فكرة تكوين حرس يهودي وقال أن ذلك سيؤدي إلى صراع بين العرب واليهود. والواقع أنه منذ جاء الصديقان إلى فلسطين ظهر الاختلاف في الرأي بينهما. فقد رفض شالوم الانضمام إلى حزب عمال صهيون لأنه رأي أنه حزب مستورد لا يلائم طبيعة فلسطين وانضم إلى حزب العامل الفتى الذي كان حزبا اشتراكيا ولكنه يتبع اشتراكية مرنة بشّر بها جوردن Gordon . اشتراكية تتكيف مع الاحتياجات المحلية وإعادة البناء الاجتماعي في فلسطين. وقد رفضت مبدأ الصراع الطبقي والآراء الماركسية الأخرى التي كان يتبناها حزب عمال صهيون الذي انضم إليه بن جوريون. ولكن حتى عمال صهيون الفلسطينيين الذين كانوا تابعين للاتحاد العالمي للصهيونيين الاشتراكيين أي The World Federation of Socialist Zionists والذين كانوا يؤمنون نظريا بكل العقائد الماركسية لم يستطيعوا تطبيقها في فلسطين لأن المشكلات العاجلة في ذلك الحين كانت : العمل و الدفاع وإحياء اللغة العبرية. وكانت نظرية الصراع الطبقي بعيدة وغير واقعية في مثل هذه الأحوال([33]).
وبعد أن تعقدت الأمور بين بن جوريون وأتباعه وبين أتباع العامل الفتى انفصل الحزب الأخير وكوّنوا مستعمرة جديدة هي مستعمرة روش بينا Rosh Pina . وفي ذلك الحين أسس عمال صهيون أول مستعمرة اشتراكية (كيبوتز) في فلسطين وهي مستعمرة داجانيا التي كان اسمها الأصلي أم جوني([34]) .لم يكن بن جوريون مع الذين كوّنوا هذه المستعمرة لأنه بعد أن قرر العمال الانتقال من سيجيرا للتغلب على منطقة أخرى ذهب إلى بلونسك وعندما عاد استدعى لمقر الحزب في القدس . أما تأسيس المستعمرة فلم يكن خطوة سهلة لأن أيديولوجية العمال كانت ضد تملّك الأرض حتى لا يصبحوا ملاّكا زراعيين لأنهم كانوا يكرهون هذه الطبقة من اليهود لأنها كانت تفضل العمال العرب. ولكن المجموعة في النهاية انتهت إلى القرار بأن الأرض ستكون ملك الجميع وسيشتغل فيها الجميع. وكانت الأرض ملكا للصندوق القومي اليهودي Jewsish National Fund . وقد وافق المسؤولون على هذه الخطوة ([35]) . واسم الشخص الذي اقترح هذا الحل هو جوزيف باراتز ([36]) . وهكذا أخذت فكرة الكيبوتزات تنتشر بين المستعمرات و الرواد من المستوطينين اليهود في فلسطين. وعندما رجع بن جوريون إلى القدس للعمل مع بن زفي في جريدة الحزب أخذ يدعو للوحدة بين اليهود لأنه لاحظ في تجواله أن معظم المهاجرين يتكتلون حسب جنسياتهم المحتلفة قبل مجيئهم إلى فلسطين إذ أن العصبيات القومية أقوى من الروابط الصهيونية المفتعلة. وفي العالم 1908عاد بن جوريون إلى روسيه وذلك لأن ثورة حزب الاتحاد والترقي في تركيه في هذا العام جعلت اليهود يأملون بالعمل في الاستيلاء على فلسطين بحرية لعلاقة الحكام الجدد بهم ورأوا أن باستطاعة بن جوريون وأمثاله من المهاجرين سرا أخذ الجنسية التركية. ولكن كان عليهم أولا أن يظهروا جنسياتهم الأصلية, ولهذا فإن من الواجب أن يكون بن جوريون قد أدى الخدمة العسكرية في روسيه وإلا فإن ذلك يخلق المشكلات لوالده في بلونسك. ولكن بن جوريون سرح من الجيش بعد أسبوع بسبب عدم اللياقة([37]).وأما بن جوريون فيقول أنه هرب من الجيش ([38]) في روسيه. وعندما رجع إلى فلسطين كتب لوالده يقول: أن خلق قرية جديدة في فلسطين أفضل من كل الاشتراكات المالية وأجدى نفعا من كل الاجتماعات والمؤتمرات. أن السكن في فلسطين هو الصهيونية الحقيقية فقط ([39]).
وفي العام 1910 ترك بن جوريون الجليل وذهب إلى القدس المركز الرئيسي الجديد لحزب عمال صهيون بعد يافا وأصبح عضوا رئيسيا وتفرغ للحزب الذي أخذ يدفع له راتبه. ثم اشتغل في تحرير مجلة الحزب الوحدة وظهر له أول مقال بإمضاء بن جوريون. وقد اتخذ هذا الاسم لإن له صله بالتوراة كي يبرهن على أنه ترك اسمه البولوني وأصبح يهوديا فلسطينيا([40]) . ومعنى هذا الاسم ابن الشبل ويقال أن صاحب هذا الاسم هو الذي قاد الثورة المسلحة ضد الرومان ([41]) . لقد كان هذا الاختيار اختيارا رمزيا يدل على اعتقاده بأن تاريخ مجيء اليهود إلى فلسطين هو تتمة لتاريخ اليهود القديم وأن خروج اليهود من فلسطين مدة ألف عام لا يعني شيئا وأن اليهود المقاتلين في الماضي يجب أن يكونوا قدوة ليهود اليوم. وهكذا تحول العامل المسلح إلى صحفي يغذي العقول بسموم الصهيونية, لقد استطاع أن يحوّل المستعمرات المسالمة الى ترسانات عدوانية توسعية, وبعد أن بدأ نواة العدوان أخذ يشتغل بالصحافة ويهاجم الملاّك اليهود لأنهم يستخدمون العمال العرب. ولا عجب في ذلك فهو من تلاميذ عزرا, عزرا الذي شرد العائلات اليهودية التي كانت تختلط مع غير اليهود. لقد كان عزرا يجهر بآرائه العنصرية وأما بن جوريون فهو يغطي عنصريته بدعوى المصلحة الاقتصادية. ويقول بن جوريون إنه كان دائم الحيرة بين البقاء كعامل أو استعمال مواهبه لتقديم مصلحة اليهود, ولكنه قرر أن يهتم بالمشاكل التعليمية والسياسية ويقول أنه الآن يرى أن قراره كان مناسبا, وأهم الأفكار التي كان يعبّر عنها في مقالاته في ذلك الحين هي : تنظيم العمال وتوحيد السكان اليهود وأخذ حكم ذاتي من الحكومة التركية([42]).