أنت هنا

قراءة كتاب كوخ في عطارد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
كوخ في عطارد

كوخ في عطارد

كتاب " كوخ في عطارد " ، تأليف لبنى السحار ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 6

هناك فقط سيكون بوسعي أن أزيح الغمام بإصبعي وأقطف أول ثمار حلمي وأعود محملة ببذور جديدة لأزرعها في أرض مدينتي الجرداء.

(اقتربتْ ساعتك، يبدو أننا سنلقي بكِ خلف الأسوار من جديد).

انظروا أنتم إلى ساعاتكم، لايزالُ الوقتُ مبكرًا كي تتسببوا لي في ثقوب جديدة.

اتركوا لي فسحة كي أرممَ القديمة وأعدكم بأنني سأسلم نفسي للحياة وستتولى هي محاكمتي وأنا على يقين بأن حكمها لن يكونَ جائرا كأحكامكم.

ولكن إن لم نمنعك من ممارسة أبسط طقوس حريتك في منتصف العمر متى سنمنعك من ممارستها؟

لم أُجبْ

فسألني غاضبًا: أين تسكنين؟

أمثالي ياسيدي لا يهتمون بالجهات الأربع لأننا نسكن في الجهة الخامسة، ولكن الحياة أحيانًا تجبرنا على البقاء في جهة واحدة والسير ضمن الإطار.

كلما أخذنا قاربنا خفية إلى جزيرة نائية، مجهول يشبهك يرسل لنا جيشًا من حراس مقنعين كي يعيدونا للسير داخل المحيط الصغير مدعين بأن هجرتنا غير شرعية.

أخفوا القمر عن أعيننا ولملموا النجوم وألقوا بها بعيدًا عن مداراتنا.

منعونا من التحليق وصعود المرتفعات، في كل الطرقات تجد لافتات مكتوب عليها بالخط العريض وباللون الفسفوري المضيء

(أنظرْ تحت قدميك).

بعد مضي موسم الاعتقالات سمحوا لي بالتسكع -وقت الظهيرة فقط- واشترطوا أن يرافقني فيها حارس شخصي، أمروه سرا بأن يضع في حذائي جهاز تنصت صغير، سايرته وصاحبته أول ساعة وما إن ضربته دوت صفارة الإنذار في جميع المفارق، فخرجتِ العصابات من جحورها، أغلقوا النوافذ وحاصروا الأنفاق وأحاطوها بأسلاك شائكة- مشابهة لتلك التي أحاطوا بها الجزء الأكبر من السماء- بعدها أرسلوا برقيات تهديد لجميع السكان.

كسرتُ جميع الإطارات وحزمتُ أمتعتي وكتبتُ وصيتي لجيلي وللجيل الذي سيأتي من بعدي، أخبرتُهم بأنني راحلة إلى بلاد الحرية وتوسلتُ إليهم بأن لا يقتربوا مني وأن لا يحاولوا أن يتعدوا على خصوصيتي، وأخذتُ ميثاقًا غليظًا منهم بأن لايخبروا الحراس الهمجيين عن خطتي ومكان إقامتي مهما حاولوا إغراءهم بالمال.

قررتُ أخيرا أن أصيغ معزوفتي الإنفرادية، حتى وإن لم يطرب لها أحدٌ من السامعين، سأشدو بكلماتي أنا وألحاني أنا وسأنسج أفكاري وأدمج معها صورا من اختياري أنا

حان الوقت لأعتزل مهنة الببغاوات التي ورثناها أبًا عن جد.

سمعوني فأغلقوا النافذة بشجرة أخرى، وأقنعوني بأنهم أضاعوا المفتاح.

...

لاتتركوني هنا أيها الأوغاد

لابد أن أخرج كي أنظمَ قصائدَ الحرية

ألم تنتبهي بعد أن الحرية حكرًا على الذكور ولن تكونَ يومًا حقًّا أنثويًّا.؟!

حرقتُ آخرَ ما كتبته وهتكتُ عرض جميع الأوراق

وأجبرني الساسة على السير رأسًا على عقب لساعات

وبعدها اتخذ العالم ضدي أبشع قرار، إما الحبس مدى الحياة أو التوقف عن الكلام.

الآنَ عرفت، بسبب شعْري الطويل كانوا يمنعونني من مشاهدة العالم من حولي ويمنعون العالم أن يتصل بـي، وبسبب صوتي الشجي كانوا يعطونني حبوبا زرقاء تؤدي إلى الخرس على المدى البعيد، وبسبب منحنيات جسدي زرعوا تلك الشجرة الملعونة بجوار السور.

تبًا لهمْ ولأنوثتي

منذ ذلك اليوم قصصتُ شعري ولم أسمح له بأن ينمو من جديد.

وها أنا ألهو بين حدائق الحياة...

الصفحات